التقنية تزرع الشك وتفسد العقل (قصص وحكايات)

[email protected]

التقنية تقطع أواصر الصداقة وتزرع الشك بين الأصدقاء والأحباب. ذات يوم اتصل بي أحد الأصدقاء، بعد انقطاع طويل يزيد على أربع سنوات، والذي كانت تربطني به علاقات خاصة ومتميزة, بحكم الدراسة في أيام الشباب واطلاعي على ظروفه وأحواله الخاصة. طلب مني وبإصرار شديد مقابلته لمناقشة موضوع مهم يخصه. تقابلنا في أحد المقاهي وبدأ يهمس لي ويلتفت يمنة ويسرة بعد أن طلب مني (وبإلحاح شديد) إقفال هاتفي المحمول. وافقته على مضض لأني كنت أتوقع اتصالا في تلك الساعة. اعتقدت أن هناك أمراً مهما وسريا وقد يكون فيه حياة أو موت. بدأ يسرد علي ما لديه من مشاكلات خاصة ويرغب مني مساعدته والتدخل لحل المشكلة. استغربت تصرفه . كان بإمكانه مناقشة هذا الأمر عبر الهاتف الثابت أو المحمول ولكنه قاطعني قائلا: "أنت أستاذ اتصالات وقد تسجل محادثتي. بل يعتقد البعض أنك تستطيع التسجيل عن بعد باستخدام تقنية البلوتوث".
قاطعته قائلاً: لماذا يا صديقي أسجلك؟ وما الفائدة التي أجنيها من ذلك؟ أليس هناك رقيب وحسيب؟ ولكني أفوض أمري إلى الله، والله المستعان على ما تصفون.
صدقني يا صديقي أن استعمالي الجوال محدود جداً لا يزيد على الاتصال والاستقبال. بل في معظم الأحيان أطلب من أبنائي مساعدتي إذا حصل إشكال لبرمجة هاتفي المحمول.
أما بالنسبة للتسجيل عن بعد فهذا مستحيل لأنه لا يمكن التسجيل باستخدام البلوتوث ولا تعمل إلا في حدود تراوح فيما بين 10 إلى 100 متر تقريباً.
لكنه كان متأثراً نفسيناً جداً, بلغ به الشك في كل من حوله، وبدأ يذكر لي أحداثا ومواقف وقصصا وحكايات إلى درجة أنه أصبح يشك في كل حركة في المقهى، في الشارع, وفي المنزل. بل كان محور حديثه ومشكلته الأساسية مع أحد أقاربه وجيرانه ممن يمتلكون أجهزة جوال.
حاولت أن أطمئنه وأقول له المؤمن كيس فطن والشك إهانة والغيرة أمانة لا تشك في أصدقائك وأقاربك وجيرانك ولكن أن تغار على محارمك وبطريقة ذكية ومعقولة وبعيدة عن التطرف فلا بأس, ولكن إن تصل الأمور بك إلى ما أنت عليه وتشك فيمن حولك هذا مرض يستدعي العلاج العاجل. أو أن تذهب إلى مكان بعيد لا يوجد فيه أحد (الصحراء مثلاً) لكي تعيش بأمان بعيدا عن التقنية ومشكلاتها.
وفي قصة أخرى وصلتني عبر بريدي الإلكتروني كتعليق الأحد القراء حول موضوع التنصت والمراقبة وقراءة أفكار الآخرين والتحكم فيهم من بعد. يقول صاحب الرسالة: " أنا رجلا ًذكي جداً ولدي اختراعات وخبرة جيدة في مجال الاتصالات والإلكترونيات وقد تقاعدت من عملي مبكراً, وكان السبب أنني أشعر بأنني مراقب دائم وخصوصاً من الأمريكيين فقد قابلت أحدهم ونظر إليه نظرة حادة فيها شيء من التفحص والتهديد. دائماً أشعر بأن هناك من يراقبني ويستخدم أجهزتي المنزلية لإرسال أفكاري وما يجول في خاطري إلى أعدائي. وقد تأكدت من صحة أفكاري واعتقاداتي بعد أن قراءت مقال في جريدة "الشرق الأوسط" مفاده أن هناك تقنية جديدة تستطيع التحكم في الشخص من بعد وقراءة أفكاره ومعرفة نواياه. أنا الآن يا دكتور عوض أمر بحالة نفسية صعبة جداً, آمل من سعادتكم إرشادي ومساعدتكم.
مما سبق يتضح لنا مدى تحكم التقنيات الجديدة في حياتنا. فقد تفقدنا الثقة بأنفسنا والآخرين. بل أصابتنا بكثير من الأمراض التي لم تكن معروفة في مجتمعنا من قبل.
هل ندع التقنية تمتلك مشاعرنا وتتحكم في عقولنا؟
لا يعلم السر وأخفى إلا الله ومن شك في ذلك (والعياذ بالله), فعقيدته في خطر شديد ويجب عليه مراجعة نفسه, والثقة بالله لأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي