هل تستطيع "أوبك" وقف انخفاض أسعار النفط؟

[email protected]

انخفضت أسعار النفط بأكثر من 35 في المائة خلال الشهور الستة الأخيرة، ولكن النسبة مضللة ولا تدل على القدر الحقيقي لهذا الانخفاض. فهذه النسبة تساوي أكثر من 27 دولارا للبرميل. نعم، انخفضت أسعار النفط بأكثر من 27 دولارا للبرميل خلال هذه الفترة القصيرة. الانخفاض فقط يساوي سعر برميل النفط في فترات سابقة!
مشكلة الدول المصدرة للنفط لا تتمثل في انخفاض أسعار النفط فقط، وإنما تتمثل أيضاً في استمرار الدولار بالانخفاض وارتفاع معدلات التضخم في الدول الصناعية. هذا يعني أن القيمة في الشرائية للنفط تنخفض بشكل أسرع من انخفاض القيمة الاسمية له، لذلك يرى البعض أن على "أوبك" أن تتدخل لرفع أسعار النفط، أو وقف مسلسل الانخفاض على الأقل. لكن المشكلة أعقد بكثير من مجرد عقد اجتماع واتفاق الأعضاء على تخفيض الإنتاج، خاصة أن ارتفاع أسعار النفط في السنوات الأخيرة لايعود إلى سياسات "أوبك" الإنتاجية، وإنما إلى عدم توافق نمو الطاقة الإنتاجية مع نمو الطلب العالمي على النفط. علينا أن نتذكر أن ارتفاع الأسعار وتجاوزها 50 دولاراً للبرميل فاجأ الجميع، بما في ذلك وزراء "أوبك"، فما بالك عندما ارتفعت الأسعار وكادت تصل إلى 80 دولارا للبرميل؟ علينا أن نتذكر أن توقعات المحللين ووكالة الطاقة الدولية و"أوبك" فشلت، خاصة في عام 2004، وأن كثيراً من بيوت المال وصناديق الاستثمار خسرت مليارات الدولارات في الأسابيع الأخيرة بسبب انخفاض أسعار النفط في الوقت الذي توقعوا ارتفاعها. علينا أن نتذكر أنه خلال 12 شهراً في عام 2004، قامت وكالة الطاقة الدولية بتعديل توقعاتها للطلب العالمي على النفط 14 مرة! لذلك فإن اتخاذ قرار بتخفيض الإنتاج ليس بهذه السهولة.

دور "أوبك" محدود
تتميز أغلب قرارات "أوبك" بأنها تحمل في طياتها ما ينقضها وهذه بعض الأمثلة:
1- قرار "تخفيض" الإنتاج في فترات انخفاض الأسعار يجبر بعض الدول الأعضاء على "زيادة" الإنتاج لجني إيرادات كافية لتسيير أمور الدولة. هذا يعني أن الخاسر في هذه الحالة هي الدول التي تقوم بالتخفيض. تدعم بيانات إنتاج "أوبك" خلال الـ 35 سنة الماضية هذه الفكرة، كما توضح أن هناك دولا لم تلتزم بحصتها على الإطلاق.
2- تخفيض الإنتاج فعلياً بهدف "رفع" أسعار النفط يسهم من ناحية أخرى في "تخفيضها" لأنه يرفع مستوى الطاقة الإنتاجية الفائضة في دول "أوبك". تشير البيانات إلى وجود علاقة عكسية بين الطاقة الإنتاجية الفائضة وأسعار النفط.

3- تخفيض الإنتاج وما ينتج عنه من ارتفاع الطاقة الإنتاجية الفائضة يجبر المضاربين على الانسحاب من أسواق النفط، ويؤدي بالتالي إلى "انخفاض" أسعار النفط بدلاً من "ارتفاعها"! المشكلة هنا أن وزراء "أوبك" اتهموا المضاربين برفع أسعار النفط إلى مستويات قياسية وأصر بعضهم على أن أسعار النفط أعلى من قيمتها السوقية بأكثر من 15 دولارا للبرميل بسبب المضاربين. فإذا كان الاتهام صحيحاً، فإنه من المنطقي أن تنخفض أسعار النفط بالكمية نفسها إذا انسحب المضاربون، وعلى "أوبك" أن تقبل السعر الجديد.

4- تخفيض الإنتاج بهدف رفع أسعار النفط الاسمية للتعويض عن انخفاض قيمة الدولار بهدف "الحفاظ" على القوة الشرائية لصادرات النفط يسهم في "تخفيض" هذه القوة الشرائية. رفع أسعار النفط يسهم في زيادة العجز في الميزان التجاري الأمريكي، الأمر الذي يسهم بدوره في تخفيض قيمة الدولار. في الوقت نفسه يؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى رفع مستويات التضخم في الدول الصناعية، والذي يؤدي بدوره إلى رفع أسعار السلع المصدرة إلى الدول النفطية. قد يرى البعض أن البيانات تشير إلى عدم ارتفاع مستويات التضخم بشكل كبير، ولكن هؤلاء يتجاهلون حقيقة مهمة وهي تدهور نوعية مستويات السلع والخدمات المستوردة، الأمر الذي يعني أن مستويات التضخم الحقيقية، حتى في الدول الصناعية، قد تكون أعلى من المعلن.
5- إذا كانت "أوبك" قادرة على التحكم في السوق فعلاً فإن أي تخفيض فعلي للإنتاج يعني تقليص حصتها السوقية وخسارتها لصالح دول خارج "أوبك". هذا يعني أن "أوبك"، وبشكل اختياري، قررت ترك مقعد السائق للآخرين. لا يمكن لـ "أوبك" استرداد قوتها إلا إذا استخدمت طاقتها الإنتاجية الفائضة وزادت إنتاجها، وهذا سيؤدي، في الحالات العادية، إلى تدهور أسعار النفط.

6- إذا خفضت دول "أوبك" إنتاجها فعلياً ورفعت مستوى طاقتها الإنتاجية الفائضة فإن هذا قد يجبرها على التخلي عن مشاريع توسعة الطاقة الإنتاجية الحالية أو التي خططت لها في المستقبل. سينتج عن وقف هذه المشاريع خسائر مالية ضخمة قد تتجاوز الخسائر الناتجة عن عدم تخفيض الإنتاج.

لانخفاض أسعار النفط أهمية خاصة
قرار تخفيض الإنتاج بهدف وقف تدهور أسعار النفط ليس بالبساطة التي تتوقعها الجماهير في البلاد النفطية. بالإضافة إلى التناقضات السابقة، فإن هناك عوامل سياسية واقتصادية وفنية تؤثر في قرار تخفيض الإنتاج لم تتم مناقشتها. يضاف إلى ذلك أن لانخفاض أسعار النفط في الأسابيع الأخيرة، وبقائها منخفضة مقارنة بأسعار عام 2006، أهمية خاصة تجعل بعض دول "أوبك" تفضل مستويات الأسعار الحالية عما كانت عليه في العام الماضي. فانخفاض الأسعار وبقاؤها في مستويات أقل من مستويات عام 2006 يفحم كل من قال إن إنتاج النفط العالمي بلغ ذروته أو شارف على بلوغ الذروة، كما يفحم من شكك في إنتاج السعودية واحتياطياتها. أما أولئك الذين توقعوا تجاوز أسعار النفط 100 دولار للبرميل فقد دفعوا ثمناً باهظأً لتوقعاتهم الخاطئة وخسرت شركاتهم مئات الملايين من الدولارات. لقد أثبت الواقع أن أسعار النفط المعتدلة هي الأسلم للجميع على المدى الطويل، اقتصادياً وسياسياً. فنحن جزء من هذا العالم من المترابط، ومادام مستهلكو النفط بخير، نحن بخير. وهنا لابد أن نذكر أن مشكلة الدول النفطية لا تتمثل في انخفاض أسعار النفط، وإنما في عدم قدرة مواردها البشرية على تنويع مصادر الدخل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي