(للصبــر حـــدود)
لقاء هادف ضمَّ مجموعة من الشباب الجداوي، لنقاش تحديات الحياة المعيشية ومصاعب واقعهم الاقتصادي في محاولة لمعرفة الأسباب الكامنة لضائقاتهم والتغيرات المحيطة بحياتهم، والتوافق لبدائل الطرق والوسائل النافعة لمساندة جهودهم لتحسين الأحوال المجتمعية بحزمة من الأفكار المفيدة لإزالة السلبيات وتعظيم رقعة الإيجابيات. الوفاق بينهم على التحديات التي يواجهونها نسبه متفاوتة والخلف لما يعود بالنفع ساحاته ضيقة. انزعاج الجميع على مستقبلهم واضح. هاجس التآخي لفهمه بمثابة رباط متين بينهم، يدور، من فوقهم ومن تحتهم في فراغ فكري. إفرازا ته الاجتماعية المرئية والمسموعة خطيرة وتراوح بين الإصابة بالدوار الفكري والإحباط النفسي والتشرُّد الجسدي .
كبار المجتمع الجداوي مكاناً وسناً معظمهم يتشاركون مع الأبناء الشباب في الفزع والهلع لآتي الزمان. الحياة من حول كبارهم تغيَّرت بعد أن طارت عصاة المسؤولية التي كانوا يتوكأون عليها مجتمعياً. اطمئنانهم مبعثر لتدنـِّي الأقيام الشرائية الحقيقية لدخولهم لمتطلبات الحياة وفقدان المظهرية الاجتماعية من السيط والغنى التي كانت متوافرة مع الدخل الوظيفي والمكانة الاجتماعية في العمل والمجتمع والبيت. زعزعة العزيمة المعهودة أمام ثبات راتب التقاعد في ظل تزايد أسعار الاحتياجات المعيشية بمعدلات سنوية لا تقل عن 10 في المائة، ولا يخفضها معدل التضخم الإحصائي الرسمي لمستواه دون 2 في المائة. شبابية الوظيفة صاحبتها فرص تحسين الماديات والمعنويات المعيشة مع قدمها. "التقاعدية" بدايتها "قرطسة" مخملية خاملة حتى ظهور "الضاع". الهالة المجتمعية بخـَّرها تآكل قدرة الدخل التقاعدي تحت ضغوط زيادات الأسعار لضروريات الحياة بما لا يقل عن خمسة أضعاف المعدل الرسمي للتضخم.
طالما أنَّ ماء البحر بأمواجه لا تكذب الغطاس، مفروض أنَّ أسعار الأسواق لمستلزمات الحياة المعيشية لا تكذب معدل التضخم الرسمي. التقارب بين مخرجات كل منهم سراب. الأرقام تصدَّق حسابياً، وقد تتفاوت محاسبياً، وتشرق وتغرب إحصائياً مثل الريح قد "تأتي بما لا تشتهي السفن". كبار المجتمع وشباب المستقبل يتابعون نشرات الأخبار المحلية ويقرأون المواضيع المتداولة في الصحف المحلية الاقتصادية ويعون الفوارق المؤثرة في حياتهم. كثرة المقروء والمسموع عن المستجدات والمشاريع والمخصصات الربحية، تحوَّل التفاؤل للأحسن. مشاركتهم في "فوران" النفع القادم من زيادة الدخل العام ومشاريع النماء الجديدة تدفع بهم لأمواج الهيام الذي يصيبهم ويدفع بهم للتساؤل بين بعضهم البعض عن الفوائد والأضرار التي تلحق بهم من ثبات ارتباط الريال بالدولار الأمريكي وأهمية توحيد العملة الخليجية على حياتهم، وإلغاء التعرفة الجمركية بين دول مجلس التعاون، والبحث عن آليات المتابعة لتوفير ضمان الأموال في سوق المال. إهتمامهم بغسل الأموال مفقود لندرة تدفقاته لأياديهم وهزالته بجيوبهم في مواجهة تكاليف المعيشة المتصاعدة، وتزايد تكاليف احتياجات كبر السن الصحية.
أغلب الشباب يواجهون التحديات والمصاعب والنكبات وفقا لتطبيقات النظم والقوانين وضمن العادات والتقاليد لانزعاجهم للمستقبل. تردي الأحوال يتسبَّب في إحباط يائس يقود لمنطلقات اقتصادية واجتماعية غير مرغوبة. التفاوت بين فعاليات طبيعة التطبيقات المعتمدة للآليات الرسمية والمجتمعية وواقع عصر الشباب، يحتاج إلى "تفاهم" بين أصحاب الحل والربط رسميين وأهليين وخاصة ومجموعة الشباب لمعرفة حقيقة "الحلقة" الضائعة لتوفير الراحة والطمأنينة لأكبر شريحة من أبناء المجتمع ضمن النظم والقوانين القائمة والثقافة المجتمعية الحضارية والعادات والتقاليد المتدرجة في الفناء. توافر توجه واقعي وأسلوب عملي للتوافق بين تطبيقات الأنظمة والقوانين والتزام المواطن شباباً وكباراً حجة وحاجة لانطواء المواطن المسئول عن تطبيق النظام من جهة واتباعه للفائدة من جهة أخرى. الشباب والكبار يرتاحون لرباط المحبة والوفاء مع القيادة ممثلة في خادم الحرمين الشريفين. دون ذلك منزعجون وخائفون أنهم متروكون على "زرهم".
المسنون لا نتعرَّض لهم جهارا لا بالهمس ولا بالمس. ربما أصبحوا كتلة بشرية مهملة و"محجور" عليهم اجتماعيا ومادياً بعد أن فقدوا العالي والواطي. التجهيزات الحكومية والمجهودات الأهلية، والمساعدات الخاصة عجزت أن توفر لهم الدور الاجتماعي والقوت المعيشي. حديث الروح عن الكبار والشباب إذا توافر له قطرات من الاهتمام ربما فيها فيض يشمل المسنين. الكبار يعيشون دوامة قاتلة من كثرة قراءة البلايين المبعثرة في الصحافة الاقتصادية المحلية للإنفاق الحكومي على المشاريع وأرباح الشركات المساهمة في سوق المال السعودي الخاسرة وزيادات رؤوس الأموال.. إلخ. الحسرة والألم يحزان فيهم أنَّ الخير يتناثر من حولهم ولا يمطر عليهم. كثيرون يتشاركون في المعاناة مع تفاوت الأسباب والخلفيات. المعالجات الداوية تتطلب مفاهمات ودراسات وتطبيقات حانية. مشاريع التنمية كثيرة ووفيرة لتواجه الاحتياجات التشييدية وتفيد القطاعات المساندة والموفرة للمستلزمات والموارد البشرية. هموم التحديات الاجتماعية ساقطة من الحسابات و"الحي يدفع الميِّت".
يترتب على قيام هذه المشاريع معاناة مباشرة وغير مباشرة على الكبار والمسنين. وفرة السبعينيات أعطت جرعة قوية للهو "المواطن القادر" لتكاثر الأموال وتزايد الأرصدة النقدية والمعرفية مدعومة بفتاوى إسلامية متعددة لا تدخل ضمنها برامج اجتماعية اقتصادية ربحية لمساندة الكبار لتنمية مخصصاتهم التقاعدية والشباب لاكتساب معرفيات مربحة للمستثمر وداعمة لقدرات الطاقات البشرية المتوافرة استثمارا منتجاً للأجيال القادمة. يتوافر للاقتصاد الوطني السعودي أصحاب أعمال مؤثرون ورجال أعمال كثيرون وتجار منقرضون. المجتمع السعودي يحتاج لمديرين مبدعين وأثرياء يستثمرون الحاضر للمستقبل في الأعمال والاستثمارات التي تساعد على تخفيف الضائقات الإنسانية بالأعمال المجتمعية المربحة لهم. الطرق التقليدية في أعمال الخير لا تنهي المواطن القادر أن يوظف الأمين القوي بعد تزويده بالعلم والمعرفة التي تزيد من أمواله وترفع المعرفيات مجتمعياً.
استمرار المعاناة الاجتماعية، وتنامي الفراغ الفكري للأبواب المسدودة مجتمعياً ورسمياً في طريق الكبار وشباب المستقبل يزيد من انزعاج بعضهم ويدفع بكثرة منهم إلى أساليب مخرِّبة وطرق جهنمية تضر بهم وتضرب القيم الاجتماعية وتقضي على البقية الباقية من العادات الطيبة المتوارثة والأعراف القيمة والمواجيب الإنسانية. كثرة منا تتألم من التفكك الأسري وتتضرَّر من تزايد الطلاق على الزواج.
النتائج السيئة المترتبة على التباين بين فرحة الزواج وتعاسة أكره الحلال عند الله حديث المجتمع. مشاكله أصبحت تسلية عند الرجال مثل الكيف في الوقت الذي هو سم ينخر نسيج القيم لا "ترقعها" صيانة الطرقات ولا تشييد الجسور والكباري وإقامة المصانع. المطلقات "يتجاكرن" في مقارنات مجحفة "لصنف الرجالة". العدالة من منظورهم غائبة عن أحوالهم. نصيبهن في التوظف" قصص مأساوية تحكي مآسي ومعاناة مئات الآلاف من النسوة اللائي راهن على مجال التعليم, وبعضهن خسرن بيوتهن وأزواجهن وأرواحهن من أجله "( الحياة إصدار الخميس 18/1/2007). الاهتمامات منشغلة في إدارة الوفرة الزائدة بفكر السبعينيات المتطور فقط في تشغيلها بمستويات متزايدة لقيام تشييدات أسمنتية وأسفلتية محلية وأرصدة نقدية داخلية بيضاء ليوم قادم صعيب، بدلاً من تسرب معظمها للخارج، "زي أيام زمان" وترتب عليه عملة "اليورو دولار" عالمياً.
الفكر الاقتصادي المتجدِّد يتطلب إبداع التفكير المحلي من الداخل المدعم بالعلم والمعرفة الغربية الرأسمالية، لتوفير حلول وطنية اجتماعية تعطي المواطن الحماس للإتقان والرغبة في التفاني والمعرفة للأداء لفرص عمل متوافرة ومزاحمة للنشاط ومقبولة لمعيشة توفر خطة التنمية تحقق مجالات واسعة لتخفيف تكاليف المعيشة في إنجاز الاحتياجات الأساسية مثل النقل وإتاحة مجالات الحياة الطبيعية للذكر والأنثى، بدلاً من "أخذها من قصيرها" "تجنباً للذرائع". الهمس تخطى الجهر للغبن المتزايد طبقياً وجنسياً .الإحباط يتزايد داخل المواطن المثقل بالهموم لأن أموره " لا تجمع" يصيبه تيهان من معاناة يسمعها ويقرأها مثل إعلان أرامكو السعودية للعالم عن مشاريع قيمتها 507 مليارات دولار أمريكي "من أجل ضمان حصول اقتصاديات العالم على احتياجاتها المتنامية من الطاقة". منظوره تحري المستثمرين السعوديين نشاطات استثمارية واضحة ومحددة لربحيتهم وتنمية اقتصادهم وإعانات الكبار وتشغيل الشباب.
"البزبوز البراني" لا يروي الداخل، الاعوجاجات الداخلية الاجتماعية تغطيها الصحافة اليومية بتوسع.
نشرت أخيرا صحيفة محلية أنَّ مجموعة من المطلقات المتعلمات المثقفات قررن تشييد موقع إنترنت للمطلقات يعرضن فيه وقائعهن والسلوكيات الزوجية والانحرافات المسيارية موعظة لغيرهن وانتقاما من مجتمع خذلهن ولحق الضرر بهن. الإزعاج ليس في الإقدام المرفوض، بقدر ما هو للظروف والملابسات لواقع المعاناة الاجتماعية النسائية شبيبة ومُسنة.
الظروف الاقتصادية الصعبة والممارسات اللا إنسانية التي تعيشها الطليقة لتفاوت عدالة تعامل النظام والقانون والعادات والتقاليد بين الطليق والطليقة في ظروف اجتماعية واقتصادية تغيَّرت اليوم عن البارحة دون إحقاق الحق بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية السمحة. المطلقة السعودية تشعر في قرارة نفسها استحالة الحياة الرغدة دون زوج. لكن الأكثر خشية من منظورها قساوة الزوج السعودي. العدالة في نظرها إعطاء الطليقة حقا عادلا عوضا عن ترك العدالة نائمة في جنف الزوج المطلق. البعض منهن قادر أن "يلقط شوكه بيده". الأغلبية تنتظر لطف الله مساعدة لمعاناتهم وابتعادا عن الخطيئة. الشكوى ليست من الطلاق في حد ذاته بقدر ما هي تطلع لمساواة عادلة بين الطرفين في تسوية.
ربما النظم والقوانين والعادات والتقاليد كافية لإنجاح البرامج التنموية الأساسية اجتماعيا واقتصاديا. القصور في التباين بين المأمول والمحقق قد يكون من الآليات المستخدمة في إنجاز المهمات أو تقاعسها عن تحقيق الأهداف أو لتقصير القائمين بالأعمال. فكر الترابط والتلاحم التنظيمي بين تركيبة المجتمع الأهلي والخاص والرسمي لا يوفر الانسياب المطلوب للاستفادة من الجهود المبذولة. الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك. الفكر إذا تخلف عن العصر الذي يتعامل معه، فإنَّ التخلف "يسكن" هاجس المتصدي لإصلاح الأوضاع الاجتماعية الاقتصادية بكامل محتوياتها الأسرية. التباطؤ في الإنجاز وتوفير النتائج والحلول المطلوبة مسؤولية الإنسان وليس الوسائل والآليات. الإبقاء على المشاكل دون حلول مواقف بقرار "مُعطـِّل" و"مُعطـَّل"، يُفقد الأمل في المستقبل ويسبب البؤس والكآبة. الكبار "يسلـُّون" أنفسهم بالمعاناة المجتمعية لسنين طويلة، والشباب يفقدون الأمل ويرحلون للخارج بحثاً عن العمل أو ينغمسون في معاصي الداخل.
الكبار يتحدثون عن "تعليق" قضية نصب الأجهوري في توظيف الأموال في الستينيات وبقائها "لا مطلقة ولا معلقة" لأربعين عاما. الشباب يقرأون اليوم عن "نحو30 ألف مساهم تورطوا في قضايا توظيف الأموال داخل البلاد. عام 2006 شهد انهيار الأسهم وبروز ظاهرة الشركات الوهمية، دون الحصول على مستحقاتهم المالية التي تتجاوز مجتمعة حاجز سبعة مليارات، في الوقت الذي بقي فيه هذا الملف عالقا دون حل، وسط غياب أي قرارات لحسم القضايا العالقة". (الرياض إصدار يناير 2007م) الوفرة التي نعيشها في بداية رحلتها. الوقت ما زال في صالح الوطن للاستفادة الأفضل لتأخذ منها فرصاً معرفية وتشييدية في استثمار لعطاء مستدام مضاف بمعالجة اقتصادية رابحة للمشاكل الاجتماعية العالقة بقدر كبير نراها ونعترف بوجودها من عيون المظلومين من أمراض العصر التي تنخر في المجتمع ومعالجة العلاقات الإنسانية من منظور التساوي العادل للحياة بين الرجل والمرأة، المسنين والكبار والشباب. الإنسان المواطن العارف الأمين القانع بدخله، الراضي بعمل يكسب منه، القوي في صحته، المحصـَّن من مغريات الحياة وأمراضها أهم في موازين ثروة الأمة في تشييدات البنيات الخرسانية للوطن.
ناكر للنعمة من لا يعترف بالنهضة الإنسانية القائمة ولا يعرج على التوسع في الخدمات العلمية والصحية والاجتماعية. القدرات والطاقات والإمكانات المتوافرة عالمياً، فاقت المستويات المتوافرة محليا بالبلايين المنفقة. التواصل مفقود بين المواطنة الرسمية والأهلية والخاصة للعمل سوياً لمواكبة المستويات العالمية من جهة واحتواء طموحات الشباب وسد رغبات الكبار من جهة أخرى. المشاريع الإنمائية والإنفاق الحكومي تتوافق مع المخططات النظرية ولا تأخذ قدرات وكفاءات احتياجات ورغبات المواطن في الحسبان. البرهان أنَّ المخرجات لا تتوافق مع الخطط. طالما أنَّ مقدم الخدمة والمستفيد منها مواطن سعودي، مفروض أنَّ حل اللغز في "اليد" دون مساندة متفردة من صندوق النقد الدولي ولا مسيطرة من البنك الدولي. الاستعانة بالخبرة الأجنبية الحرة الصادقة واردة دعما للجهود المحلية. أوضح وزير التربية السابق في البحرين الدكتور علي فخرو" أن كلمة التغيير في الواقع الاجتماعي محكومة بثلاث دلالات هي في عدم الرضا عن الحاضر والرغبة في تبديله نحو الأفضل والأحسن إنسانيا وماديا, وفي الاطمئنان إلى وجود عوامل وإمكانات لإحداث ذلك التغيير إلى جانب امتلاك تصورات واضحة ستكون عليه الحال عند وصول عملية التغيير إلى نهايتها. والله أعلم.