عام مضى حافل بالإنجازات الاقتصادية .. ولكن؟

[email protected]

بانتهاء عام 2006، ودخول العام الجديد 2007، أسدل الستار، على عام مضى كان حافلا بالحراك وبالإنجازات الاقتصادية والمالية والاستثمارية العملاقة المتتابعة والمتلاحقة، التي حققت للاقتصاد الوطني تقدماً ملموساً، ومستوى غير مسبوق في الأداء.
من بين الأحداث الاقتصادية، التي تمت خلال العام الماضي، وقبل بدايته ببضعة أيام، على سبيل المثال لا الحصر، قبول عضوية المملكة وانضمامها رسمياً إلى منظمة التجارة العالمية، بعد مسيرة عمل شاق، جاد ودؤوب، استمرت على مدى عشر سنوات، ستحقق للمملكة، بإذن الله تعالى، مكاسب اقتصادية عظيمة، لعل من بين أهمها وأبرزها، فتح السوق السعودية على 149 سوقا عالمية، وهو عدد أسواق الدول الأعضاء في المنظمة، البالغ عددهم 150 عضواً، الذي بدوره سيمكن السلع والخدمات السعودية، من النفاذ لأكبر عدد ممكن من أسواق العالم، الأمر الذي سينعكس بشكل إيجابي كبير، على الصادرات السعودية (غير النفطية)، التي تجاوزت قيمتها العام الماضي مبلغ 70 مليار ريال، كما أن ذلك الانضمام، سيوفر للمملكة الحماية التجارية الكافية، بموجب قوانين المنظمة، وسيجنبها أن تكون عرضة للسياسات والتدابير التجارية التعسفية، التي كانت تمارس في حقها، قبل بعض الدول وبالذات في حق صادراتها التجارية.
من بين أبرز الأحداث الاقتصادية أيضاً، التي حدثت في العام الماضي، استخدام جزء كبير من فائض ميزانية العام المالي 1425/1426هـ، في تغذية ورفع رساميل عدد من الصناديق التنموية، التي لها مساس مباشر بحياة المواطن السعودي، مثل صندوق التنمية العقاري، والصندوق الصناعي للتنمية، بما في ذلك استخدام الفائض في إطفاء جزء من الدين العام، ومن بين الإنجازات الاقتصادية كذلك، اعتماد الحكومة، وإقرارها لبناء عدد من المدن الاقتصادية العملاقة، بعدد من مدن المملكة، التي لعل من أهمها وأبرزها، مدينة الملك عبد الله الاقتصادية في رابغ، ومدينة الأمير عبد العزيز بن مساعد في حائل، ومدينة جازان الاقتصادية، والتي يتوقع لها جميعاً أن تستقطب رساميل واستثمارات محلية وأجنبية، ستتجاوز قيمتها الـ 165 مليار ريال، وأن تستحدث وظائف جديدة في الاقتصاد، بأكثر من 500 ألف وظيفة (مباشرة وغير مباشرة).
على الصعيد الاستثماري والمالي والمصرفي، استطاعت المملكة أن تستقطب حجم استثمارات أجنبية، بلغت قيمتها خلال العام الماضي نحو 250 مليار ريال، وأن تعتمد الترخيص لعدد لا بأس به من المصارف الأجنبية للعمل في السوق السعودية، إضافة إلى اعتماد الترخيص لبنك الإنماء برأسمال وقدره 15 مليار ريال، ولعدد من شركات التأمين، ولأكثر من 42 شركة وساطة واستثمار مالية.
الأداء المتميز للاقتصاد السعودي خلال العام الماضي، توج بتحقيق الميزانية العامة للدولة للعام المالي 1426/1427هـ (2006)، لفائض مالي غير مسبوق، يعد تاريخيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى في عمر المملكة، والذي قدر بنحو 265 مليار ريال، واستقطع منه مبلغ 100 مليار لدعم الاحتياطي العام للدولة، ومبلغ عشرة مليارات لدعم صندوق الاستثمارات العامة، ووجه أيضاً منه نحو 105 مليارات لإطفاء جزء لا بأس به من الدين العام، ليصل بذلك حجم الدين، إلى حدود 366، ولتتقلص نسبته إلى (28 في المائة) من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ (40 في المائة) بنهاية عام (2005).
الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد 1427/1428هـ (2007)، جاءت بالشكل الذي يتوقع له أن يحقق الخير الوفير للشعب السعودي، بالذات أنه قد خصص منها مبلغ 140 مليار ريال، للإنفاق على بناء وتشييد عدد كبير من المشاريع الرأسمالية والتنموية والاستثمارية الجديدة، إضافة إلى استكمال عدد من المشاريع التنموية القائمة.
الوضع المالي والاقتصادي المتميز الذي تحقق للمملكة العربية السعودية في العام الماضي، استرعى انتباه العديد من مؤسسات التقييم المالي العالمية، مثل وكالة ستاندرد آند بورز، ووكالة فيتش العالمية، حيث منحت الأخيرة بموجبه، تقييم (A+)، للديون السيادية للمملكة، الذي يعد من بين أعلى التقييمات المالية على مستوى العالم.
دون أدني شك، إن الاقتصاد السعودي والبيئة الاستثمارية المحلية، والقطاع المصرفي والمالي، جميعهم قد شهدوا عاما ماليا متميزا، وأداء إيجابيا غير مسبوق في تاريخ المملكة العربية السعودية، نتيجة للتحسن الكبير الذي طرأ على أسعار النفط العالمية خلال العام الماضي، من جهة، وبسبب جدية الحكومة السعودية في الاستمرار في تبني تطبيق سياسات الإصلاح الاقتصادي والاستثماري والمالي، التي انتهجتها خلال العقد الأخير من القرن الماضي من جهة أخرى، ولكن على الرغم من ذلك الأداء المتميز للاقتصاد الوطني، إلا أن العام الجديد الحالي (2007)، يحمل في طياته وبين ثناياه العديد من التحديات الاقتصادية والمالية والاستثمارية، التي تستلزم من الحكومة السعودية، تحديد الأولويات وتبني برنامج زمني صارم ومحدد للتنفيذ، لا سيما، وكما أسلفت، بأن التحديات كبيرة، والأجندة الاقتصادية والمالية والاستثمارية، ستكون مزدحمة بالأحداث وبالأعمال، التي تنتظر دورها تباعاً للتنفيذ، ولاسيما أن أكثر ما يقلقني هو كيف ستتعامل المملكة مع بناء وتشييد المدن الاقتصادية العملاقة، بما في ذلك تشغيلها وإدارتها، في ظل محدودية توافر العمالة الوطنية المدربة والمؤهلة للقيام بمثل هذه المهمة، وفي ظل أيضاً القيود غير المبررة، التي تفرضها وزارة العمل على القطاع الخاص للحد من استقدام العمالة الأجنبية. والتساؤل الآخر الذي يطرح نفسه، هو: هل سننجح في بناء مدن اقتصادية عملاقة، تحقق لنا مبتغانا وهدفنا الاقتصادي والتنموي الأساسي، وهو بناء الإنسان السعودي القادر على التعامل مع تحديات العصر الاقتصادية القادمة ومستجداته، بما في ذلك نقل التقنيات الحديثة للبلاد، أو ما يعرف بـ Know How؟ أو هل أننا سننتهي باستثمار مليارات من الريالات في مدن أسمنتية صامتة، لا تحقق الجدوى والمنفعة الاقتصادية المرجوة منها؟ على أية حال جميع هذه التساؤلات وغيرها، سيكون الزمن كفيل بالإجابة عليها، وبالله التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي