تعليق على تقرير بيكر- هاملتون(2 من 3) هل تجبر معادلة النفط الدولية الأمريكيين على توحيد العراق؟

[email protected]

النفط بين القبلية والديموقراطية

أوصى التقرير حكومة الرئيس جورج بوش بأن تكلف القبائل بحماية الأنابيب النفطية والمنشآت المرتبطة بها عن طريق دفع أموال لهذه القبائل مرتبطة بكمية النفط التي تمر في هذه الأنابيب. فإذا تم تفجير الأنبوب وتوقف ضخ النفط لا تحصل هذه القبائل على أي أموال. الفرق بين هذه التوصية وما يتم على أرض الواقع هو أن حكومة بوش تقدم الأموال للقبائل لحماية الأنابيب بغض النظر عما إذا جرى النفط في هذه الأنابيب أم لا.
هذه التوصية تعد كارثة بحد ذاتها لأنها ستزيد من الاضطرابات الداخلية، ليس بين القبائل فقط، وإنما ضمن أفراد القبيلة أيضاً. كما أنها ستسهم في زيادة تقلب إمدادات النفط في داخل العراق وخارجه. فالأمريكيون يكافئون قبيلة ما على موقعها الجغرافي لأن الأنابيب تقع في أراضيها، بينما لا تحصل القبائل المنافسة على أموال مماثلة، ماذا ستكون النتيجة؟ هل سيقوم أفراد القبيلة المنافسة بتفجير الأنابيب؟ هل يهددون القبيلة "القابضة" بأنهم سيفجرون الأنابيب إذا لم تشاركها في الأموال التي يدفعها الأمريكيون؟ كيف سيوزع شيوخ القبيلة هذه العوائد؟ وإذا انزعج شخص أو أكثر من طريقة توزيع شيخ القبيلة لهذه الأموال، كيف ستكون ردة فعلهم؟ هل سيفجرون أنابيب النفط؟ وفي وضع تسود فيه العصابات، خاصة في الليل، هل ستترك هذه العصابات هذه القبائل تنفرد بالعطايا الأمريكية أم أنها ستفرض عليها "أتاوة" مقابل عدم تفجير الأنابيب؟ إذا تعلمنا أي شيء من تاريخ النفط في كل من: العراق، كولومبيا، الهند، اليمن، والسودان وغيرها فهو أن الضحية الأولى لأي خلاف سياسي أو شخصي هو أنابيب النفط.
إذا نظرنا إلى الموضوع من وجهة نظر أمريكية وطنية فإن إعطاء القبائل أي أموال مقابل حماية الأنابيب سياسة خاطئة تماماً، وربط هذه الدفعات بكمية النفط المتدفقة سيقود إلى كارثة. لقد فشل كتاب التقرير والخبراء الذين استعانوا بهم في فهم نقطة مهمة فهمها كل أطراف الصراع في العراق، بما في ذلك حكومة بوش، وهي أن من يسيطر على تدفق النفط العراقي يرسم مستقبل العراق! لهذا لن تتوقف الهجمات على أنابيب النفط العراقية حتى لو نثرت القبائل أفرادها على كل متر من الأنابيب. كما تجاهل التقرير التناقض بين الأهداف المعلنة للحكومة الأمريكية ودعمها القبائل والاستعانة بهم لحماية أنابيب النفط: الديمقراطية والقبلية لا تجتمعان!
لعل أهم الانتقادات التي يوجهها الخبراء الأمريكيون لحكومة بوش في هذا السياق هو أن الأموال التي تأخذها القبائل لحماية أنابيب النفط تستخدم في زيادة تسليح هذه القبائل وزيادة قوتها. هذا التسليح يتعارض مع كل ما ترمي إليه الولايات المتحدة في العراق للأسباب التالية:
1. لأنه يؤجج من حدة الصراع المذهبي والعرقي، وبالتالي يسهم في إضعاف الحكومة العراقية، ويزيد من تكاليف الاحتلال.
2. لأنه أدى إلى تمويل المنظمات والمجموعات التي تحارب الوجود الأمريكي في العراق.
3. لأنه يقوي المجتمع القبلي على حساب الدولة، ويهدم الأسس الديمقراطية التي تحاول حكومة بوش بناءها.
4. لأنه يزيد من حدة الفساد المالي، خاصة أن هذه المدفوعات تتم بطريقة بعيدة كل البعد عن الشفافية.

تقوية القبيلة على حساب الدولة
إن استمرار الحكومة الأمريكية بدفع مبالغ مالية للقبائل لحماية أنابيب النفط يقوي القبيلة على حساب الدولة، كما يعطي القبيلة سيطرة على كثير من فروع الدولة. ماذا سيحصل لو طلب رئيس قبيلة من وزير ما توظيف عشرة أشخاص غير مؤهلين في وظائف معينة؟ ماذا سيحدث لو رفض الوزير؟ هل سيتم الضغط على الحكومة عن طريق استخدام أنابيب النفط كوسيلة ضغط؟
إن سياسة مكافأة القبيلة هي أحد المسامير الأمريكية في نعش الديمقراطية التي تدعي حكومة بوش أنها تحاول إحياءها في العراق!
المشكلة الكبرى هي أن دعم المجتمع القبلي بهذا الشكل بحجة حماية أنابيب النفط يدمر المجتمع المدني في العراق، خاصة في المدن الكبرى. وهذا يضعف الحكومة المركزية أيضاً. وسينعكس هذا على القطاع النفطي العراقي بعدة أشكال أهمها: إن المتخصصين في مجال النفط، وأغلبهم من أفراد المجتمع المدني، لن يعودوا للعمل في العراق، حتى لو تحقق الاستقرار السياسي. وهذا بدوره سيؤدي إلى وصول مسؤولين غير مؤهلين لقيادة الأقسام المختلفة لصناعة النفط العراقية، والذي سيسهم في زيادة تدهور الوضع فنياً وتقنياً. لهذا فإنه من الصعب جداً أن تتمكن الحكومة الحالية من تحقيق أهدافها بزيادة الإنتاج إلى ثلاثة ملايين برميل يومياً. أما الحديث عن إنتاج ستة ملايين برميل فهو مجرد.. أحلام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي