المشهد الصومالي واحتمالات تكرار المشهدين الأفغاني والعراقي

[email protected]

تداعت الأوضاع في الصومال خلال الأسابيع القليلة الماضية بصورة خطيرة وواصلت تدهورها بصورة أخطر خلال الأيام السابقة بعد أن دخلت القوات المسلحة الإثيوبية الأراضي الصومالية وراحت تشن هجماتها الواسعة على قوات اتحاد المحاكم الإسلامية التي راحت بدورها تتراجع أمامها حتى وصلت إلى مشارف العاصمة مقديشو بكيلو مترات قليلة حتى كتابة هذه السطور. وفي الوقت الذي دعت فيه أطراف ومنظمات دولية إلى انسحاب كافة القوات والعناصر المسلحة الأجنبية من الصومال وفي مقدمتها الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية، فإن الدولة الأكبر في العالم - الولايات المتحدة– قد دعمت بصورة شبه علنية التدخل الإثيوبي العسكري بينما حلقت طائراتها العسكرية الاستطلاعية فوق ميادين المعارك لكي ترقب – أو تساعد – التقدم العسكري الإثيوبي ضد قوات اتحاد المحاكم الإسلامية المتقهقرة إلى الخلف.
والحقيقة أن خطورة الصراع الحالي في الصومال على أمن واستقرار مجمل منطقة القرن الإفريقي واحتمال امتداده ليصبح صراعاً إقليمياً تتورط فيه بعض دول المنطقة المجاورة للصومال وفي مقدمتها الجارتان اللدودتان إثيوبيا وإريتريا، قد باتت واضحة للجميع وراح معظم المراقبين والسياسيين على مستوى العالم يؤكدون عليها. كذلك فإن احتمال تحول الصومال ومعه كل منطقة القرن الإفريقي في تلك الظروف إلى بؤرة جذب كبيرة لعديد من العناصر الإسلامية المتشددة والإرهابية التي ستضيف أبعاداً أخطر للصراع هناك، قد بات أيضاً مطروحاً بجدية على المستويات: السياسية والأمنية والإعلامية على النطاق العالمي. ومع كل ذلك، فالواضح حتى اليوم من مراقبة سلوك وتوجهات كل من الحكومة الإثيوبية والحكومة الصومالية الانتقالية والإدارة الأمريكية الذين يمكن النظر إليهم كحلفاء في الصراع الصومالي الحالي، أنه بالرغم من إدراكهم للتخوفات السابقة فإنهم يراهنون على القضاء العسكري السريع المبرم على اتحاد المحاكم الإسلامية، بما ينهي تلك الاحتمالات والتخوفات حسب تقديرهم.
وتقوم تلك المراهنة الإثيوبية – الصومالية – الأمريكية الرسمية على الفارق الكبير في القدرات العسكرية بين القوات الإثيوبية المدعومة ببعض ميليشيات أمراء الحرب السابقين في الصومال وبين ميليشيات المحاكم الإسلامية، بحيث سيتكفل ذلك بحسم الحرب العسكرية خلال فترة وجيزة، بينما ستقوم الشرعية الإقليمية والدولية التي تمتلكها الحكومة الانتقالية وحلفاءها المحليين على ضعفهم بتوفير الظروف المناسبة لتهدئة الأوضاع في البلاد بعد انتهاء الحرب وسيطرة تلك الحكومة على مجمل الأراضي الصومالية. والحقيقة أن ذلك الرهان والوضع في الصومال عموماً يذكران المرء بأوضاع ورهانات سابقة شبيهة بها سبق للإدارة الأمريكية نفسها وأطراف محلية في دول أخرى أن تبنتها وأدت إلى كوارث حقيقية لا تزال تلك البلدان تعاني منها حتى اليوم. وبصورة أكثر تحديداً فهذا هو الحال في أفغانستان والعراق منذ احتلال القوات الأمريكية لهما، الأولى قبل أكثر من خمس سنوات والثانية قبل أقل من أربع سنوات. ففي الحالتين كانت هناك أطراف محلية – حكومية أو معارضة – هي التي طالبت بالتدخل العسكري الأجنبي الذي قادته الولايات المتحدة، مثلما طلبت ذلك اليوم الحكومة الصومالية الانتقالية من إثيوبيا. وفي الحالتين أيضاً كان هذا الطلب الداخلي المحلي والاستجابة الخارجية الأمريكية قائمين على أسباب تتعلق بزعم وجود تهديدات إرهابية كبيرة في البلدين، وهو الأمر نفسه الذي تكرره اليوم كل من الحكومة الصومالية الانتقالية وحليفتها الإثيوبية ومن ورائهما الإدارة الأمريكية بالقول إن الصومال قد بات مرتعاً لعناصر تنظيم القاعدة الذين اندسوا حسب تلك الرواية في صفوف أعضاء وقيادات اتحاد المحاكم الإسلامية.
ذلك عن التشابه في المقدمات، أما التشابه المحتمل في النتائج ومجريات الصراع في الصومال وما جرى ويجري في العراق وأفغانستان فهو الأكثر رجحاناً بالرغم من رهانات أطراف الحلف الثلاثي الصومالي – الإثيوبي – الأمريكي الرسمي. ففي البلدين الأخيرين لم تكن هزيمة وإسقاط نظامي الحكم فيهما واحتلالهما كاملين هي نهاية الحرب والغزو الخارجي، بل كانت بداية حقيقية لحروب متعددة المحاور والميادين لا تزال مشتعلة فيهما بصورة لا يملك أحد تجاهها أن يعرف بدقة المنتصر فيها من المهزوم. وبدا واضحاً في البلدين أن استمرار تلك الحروب بل واندلاع أخرى جديدة في كل منهما كان مرتبطاً بطبيعتهما الاجتماعية والدينية والجغرافية المعقدة التي ارتبط بها وجود جماعات وحركات قاومت التدخل الأجنبي أو اشتبكت عسكرياً مع حلفائه المحليين أو دخلت في صراعات ضد بعضها بعضا، حيث تتمتع كل من تلك الجماعات والحركات بقواعد اجتماعية متنوعة استندت إليها في خوض كل تلك الصراعات والمعارك.
وفي الصومال، لا يبدو أن أوضاعه الحالية والأوضاع العامة الاجتماعية والدينية والجغرافية والعرقية والتاريخية تختلف كثيراً عما هي عليه في كل من العراق وأفغانستان. فاتحاد المحاكم الإسلامية نشأ قبل سنوات قليلة على قاعدة شعبية واسعة من الحاجة للأمن والاستقرار والرفض لأمراء الحرب من جهة وضعف الحكومة الانتقالية من جهة أخرى، واستند إلى تلك القاعدة لكي يمد نفوذه الاجتماعي والسياسي والعسكري بعد ذلك إلى غالبية مناطق الصومال. كذلك فالرفض الصومالي الشعبي للتدخل الإثيوبي في شؤون البلاد يعد من المعطيات المعروفة في الشارع الصومالي لأسباب عديدة تاريخية ودينية وسياسية. وأيضاً فإن التاريخ القريب للصومال منذ اندلاع الحرب الأهلية فيه عام 1993 ومجريات تلك الحرب حتى توقفها بعد أكثر من عشر سنوات يؤكد أن حسم صراعاته الداخلية ليس سهلاً بالأدوات العسكرية وحدها أياً كانت درجة التفوق فيها، ودخول القوات الأمريكية إليه ثم انسحابها منه خلال تلك الحرب يؤكد ذلك. من هنا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل سينهي التدخل العسكري الإثيوبي والدعم الأمريكي المعنوي له حتى الآن الصراع في الصومال لصالح حكومته المؤقتة في خلال فترة وجيزة، أم أننا على وشك رؤية تكرار جديد للمشاهد الأفغانية والعراقية بصياغة صومالية في هذا البلد العربي؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي