الجنون فنون جنون الحب

نبدأ بقول عاشق يفتخر بجنونه حيث قال:
قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم
ما لذة العيش إلا للمجانين

أو كما قال الشاعر:
إن العيون التي في طرفها حور
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا

وهذا الشاعر اتهم تلك العيون بالقتل المتعمد – ولعله يعلم أن قتل الحب "قتل فالصو" وممكن العودة إلى – حياة الوصال.

ومهما اختلفت ديانات البشر واختلفت عناصرهم في كل زمان ومكان.. فهنالك إيمان مطلق بوجود "الجن".. ولكن (جنون الحب) يكون "الجاني" ليس (الجني).. ولكنه (سحر العيون) ويشهد بذلك الشاعر مصطفى الرافعي حيث قال:
ليس سوى الحب من جنون وليس غير العيون سحر

وأشهر "مجانين الحب" وأكثرهم (جنونا) هو (مجنون ليلى) الذي قال:
أحبك حبا لو تحبين مثله
أصابك من وجد علي جنون

والذي أثبت براءة الجن من جنون (المحبين) حيث يقول:
هي البدر حسنا والنساء كواكب
فشتان ما بين الكواكب والبدر

يقولون مجنون يهيم بذكرهـا
ووالله ما بي من جنون ولا سحر

ثم يعترف وهو بكامل قواه العقلية بأن سبب جنونه (ليلى) وليس الجن وذلك بقوله:
يسمونني المجنون حين يرونني
نعم بي من ليلى الغداة جنون

ويشهد بذلك أيضا جميل بثينة بقوله:
يقولون مسحور يجن بذكرها
وأقسم ما بي من جنون ولا سحر

ولكن الشاعر الشريف الرضي يقول إن (جنون الحب) لا يخالط (فيوزات المخ) ولكنه يضرب على (أوتار القلب) حيث يقول:
تماسكت لما خالط اللب لحظها
وقد جن منه القلب أي جنون

وحتى أبو نواس (الخبيث) يلوم جنون الحب عندما قال:
فوا أسفاً تلاعب بي
جنون الحب في صغري

فأهرمني بلا كبر
وبث الشيب في شعري

ويرد عليه الشاعر الورع أبو العتاهية يقول:
فإن اللهو والملهي جنون
ولست من الجنون وليس مني

وأي قبيح أقبح من لبيب
يرى متطربا في مثل سـني

إذاً ما لم يتب كهل لشيب
فليس بتائب ما عاش ظـني

وأبو العتاهية يقرر هنا إفلاس (الشايب) ويؤيده (شاعر شعبي – حميدان الشويعر) عندما قال:
(ترى الشايب عند عياله... وأم عياله مثل العزبي).

وتمنعني الحشمة من ذكر باقي القصيدة التي (لا تقال إلا همسا) والتي توضح الحقيقة المرة التي يعايشها (الشياب).. وأحيانا (الشباب).. لكن في هذا الزمن رأينا أدوية – تصلح ما أفسده الدهر.

نعود "لجنون الحب" الذي يجعل "الطرف الآخر" يتعوذ منه بإغلاق الباب في وجه العاشق المتهور حيث يقول ابن الورد:
زرتهم صـحبة وودا
ألفيتهم مـغلقين بابـا

سعيي إلى بابهم جنون
مني فأستأهل الحـجابا

و(جنون الحب) لا يعالج في (عيادات او مصحات نفسية) ولكن في "مصحات عاطفية" قال عنها الله عز وجل (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) صدق الله العظيم... فهيا يا "مجانين الحب" إلى الزواج. و(عيشوا في تبات ونبات وخلفوا صبيان وبنات) وبعد ذلك روحوا في (سبات) وإياكم والانفلات فبنات اليوم "صاحيات" ولسن مغفلات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي