الـ 88 مليون ريال حبة رمل من جبل

[email protected]

لم أستغرب سماع خبر تشهير هيئة سوق المال بأحد المتلاعبين في سوق الأسهم ومصادرة قيمة صفقات مشبوهة زادت على 88 مليون ريال، فما هذا إلا غيض من فيض وما هي تلك الملايين "المُتلاعب بها" إلا حبة رمل صغيرة من جبل أسود قاتم من الخداع والغش. يسأل الكثير عن سبب خسارة عدد كبير من المستثمرين معظم أموالهم في سوق الأسهم بعد الانخفاض الكبير المترنح في سوق الأسهم دون تدخل الهيئات المعنية لشرح أسباب أو إيقاف هذا الانخفاض أو توضيح الصورة لعامة المستثمرين. نتيجة ذلك، أصاب الإحباط الشديد كثيراً من المساهمين لضياع أموالهم سواء بسبب "انتحار" الأسهم أو بسبب تسييل محافظ الصناديق الاستثمارية.
حمل البعض هيئة سوق المال مسؤولية ما يجري في سوق الأسهم من تلاعب وبالتالي انهيار المؤشر العام وكأن السوق تسير وفق تخطيط ممنهج رغم أنف الجميع. أين كانت هيئة سوق المال "منحاشة" طوال هذا الوقت؟ ألم تضع الهيئة ضوابط يتم من خلالها التحكم في مؤشر السوق لإنقاذها من الانهيار؟ لماذا لم يتم التعامل الحازم مع التلاعب الواضح أمام التذبذب اللامنطقي لأسعار الشركات في السابق؟ لماذا يصعد المؤشر فيما تهبط أسعار أسهم الشركات القيادية؟ الاستنتاج السائد هو أن هناك صراعا قويا بين كبار الهوامير وهيئة سوق المال على فرض السيطرة على السوق ضحيته المباشرة هم المستثمرون.
أما المحاسبون القانونيون السعوديون فقد وجهوا في ندوة "دور المعايير المحاسبية في تنشيط سوق الأوراق المالية" في الرياض اتهامات مباشرة للشركات المدرجة في السوق, تضمنت ممارسة هذه الشركات ضغوطا عليهم لـ "تجميل" ميزانيات الشركات وزيادة ربحيتها على غير الواقع، فإذا لم يكن هذا تلاعباً فما هو إذاً؟ كذلك أكد المحاسبون السعوديون أن المستثمرين في سوق الأسهم والمساهمين في هذه الشركات كثيرا ما ينخدعون بأرقام غير حقيقية وطالبوا بتحويل لائحة حوكمة الشركات لتكون إلزامية وليس فقط حبرا على ورق، والعمل على استحداث معايير تتوافق مع بيئة الأعمال المحلية. لا شك أن هذه الاتهامات التي وجهها المحاسبون القانونيون للشركات المساهمة خطيرة حتى إن أحد المشاركين من القانونيين أكد أن بعض الشركات المساهمة تمارس ضغوطا على المحاسبين القانونيين لمسايرتهم، والانصياع لرغباتهم عند كتابة تقاريرهم حول أداء الشركة إذا أرادوا الاستمرار في تجديد عقود تدقيق حسابات الشركة. هل هناك سبب معقول ومقبول لأن يتفق كبار المحللين ممن يديرون محافظ كبيرة وكذلك البعض من المقربين منهم في توصياتهم وفي قرارات البيع والشراء وفي بعض الأحيان الترويج لخطواتهم المقبلة في السوق؟
المطلوب – وقد فقد هذا التعبير معناه وتأثيره لكثرة استعماله – سرعة استكمال القواعد اللازمة لضبط آليات سوق الأسهم السعودية والحد من التلاعب في استثمارات الناس. لعلنا نعيد الثقة بتشجيع المستثمرين على استثمار مدخراتهم من خلال المؤسسات الاستثمارية الرسمية وتنمية الوعي الاستثماري طويل الأجل عبر حملات التوعية المنظمة مع الضرب بيد من حديد على كل من يتجرأ ويتلاعب بمقدرات خلق الله. كذلك أتفق تماماً مع المشاركين في ندوة "سبل تطوير المحاسبة في السعودية" في الرياض على ضرورة اهتمام الشركات المساهمة بالنشر الإلكتروني وإيجاد مواقع لها على الشبكة الإلكترونية مع التحديث المستمر للمعلومات. لا يمكن لسوق الأسهم لدينا أن تكون فاعلة من دون تحسين وتحديث وسائل الاتصال بين الشركات والمستثمرين من خلال قنوات رسمية وإلزامها بنشر جميع المعلومات ذات الطبيعة المهمة ومعاقبة المخالفين.
إن مشكلة السوق السعودية تكمن في سلوكياتنا نحن كمتعاملين فيها وفي عدم تطبيق ضوابط وإجراءات مشددة ومراقبة ومحاسبة كل المتلاعبين بمختلف أحجامهم. كذلك لعلنا ندرس توقيت الخطوات الإصلاحية في سوق الأسهم قبل تطبيقها, وأذكر على سبيل المثال, أن الخطوة التي اتخذتها هيئة سوق المال بتوحيد فترة التداول، كان يفترض أن يسبقها السماح لمكاتب الوساطة بدخول السوق. في الوقت الذي تعلن فيه هيئة السوق المالية عن إضافة أسهم شركة سبكيم العالمية وشركة البحر الأحمر إلى مؤشر السوق "تداول" أكرر ما قلته في عدة استضافات إعلامية أن هيئة سوق المال هي الجهة المسؤولة أولاً وأخيراً عن تقييم أداء السوق. لا يمكن للهيئة أن تفرض سيطرتها على السوق من دون أن تطبق أنظمتها وقوانينها على الجميع ومن دون استثناء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي