لائحة صناديق الاستثمار .. قاعدة صلبة لعلاقة متينة وسليمة بين مجتمع الأعمال وأصحاب المدخرات
لدي صديق عزيز أمضى سنوات طويلة وهو يوفر ما قدر الله له أن يوفره من أجل بناء مستقبل أفضل لأبنائه، فهو يبذل الغالي والنفيس من أجلهم، نعم حرم نفسه لسنوات طويلة ليوفر جزءا من دخله الشهري لصالحهم، ولم يقف عند ذلك، بل أخذ يبحث هنا وهناك عن فرص استثمارية تنمي تلك المدخرات لتزداد بما يمكنه من توفير المصروفات اللازمة لتعليمهم التعليم العالي الأمثل وتوفير متطلبات الحياة الكريمة قدر الإمكان من منزل مناسب ووسائل نقل كما هو حال أقرانهم.
صديقي هذا يعاني اليوم أشد المعاناة من ضياع جميع مدخراته التي جمعها بعرق جبينه عبر سنوات عمل مضنية وطويلة، حيث وضعها في مساهمات عقارية متعثرة طبل لها عقاريون تخفوا خلف لباس الدين ووافقت عليها وزارة التجارة بترخيص برقم وتاريخ بما أضفى عليها الشرعية، صديقي هذا وهو لا يعلم ماذا يفعل يقول لم يحركني الطمع بقدر ما حركني الطموح لتنمية مدخراتي وهو حق مشروع، ولقد أعمى بصيرتي ما رأيته من سيما الاستقامة على وجوه العاملين في تلك الشركات والقائمين عليها، إضافة إلى موافقة وزارة التجارة التي كنت أحسب أن الحصول عليها يستدعي تطبيق شروط معيارية دقيقة ومتابعة حثيثة وأنظمة عقوبات فاعلة ورادعة لكل من تسول له نفسه العبث بأموال الناس دون وجه حق بالغش والكذب والخداع والتدليس، مضيفا أن كل ذلك جعله لا يدقق في تلك المشاريع ومدى جديتها واحتمالات نجاحها.
لماذا وقع صديقي في هذا الفخ كما وقع أمثاله الكثير؟ السبب بسيط لغياب أنظمة فعالة وواضحة تحدد العلاقة بين مجتمع الأعمال الذي يرغب تمويل مشاريعه من مدخرات الناس عامة وبين أصحاب هذه المدخرات الذين يرغبون في تنميتها، مما أسال لعاب الدخلاء والمتلاعبين والمحتالين فقاموا بعرض مشاريعهم بطريقة ذكية على أصحاب المدخرات بطريقة استطاعوا تحريك عنصر الطمع في قلوبهم بدل الطموح، فتمكنوا من تلك الأموال ففعلوا بها ما يشاءون وعلى المتضرر اللجوء إلى القضاء، والقضاء هنا يتحرك في فضاء من الوقت والتشريع لا يمكن المتضرر من الحصول على حقه في الوقت المناسب بحال من الأحوال.
هيئة السوق المالية بعد إنشائها جاءت لتسد هذا الفراغ التشريعي، نعم جاءت لتنظم العلاقة بين مجتمع الأعمال وأصحاب المدخرات بحيث لا يتمكن مجتمع الأعمال أيا كان شكله من الوصول إلى مدخرات المواطنين وبأي صيغة كانت إلا من بعد موافقة الهيئة والتي تتطلب تحقيق كافة الشروط التي تثبت جدية ومصداقية الجهة الطالبة للتمويل من مدخرات المواطنين وقدرتها الفنية والإدارية والتسويقية على الوفاء بوعودها، وفي سبيل ذلك قامت الهيئة وهي تسابق الزمن بإصدار اللوائح التنظيمية والتي كان آخرها لائحة صناديق الاستثمار بهدف تنظيم نقل الرساميل من أصحاب المدخرات إلى مجتمع الأعمال بأقل المخاطر ودون تضارب للمصالح.
قد يكون المواطن غير المتخصص والذي يرغب دوما في تنمية مدخراته غير مدرك لأهمية هذه اللائحة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وغير مدرك لأهمية هذه اللائحة لحماية مدخراته من المتلاعبين والنصابين أصحاب النفوس الضعيفة، ولكن الاقتصاديين يعلمون أهمية ذلك ومدى تأثيره في حماية المناخ العام للاستثمار في بلادنا الحبيبة، كما يعلمون أهمية تلك اللائحة في حفظ الحقوق وحماية المواطنين من تلاعب المتلاعبين الذين يعبدون الدرهم والدينار ولا يهمهم ضياع أموال وأحلام المواطن الشريف الذي جمع أمواله بتعب السنين من أجل بناء حياة أفضل لأسرته.
أتمنى على هيئة السوق المالية وبعد إصدار هذه اللائحة الاحترافية أن يتم تطبيقها على كائن من كان ليكتتب المواطن وهو واثق بأن هناك جهة حكومية تقوم بحمايته وتقليل مخاطر استثماراته في الصناديق الاستثمارية، كما يتأكد له أن هذه الجهة لن تتساهل مع من يخالف الالتزام بتلك اللائحة في أي لحظة وأنها له بالمرصاد وستكون الخصم لكل من تسول له نفسه سرقة أموال هؤلاء المكتتبين، وكل هذا بطبيعة الحال سيعزز العلاقة بين مجتمع الأعمال الجاد والصادق وأصحاب المدخرات بما يعزز المناخ الاستثماري بشكل عام ويساهم في رفع الناتج المحلي الإجمالي بالمحصلة.
وختاما أرجو من حكومة خادم الحرمين الشريفين أيده الله ورعاه أن تعمل بكل جهدها لمعالجة المساهمات المتعثرة والضرب بيد من حديد على المتلاعبين الذين قضوا على أحلام وطموحات الكثير من المواطنين لأهداف شخصية ضيقة أضرت بالمواطن والوطن، كما أرجو منها ألا تتساهل بتاتا مع كل من يتعمد التلاعب على لوائح هيئة السوق المالية، ولا يفوتني أن أرجو من المواطن الكريم ألا ينساق وراء الوعود الكاذبة لرجال يدعون تحقيق أرباح خيالية في أوقات قصيرة خارج النظام، فهذه علامات النصب والكذب والاحتيال والتدليس فلا تلعبوا دوما دور الضحية سهلة الاقتناص.