الاتحاد النقدي الخليجي: في التأني السلامة

[email protected]

ندعو الإخوة في الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي إلى الابتعاد عن الحماس غير اللازم فيما يخص تنفيذ مشروع الاتحاد النقدي. حقيقة نعتقد أن الظروف غير مهيأة للحديث حول تطبيق الاتحاد النقدي في الوقت الذي لم تنه دول المجلس من مرحلتي الاتحاد الجمركي والسوق المشتركة.
حسب الخطة المعدة سلفا, ترغب دول مجلس التعاون الخليجي في تحقيق اتحاد نقدي بين أعضائها في عام 2010. يشار إلى أن دول المجلس قطعت أشواطا في عملية تنفيذ الاتحاد النقدي بدليل ارتباط كل العملات الخليجية بالدولار الأمريكي (مع احتفاظ الكويت بهامش من الحرية). كما أن هناك تشابها في السياسات المالية مثل عدم تدخل السلطات في التأثير في معدلات الفائدة فضلا عن عدم وجود سياسة ضرائبية على الدخل. المعروف أن ارتباط العملات بالدولار يؤدي بالضرورة إلى استيراد معدلات الفائدة في الأسواق الأمريكية. بمعنى آخر, فإن معدلات الفائدة المعمول بها في دول المجلس ما هي إلا امتداد لواقع الاقتصاد الأمريكي.

بعض الإيجابيات
لا شك في أن اقتصادات دول المجلس ستستفيد بشتى الطرق من تبني عملة واحدة. فهناك فوائد لرعايا دول المجلس فضلا عن الزوار عند استخدام عملة موحدة حيث يتم التخلص من تحمل كلفة الفرق في العملات. المؤكد أن أسعار السلع والخدمات لن تكون مماثلة تماما كما هو الحال في دول منطقة عملة اليورو، حيث أن الأسعار ليست متشابهة في كل من فرنسا وألمانيا. فقيمة قنينة الماء ليست متساوية في كل من باريس وبرلين.
إضافة إلى ذلك, قد تنجح دول المجلس في استقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة, إذ إن تبني عملة موحدة يجعل من اقتصادات كتلة واحدة. المؤكد أن الاستثمارات الأجنبية ضرورية لتسريع الدور الاقتصادية وبالتالي إيجاد حلول لبعض المشكلات الاقتصادية مثل توفير فرص عمل ذات أجور مغري للمواطنين. بل إن وجود عملة واحدة يعني فيما يعني تبني سياسات اقتصادية متشابهة, الأمر الذي يسهل الأمر على الشركات الراغبة في التعامل مع اقتصادات دول المجلس.

السلبيات
تتمثل السلبيات في عدم قدرة أي دولة من الدول الأعضاء على معالجة مشكلاتها الاقتصادية بمنأى عن الدول الأخرى. فالعملة الموحدة تحرم الدول الأعضاء من تبني سياسات اقتصادية أحادية تعالج أوضاعها المحلية بسبب الشروط المفروضة مثل ضمان عدم ارتفاع معدل المديونية عن نسبة معينة. كما أن هناك شروطا أخرى بخصوص مستويات عجز الموازنة العامة فضلا عن التضخم.
فلكل دولة ظروفها وتحدياتها الاقتصادية. على سبيل المثال تعاني البحرين أزمة بطالة. من جانبها تعاني الكويت مشكلة التضخم (لاحظ قرار الحكومة في رفع قيمة تغيير الدينار إلى الدولار بنسبة 1 في المائة بسبب تدني قيمة الدولار مقابل العملات الرئيسية الأخرى زاد من قيم السلع المستوردة بعملات اليورو والين الياباني والجنية الإسترليني). والحال نفسه ينطبق على قطر حيث قررت السلطات حديثا زيادة الرواتب.

تجربة اليورو
بدورنا ندعو إلى عدم الاستعجال في تنفيذ خطة تبني عملة موحدة ولنا في تجربة منطقة اليورو عبرة في ذلك. فقد ارتفعت قيمة اليورو بنسبة 35 في المائة في غضون أقل من أربع سنوات. في الوقت الحاضر بمقدار يورو واحد شراء دولار و27 سنتا. في المقابل كان بمقدار اليورو شراء أقل من 85 سنيا من العملة الأمريكية عند بداية طرح العملة. بيد أنه تكمن مشكلة ارتفاع قيمة اليورو في إلحاق أضرار بصادرات دول منطقة اليورو وبالتالي الدورة الاقتصادية وفي سوق العمل. فارتفاع قيمة العملة يخدم الواردات، حيث تصبح أقل تكلفة لكنه ينال من القدرة التنافسية للصادرات حيث تصبح المنتجات أغلى من ذي قبل الأمر الذي ينال من القوة الشرائية لليورو. يشار إلى أنه ليس بمقدور أي دولة في منطقة اليورو تبني سياسات اقتصادية أحادية لمعالجة مشكلاتها الاقتصادية مثل البطالة بسبب شروط الانضمام إلى العملة الموحدة مثل ضرورة المحافظة على نسب معينة للمديونية والعجز والتضخم.

عدم الاستعجال
حقيقة نحن من دعاة التريث وعدم الاستعجال في تنفيذ مشروع الاتحاد النقدي وذلك على خلفية الظروف الاقتصادية في منطقة الخليج. وقد كشفت تجربة تراجع أداء البورصات في الآونة الأخيرة أن المجتمع الخليجي ربما لا يتحمل الصدمات. كما أن على دول المجلس الاتعاظ من تجربة اليورو من قبيل تداعيات ارتفاع قيمة العملة. بل باتت منتجات دول اليورو أقل تنافسية من ذي قبل, الأمر الذي يضر بأمور حيوية مثل القدرة على التصدير وبالتالي صعوبة المحافظة على بعض الوظائف.
باختصار لا نعتقد أن عام 2010 تاريخ مقدس. هذا ما نتمنى أن يتحقق من القمة المقبلة لقادة دول المجلس والمزمع عقدها في السعودية. علينا أن نضع العواطف جانبا والتفكير جديا ليس فقط في الإيجابيات بل في السلبيات في الوقت نفسه. وعليه نخشى أن يؤدي تنفيذ المشروع الطموح إلى حدوث عواقب لا تحمد عقباها. فرسالتنا إلى الأمانة العامة هي (في التأني السلامة وفي العجلة الندامة).

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي