نعم .. دائما الولاء للوطن ونعم لشعار خالد الفيصل

[email protected]

وحدة الكيان السياسي وتكامل النسق الاجتماعي داخله, يتكون بالدرجة الأولى من إيمان أفراده بضرورة وجود هذه المظلة السياسية فوقهم وتكريس ولائهم لوحدتهم الجغرافية والسياسية والاجتماعية.
ولا شيء يمكنه تقويض وحدة المجتمع ولا تقويض الدولة الحاضنة لهذا المجتمع (أي دولة وأي مجتمع), مثل النعرات العنصرية أو الأيدولوجية التي تصنف الفرد وفقا لعرقه أو لونه أو مذهبه أو تضعه في مرتبة أقل في الحقوق والواجبات أيضا قياسا بتاريخ انضمامه لذلك المجتمع.
وفي الفترة الأخيرة – للأسف - خرج ما يشير إلى أن ثمة شيئا من هذا القبيل يتسرب إلى مجتمعنا, وللأسف – ثانية – أنه لقي طريقا لبعض وسائل الإعلام ليس من أجل معالجته والتصدي له, بل إنه كان طرحا في بعض الأحايين تبريريا, وحين نهيئ تربة مناسبة لمثل هذه النبتة الشيطانية فنحن نضع اللبنات الأولى في خدش وحدة المجتمع وتعكير ولاء الفرد لوطنه ودفعه إلى التقوقع داخل قبيلته أو عرقه أو لونه بحثا عن موقع له فيها طالما أن مظلة الوطن التي يفترض أن يشكلها المجتمع بإطاره العام لم تعد كذلك.
فيما يبدو أن الأمير المثقف خالد الفيصل أمير عسير, تنبه لذلك قبل أن تظهر إشاراته الأولى, وها هو يحدد شعارا لملتقى أبها للصيف المقبل عنوانه (ارفع رأسك أنت سعودي). ربما يعتقد البعض أن مثل هذا الشعار تقليديا لا يأتي بجديد غير الذي تحمله مضامين الأناشيد (الأغاني الوطنية), لكنه أبعد من ذلك بكثير لإنه يجيء في ظرف غير تقليدي, أصبحت فيه الإيديولوجيات المشبوهة تتجاذب بعض شبابنا وليس أدل على ذلك من مرتكبي التفجيرات في العاصمة والشرقية وجدة وغيرها. وهذه الفئة من الشباب التي انطوت تحت مظلة جديدة غير الوطن ومنحته الولاء بدلا عن وطنها, تحت دعاوى ومفاهيم منغلقة متطرفة وتعاني من فجوة الفهم للدين وقد يتكرر الفعل الشاذ، لا سمح الله، تحت مظلات أخرى ليس بالضرورة أن تكون مؤدلجة بل ربما تنطلق تلك المظلات البديلة للوطن أو الوهمية من العرق أو اللون متى ما تم التراخي في تعزيز الوطنية بالمفهوم الذي تقوم عليه الدولة الحضارية الحديثة ومتى وجد الفرد نفسه باحثا عن مرجعية للولاء غير الوطن.
حتى سنوات قليلة لم يكن للوطنية حضور في مناهجنا الدراسية، حيث حل المفهوم الكبير للثقافة الإسلامية بدل الوطنية أو السعودية, وهو على جمال عنوانه الكبير, إلا أنه يلتبس مع مفهوم الدولة الحضارية ويتقاطع أيضا مع روح الوطنية المطلوبة لاستمرار وحدة الكيان الجغرافي وتماسك مجتمعه. ووفقا لذلك العنوان العريض للتربية الوطنية بمفهومها الواسع (الإسلامية), استغل في استقطاب بعض من أفراد المجتمع الشاب، ووجد بعض الشباب لدينا نفسه منقسما بين كونه مواطنا يفترض أن يكون ولاؤه لبلده أو أنه مواطن أممي يجب أن تتسع دائرة ولائه إلى العمق الأكبر, ولم تكن مرحلة الاستقطاب تمانع من أن تلغي الدائرة الكبيرة الدائرة الصغيرة, ليس هذا فحسب بل إن الإلغاء لدى بعض المستقطبين كان هدفا مطلوبا وعنصرا رئيسا, وهنا حل الولاء الكبير على حساب الأهم (الوطن).
لكن بعد هذه التجربة الطويلة من محاولة استبدال مظلة الوطن بمظلات وهمية استغلت الدين في غير مكانه وأججت مشاعر العداء, وفي ظل تشكل نعرات مماثلة في الفترة الأخيرة عنوانها العريض "العنصرية", تصبح الحاجة ماسة وملحة لبناء ثقافة وطنية صريحة تقوم أولا وأخيرا على المواطنة أو الوطنية, تغرس دون مواربة أو احتمالات أخرى داخل الفرد النشء حب الوطن الكيان الجغرافي والسياسي والاجتماعي مع التصدي لأي فكر يتعارض مع هذه الثقافة واعتبارها خارجة عن النسق العام, مهما كانت ذريعتها أو الغطاء الذي تتلبسه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي