منتدى الطاقة السعودي وثقافة الصحافة النفطية
لقد كان الحدث كبيراً على كل المستويات: مستوى الحضور، حجم الحضور، تنوع الحضور، التنظيم، والإدارة. أوضح منتدى الطاقة السعودي الثاني الأهمية التي لا تزال تشغلها السعودية في العالم حيث تدفقت الوفود من أنحاء العالم كافة لحضور هذا المؤتمر الذي تم فيه استعراض وضع الطاقة في المملكة، بما في ذلك النفط، الغاز، البتروكيماويات، والكهرباء. لقد أثبتت الغرفة التجارية والصناعية في المنطقة الشرقية قدرتها على تنظيم وإدارة حدث كهذا، خاصة أن هذا الحدث الضخم تم عقده في مبنى الغرفة نفسها، والذي بهر الكثير بجماله وتنظيمه وقدراته التقنية.
لكن نجاح الغرفة كشف عن هوة عميقة بين ما يهدف إليه منظمو المؤتمر، بما في ذلك الغرفة ووزارة البترول، وأرامكو السعودية، وبين الصحافة المحلية وبعض المشاركين. مما لا شك فيه أن المؤتمر، بشكل مباشر وغير مباشر، أسهم في نشر ثقافة الطاقة بشكل عام، والثقافة النفطية بشكل خاص, ولكن ضعف الثقافة النفطية لدى الصحافيين وعموم الناس حد من هذا الدور للمؤتمر. وفي الوقت الذي تبنت فيه السعودية سياسة توسيع قاعدة البتروكيماويات وصناعة الغاز كأساس للتنمية الاقتصادية على المدى الطويل، تركزت أسئلة أغلب الصحافيين وبعض الحضور على مواضيع تتعلق بالاكتتاب والأسهم، وكأنه لا قيمة لهذه المشاريع التنموية التي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات إلا إذا طرحت أسهمها للاكتتاب، وكأن دورها التنموي وأثرها في القطاع الخاص لايتحقق إلا إذا طرحت أسهمها للاكتتاب.
لقد كان واضحاً من أسئلة عدد من الصحافيين أن هناك جهلاً كبيراً بالمواضيع التي ناقشها المؤتمر، خاصة قطاعي التكرير والبتروكيماويات. وقد تركزت الأسئلة التي لا تتعلق بالاكتتاب والأسهم على "أهمية" هذه المشاريع، و"أهمية" الغاز، و"أهمية" كذا وكذا، بما في ذلك "أهمية" عقد المؤتمر في الدمام. والأنكى من ذلك أن بعض الصحافيين كانوا يتنقلون بين هذا أو ذاك يطالبونهم بأسئلة كي يسألوها في المؤتمر الصحافي الذي عقد في نهاية المؤتمر.
لقد كان الحدث كبيراً رقت فيه غرفة الشرقية إلى مستوى الحدث، ولكن جزءاً كبيراً من الصحافة المحلية لم يرق إلى مستوى الحدث، بل اعتمد على "إمدادات" الغرفة من البيانات الصحافية.
في المقابل، طرح المشاركون من القطاع الخاص الأسئلة "المهمة" والتي يفترض أن تسألها وسائل الإعلام، خاصة الأسئلة التي صفق بعض الحضور لها.
هل نلوم الصحافيين أو الصحافة السعودية على ضعف الثقافة النفطية التي حدّت من نجاح المؤتمرفي نشر الثقافة النفطية وتوضيح الأثر الطويل المدى للمشاريع العملاقة ودور القطاع الخاص فيها؟ لا شك أن الصحافيين وصحفهم يتحملون جزءاً من المسؤولية، ولكن الجزء الأكبر من المسؤولية يقع على عاتق الجهات المسؤولة وشركات القطاع العام الضخمة التي يجب أن تدرك أن وسائل الإعلام هي جزء مكمل للعمل اللذي يقومون به، وليست "خادمة" أو "ضرة". لقد أصبح نشر الثقافة النفطية ضرورة وطنية واقتصادية ومالية وتسويقية، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية الحالية والتطور الكبير الذي تشهده أسواق الأسهم في الخليج، والتي تستلزم تكامل جهود الشركات مع وسائل الإعلام. إن على هذه الجهات أن تتبنى نشر "الثقافة النفطية"، خاصة الصحافيين، حتى يقوم الإعلام بدوره الإيجابي في التنمية الاقتصادية، وحتى يتمكن الإعلاميون من طرح الأسئلة المناسبة والمفيدة ويتجاوزوا الأسئلة التي تتعلق بـ "أهمية" هذا أو ذاك.
قد يظن البعض أن الثقافة النفطية تتمثل في توفير معلومات الحفر والتنقيب والإنتاج والتكرير والتوزيع، ولكن الأمر أكبر من ذلك بكثير. الثقافة النفطية لا تشمل هذه المعلومات فقط، وإنما تمتد إلى السياسات النفطية والفكر النفطي المبني على أسس وطنية راسخة. بعبارة أخرى، لا وجود لثقافة نفطية من دون "فكر نفطي"، لذلك فإن توفير المعلومات فقط لن يؤدي إلى وجود ثقافة نفطية.
خلاصة الأمر إن هناك حاجة ماسة إلى نشر الثقافة النفطية المبنية على أسس وطنية، خاصة ضمن الصحافيين والإعلاميين، كما أن هناك حاجة ماسة للتخطيط لتعليم وتدريب الصحافيين المتخصصين في كل المجالات، بما في ذلك النفط والغاز والكهرباء. ورغم الدور الذي يمكن أن يلعبه القطاع الخاص، إلا أن الجزء الأكبر من تكاليف التدريب يجب أن يقع على عاتق القطاع العام وشركاته المختلفة لأنهم أكثر المستفيدين من نشر الثقافة النفطية.