الطبقة الوسطى.. المحرك الأساسي للتنمية
إن بقاء واستمرار النمو والتنمية وازدهار المجتمعات وتحقيق الاستقرار الاجتماعي وتطور المجتمعات وضمان المنافسة المحلية والإقليمية والدولية, يعتمد بعد الله, سبحانه وتعالى, على تحقيق التوازن المجتمعي من خلال الطبقات الاقتصادية في المجتمع, فكلما زادت نسبة الطبقة الفقيرة, تعرض المجتمع لمختلف المشكلات الاجتماعية وأدى ذلك إلى التخلف والمزيد منه.
ويشير العديد من الدراسات والنظريات التنموية إلى أهمية تحقيق توازن مجتمعي بين طبقات كل مجتمع. ويشير العديد من المفكرين والخبراء التنمويين إلى أهمية الاعتناء بالطبقة المتوسطة للمجتمعات البشرية لما تحققه هذه الطبقة من توازن اجتماعي وتنموي في دولها.
إن الطبقة المتوسطة في المجتمع تمثل الشريحة الأكبر من المختصين في مجالات التنمية المختلفة مثل المديرين التنفيذيين والأطباء والمهندسين والإعلاميين والمحامين والعسكريين في مختلف المجالات ورجال الأعمال وأساتذة الجامعات والمعاهد من الجنسين والقائمة تطول في تصنيفهم، إلا أن ما يهمنا من هذه الطبقة وأهمية استمرارها وبقائها هو قدرتها على تحقيق السياسات الوطنية للدولة والعمل على تحقيق الرفاهية الاجتماعية والأمنية والاقتصادية لمجتمعاتها نظراً للمسؤوليات التي تتولاها في قطاعاتها المختلفة. هذه الطبقة تمثل في الغالب النسبة الكبرى في المجتمع، حيث تفترض النظريات التنموية, ومنها مثلاً ما ذكره ابن خلدون في "مقدمته", عن أن هذه الطبقة تمثل صمام الأمان لاستقرار الدول وازدهارها, ويتأثر ذلك الاستقرار والازدهار إيجاباً أو سلباً بتأثير حجم هذه الطبقة. وتؤكد تلك الدراسات والنظريات أن المجتمع يمثل في ثلاث طبقات أساسية: الطبقة العليا والوسطى والدنيا, وهذا التصنيف وضع له العديد من المعايير التي لا تخفى على أهل التخصص. هذا التصنيف لا يمثل تصنيفاً عنصرياً أو طبقيا وإنما يعتبر تصنيفاً مسؤولياً ومهنياً لكل مستوى في المجتمع. ولهذا فإن الطبقة العليا تمثل بالقيادات السياسية والإدارية والمالية التي تتحمل مسؤولية اتخاذ القرارات وضمان تفعيلها, وتعنى أيضاً بحماية حقوق الإنسان وتحقيق التوازن في ذلك بين فئات المجتمع المختلفة.
تقابلها وتعاضدها في ذلك الطبقة الوسطى التي تمثل, كما أشرت, الشريحة الأكبر من المجتمع ثم الطبقة الدنيا التي يدخل ضمنها أفراد المجتمع غير القادرين على تحقيق أهداف التنمية. وهذه الطبقة مع الطبقة العليا يفترض فيها أن تكون نسبتها في الحدود الدنيا ضمن النسبة العامة للمجتمع، لأن ازدياد نسبة الطبقة الدنيا يؤدي إلى انتشار مختلف المشكلات التي سبقت الإشارة إليها، وازدياد نسبة الطبقة العليا يؤدي إلى ترهلها وغيابها عن مسؤولياتها التي تؤديها في المجتمع.
إن المفكرين التنمويين وعلماء الإدارة والاقتصاد يقررون أن المجتمعات ذات الإمكانات والقدرات للنمو تتصف بوجود النسبة العظمى من السكان ضمن الطبقة الوسطى. ومن صفات هذه الفئة أنها هي المجموعة الأساسية من السكان التي تتولى إدارة التنمية والرقي بالخدمات والمرافق, كما أنها ذات دخول مادية جيدة ينعكس ذلك على مستوى معيشتها وتصرفاتها الحياتية من مسكن وخدمات ومستويات تعليمية وصحية لأبنائها بحيث تضمن لهم التعليم المتميز والرعاية الصحية الوقائية بدلاً من الصحة العلاجية اللاحقة.
إن قراءة متأنية لتاريخ المملكة التنموي توضح أن الاهتمام بالتعليم والصحة كان على رأس أولويات القيادة السعودية، فأعطي التعليم ما يحتاج إليه من اهتمام ورعاية وعناية، فتم فتح المدارس في مختلف المدن والقرى والهجر وطُورت المناهج وتم الاهتمام بالبنية الأساسية للتعليم لتحقيق هذا الهدف. واستكمل هذا الهدف والجهد بافتتاح الجامعات واستقطاب الكوادر التعليمية المؤهلة وابتعاث آلاف الطلاب للدراسة في الخارج, وذلك لإيجاد طبقة اجتماعية متخصصة قادرة على إدارة التنمية وتحقيق أهداف القيادة السعودية وتوجهاتها. هذه الفئة ساعدت على وصول التنمية في المملكة إلى ما وصلت إليه اليوم حتى تم اختصار المسافة الزمنية بين الماضي والحاضر في سنوات قليلة جداً وصلت التنمية البشرية والمكانية في المملكة إلى ما هي عليه اليوم.
إن وجود هذه الكوادر السعودية أصبح إحدى العلامات البارزة والواضحة في تنمية المملكة والعديد من دول الجوار وحققت المفهوم المتوازن للطبقة العاملة في المملكة وأخذت دورها المستهدف في مسيرة النمو والتنمية. ووجدت الكوادر الوطنية المؤهلة في الأجهزة الحكومية والخاصة القادرة على فهم متطلبات التنمية ضمن منظور تنموي متوازن بين خصوصية المجتمع السعودي والانفتاح على العالم، كما انعكس ذلك على الواقع المعيشي اليومي ومتطلبات هذه الفئة في المجتمع من خدمات صحية وتعليمية وأسواق تجارية نموذجية وخدمات ترفيهية تنسجم مع متطلبات أبناء هذه الفئة من مطاعم ومقاه وأندية رياضية وغيرها من متطلبات الحياة اليومية. ومما لا شك فيه أن عاملين أساسيين كان لهما دور كبير في هذا الواقع, هما زيادة أعداد الطبقة الوسطى ذات المستوى التعليمي المرتفع وكذلك ارتفاع دخل هذه الفئة مما مكنها من تحقيق احتياجاتها الجديدة.
إن المعايشة اليومية الواقعة لهذه الفئة اليوم توضح خطورة انكماشها بسبب العديد من الظروف الاقتصادية, ولعل من أهمها ما تعرضت له سوق الأسهم من إخفاقات ساعدت على فقد النسبة الكبرى من هذه الفئة مصادرهم المالية, خصوصاً أن أغلبهم ممن لا يستطيعون ممارسة أعمال أخرى, إما بسبب طبيعة عملهم وإما لالتزاماتهم العملية ومتطلبات التفرغ لها مما لا يعطيهم الوقت للقيام بأعمال أخرى.
إن إعادة النظر في واقع المحافظة واحتياجاتها على بقاء نسبة الطبقة الوسطى ضمن النسبة المطلوبة لضمان استمرار التنمية من خلال ضمان الأعداد المناسبة وضمن معايير معيشية جيدة لا بد من دراسته وتوفير الإمكانات اللازمة لإعادة الأمر إلى نصابه المقبول وإطلاق هذه الفئة التي يُعول عليها بعد الله, سبحانه وتعالى, في تنمية المملكة ووضعها في موضع تنافسي عالمي يعود بالخير على الجميع.
وقفة تأمل
"أخيراً وقد طارت طيور وأُفلتت
شكا الناس حتى ضاقت الأرضُ بالشكوى
أخيراً وما أنكى المواطن إن غدت
بظاهــــرة نهب اللصـــوص كمــــــــا تهوى
أتسعفنا هذي النقاشات بعدما
غرقنـــــا وبات الفقر صاحبنا الأقــــــــــوى
أخيراً وما بعد الأخير وقبلــه
ســـــــوى لعبة مكشوفة تشبه الحلـــــــوى