( الْوجعْ كبـَّاسْ والعافية نِسْنانْ )

[email protected]

تميَّز بيت حارة الشام القديم، في مدينة جدة، بشجرتين (نيم)، عند مدخله البحري، وبئر ماء (ردخيخ)، في الحوش الشمالي. (للبير) فائدتان ما زالتا تلازمين وحدتي وتؤثر أن على تقيمي لمخاطر الحياة، و(جلوزة) كثير من أفكار رسمية، و(بلبعة) (فلتات) صحافية، صيانة لخصوصية فكر محلي وحرصاً على بقائه وامتداد الاستفادة منه. ماء البير المالح من البحر الأحمر، إضافة المقل لندرة المياه منذ أكثر من نصف قرن، وداعم خدمي وموفر لنقص مياه الشرب من الكنداسة والصهاريج والعين العزيزية وبير (أبو عنبه) الواقع بين حارة الشام والمظلوم خلف عمائر باخشب. مرارة المعاناة لنقص مياه الشرب وحالة الكبت، ربما ترتب عليها الأزمة النفسية والفلسفية التي اكتشفها خبير (انعدام توفر مياه الشرب لثاني أكبر مدينة في المملكة). مدينة جدة تشكو أزمة مياه وتفتقد البدائل الزكية وأهمها أن يؤقلم أهالي المدينة، التي تأسست منذ أكثر من أربعة عشر قرنا، للرحيل مثل الجدود والهجرة المعاكسة في أنحاء المعمورة بحثاً عن المياه حتى ولو شربوا من البحر. الحالة النفسية التي عليها (الجدادوة) لنقص مياه الشرب قديمة، ومواجهتها بالنزول لعمق البير حتى سطح مائه، والزعيق بصوت مرتفع طلباً للنجدة ولتهدئة الأعصاب عملاً بالنظرية العلمية لتفاعلات اعتراض الأعمال المنقوصة، مماثلة قانون الطبيعة لتتولـَّد حركة معاكسة مضادة لكل حركة.
برامج التنمية الاقتصادية الاجتماعية لما يزيد على ربع قرن أعطت البلاد تقدماً اقتصادياً عظيماً وتحسناً اجتماعياً وفيراً، وأوجدت انفطاماً بين الرغبات والقدرات غير معترف به، ويتألَّم منه المقتدر والمنتقص. بقاء الحال مع المتغيرات دون حراك من المحال. الشجرة نبتها من أصلها وتحسينها وضررها لجهود حقيقية وخبرة الواقع على المحك للإنتاجية. الفرضيات والقيود ليست خصوصيات طبيعية بقدر أنها أحكام مفروضة على النفس، تبريراً لنواقص الأمور الحياتية المغلفة بكثير من المحليات الممزوجة ببعض المبالغات التي تكرارها يجعلها من المسلَّمات. خلط الحابل بالنابل لعموميات الشؤون الاقتصادية الاجتماعية، يؤخر تقدمها ويضعف مجاراتها للأوضاع الإقليمية والمحلية. الأجهزة والإدارات المختلفة تتداول نواقص الأمور الحياتية من صحة لتعليم وزراعة وتجارة وبيع.. إلخ، لتصبح المتابعة بالتداول بدلاً من التعاون التنفيذي المنتظم، والوسيلة بدلاً من الغاية. تكيفنا لأوضاع اجتماعية واقتصادية جديدة وفقاً لهوانا، يوفر قناعات التعايش لأنماط جديدة أوجدناها بأنفسنا لنرى فيها خصوصياتنا وقناعاتنا. العالم يشارك مراقبتها دون استحسانها وقبولها. طالما أنَّ فاتورة فلسفة الخصوصية تدعمها الهبة الربانية أمامنا فسحة من الزمان لهلع النفس للإنتاجية والانضباطية وفهم الاقتصاد الجديد وهضم متطلباته.
حلَّت بكثرة من المواطنين السعوديين محنة توظيف مدخراتهم وديونهم واقتراضهم في سوق الأسهم السعودي عن جهالة وجشع، وترغيب وغش.. إلخ. أصبح الكثير منهم بدون عائل ولا (مأوى)، ويفتقد أذناً صاغية ويحتاج إلى توجيه معيَّن للخروج من الضائقة التي ما زالت ترى مؤسسة النقد، (أنَّ السوق أكثر جاذبية). كثيرون (يأكلون الفرش)، وآخرون يعدون إيقاعاته ويعتبرونها محنة للاقتصاد الوطني. الإجماع المحلي والدولي يعتبرها كارثة مالية ونقدية للمواطن، خاصة لمن لا يهمه أن (يتسمر أمام الشاشة إن شاء الله عشر سنين المهم يرجع حلالي، ما يهم قد ضاع من عمري ثلاث سنين). إضافة لحسرة المواطنين، المجتمع يعيش فراغا محيراً لغياب تفسير رسمي عن السوق للمشكلة والإجراءات التي حدثت، والإجراءات الرسمية المصححة. مواجهة مشاكلنا الاقتصادية الاجتماعية نسير في تصحيحها، وكأنَّ الأخطاء قضاء وقدر من حولنا ولا أحد مسؤول لمواجهتها. إنكار المخاطر من المستحسن اتباعه وتأجيل الحلول (عين المنطق). معالجة محنة سوق المال ليس فيها (تبرئة البنوك المحلية من مسؤولية تسيل محافظ المستثمرين المقترضين منها)، بقدر ما هو توفير القناعة لتعاون الأجهزة الحكومية المسؤولة متابعة المحنة بسلام، وفق خطة محكمة المحتوى والتوقيت من مفهوم الواقع وليس المؤامرة والاتهام. الفراغ الذي تعيشه سوق الأسهم يولـِّد الشائعات والأرض الخصبة للجهالة والاستغلال والاستفادة.
متابعتي محنة سوق الأسهم السعودية من قاع قارة العالم الأمريكية الجنوبية فيها نقص معلوماتي يفكِّرني بمعاناة (الجدادوة) أيام بير الرديخ، وتوفير مجالات سليمة لبدائل التفكير الحر المقارن على أسس علمية لأمور حيوية محلية من منظور عالمي، يحركه (تفسُّح) فكري متحرر في مجتمعات تحترم الكلمة وتقول للمخطئ (بيم) بدلاً من (إحم ودستور). البُعد الجغرافي وفروق التوقيت وندرة المعلومة للخصوصية السعودية ونقص التقانة والمعرفة والتكنولوجيا الغربية، لم تحم خدش معلوماتي ومعرفتي وعلمي لوصف المسؤول عن السياسة النقدية، سوق الأسهم المالية المحلية (بالجاذبة بالنظر إلى الأسعار مقابل الأرباح التي تجنيها الشركات). حقيقة إنَّ مادح السوق من كسب فيه، والمتضرر من ضعاف القوم. حرام أن نشجع محدودي العلم والفهم والدراية والدخل على غيهم وبدون تذوُّدهم بالعلم الكامل والمعرفة السديدة لمفاهيم مخاطر الاستثمارات المالية من المنظور النقدي. خطأ نقص توفير معلومات يوضح مخاطر المساهمة المتفردة لمحدودي الدخل وتشجيعهم بمغريات خطابية قد تتسبب في ضررهم دون إفادة سوق الأسهم. حري بنا أن نعرف الفرق بين الثراء والنقود ونتعب في البحث عن البدائل للخروج من محنة سوق الأسهم السعودية قبل أن يطول الضرر (العالي والواطي).
أخصائيو المال والنقود والاستثمار يعتبرون شراء واقتناء الأسهم أكثر المعادلات المالية والنقدية مخاطرة لاستثمار النقد في طريق تحقيق الثراء، وخاصة المتفرد ولمحدودي الدخل. الأرباح الحقيقية في سوق الأسهم، تظهر وتبان عند البيع والشراء وقفل مراكز التعامل. مقارنة المعدل لسعر السهم الدارج بالمشترى يعطي فوارق ربحية فرضية قابلة للتغير لصالح البائع أو المشتري. الأحوال غير المرضية للسوق السعودية من استمرار الهبوط أو صعوبة الارتفاع، تجعل التعامل في الأسهم أقرب لتجارة (تطير) الحمام الزاجل. القول (إنَّ معدل أسعار الأسهم مقابل الأرباح في كثير من الشركات المساهمة منخفض ويوفر فرصاً جيدة للاستثمار) ينقصه كثير من الدقة، حتى عند ترويج سلع معطوبة. الاستثمار المتفرد في الأسهم، وخاصة الشركات العامة المتنوعة المستويات والمتشكلة المكونات، مخاطرها عديدة وكثيرة، ومنافعها لمحدودي الدخل مشكوك فيها. تجارب السوق الخطرة التي انساق لها محدودي الدخل تحت مفاهيم خاطئة، مفروض أن يتابعها المسؤول بعلم ودراية حماية للاقتصاد ولمحدودي الدخل. الاستثمار في الأسهم بقدر محدود ومحدَّد من المال وضمن تشكيلة استثمارية محسوبة مقبول لمن لديه الملاءة والمقدرة الاستثمارية المتكاملة. الاستثمار الآمن ليس كل شيء لكل من أراد، وليس عند (العرب صابون).
الاستثمار الآمن والمأمون لفوائض الثروة يوفره بقاؤها نقداً، حتى تظهر الفرص الاستثمارية المأمونة وتبان ويرتبط استثمار النقود بالعديد من الفرص المتوافرة. عدم توافر الفرص الاستثمارية ليس مبرراً لوضع الثقل بكامله في سوق الأسهم بصفة عامة والسعودية بصفة خاصة. الاستثمار في سوق الأسهم أكثر مخاطرة من تجارة الحمام الزاجل النادر الوفرة، وفرص استثمارية غير مضمونة لصغار المستثمرين. المهمة الرئيسية من التنمية الاقتصادية والغاية المنشودة من التطوير الاجتماعي تحسين فرص المعيشة والعمل والاستثمار والاطمئنان للمواطن. المجالات الاستثمارية الاقتصادية الاجتماعية المحلية لا يمكن توفيرها دون مساندة رسمية تدعمها خبرة عملية حقيقية ومشاركة جماعية للمواطنين المستفيدين من العمل المنشود. الاقتصاد الوطني السعودي حديث العهد لقيام المؤسسات المالية والنقدية الاستثمارية، وتجاربه لاستخدامات الأفكار المعيشية الغربية محدودة، ويتطلب توفير مجالات معرفة تتناسب مع القدرات والخبرات، وتجديد احتياجاته للبقاء والتطوير والقدرة لمواجهة المصاعب والخروج من الأزمات... خاصة بعد أن نسينا (حكمة دخول الحمام وصعوبة الخروج منه).
التطلعات والرغبات والاحتياجات الفردية تتبلور تلقائياً، وتصبح رغبات جماعية تهتم بتوفير الاحتياجات الاستهلاكية وإغفال المسؤوليات الفردية والجماعية المترتبة، ولوم الغير لتخلفها وانحطاط مستوياتها. سيطرة الأسلوب الاستهلاكي لمفهوم الحياة المريحة، دون أي محاولة لتصحيح الإسقاطات المسؤولة ضررها أكثر من نفعها. تباطؤ تناقل المعلومات والمعارف بين المواطنين العاديين والرسميين، يوسع فجوة الصراع المجتمعي. تباعد التعامل الأسري المجتمعي أضراره تظهر وتبان في حالة الأزمات، ونحوم حولها بتوجهات وأقوال بعيدة عن الحلول. الوعي لأهمية سرعة الإنجاز وفقاً للمستويات الموضوعة مفقود، والخلط بين (وسيلة التشييد) وغاية (الإشادة) يجعلنا نهتم بالتشييدات التحتية (الجسم) ونهمل الفوقية (الفكر).. ونصبح (جتة بلا رأس) التي كنا نتسلَّى بزيارتها ومشاهدتها في الأعياد في برحة العيدروس في جدة لأكثر من نصف قرن مضى. الاقتصاد الوطني السعودي تخطى حقبة اهتمام المسؤول وطموحات المواطن للمستشفى والمدرسة والجامعة وسوق المال.. إلخ. الفكر الاقتصادي الجديد وتطلعات المواطن، أضحت تهتم بالمنتوج النهائي من العلاج والعلم والثقافة والثراء.. إلخ. نجاح همم خدمات المواطنين، لا يمكن أن توفره الأجهزة الحكومية القائمة، لأنها أجهزة إنفاق على تشييدات أسمنتية تحتية تعجز عن تقديم المنتوج النهائي من الخدمات المطلوبة من البنية الفكرية. تحرّك فكر المواطن الحكومي والأهلي والخاص المتعاون ضمن تنظيمات خدمية تعاونية وتجارية حتمي لتفهم بعضنا بعضاً حتى نفهم مشكلتنا.
الالتزام المعرفي الواثق الذي قدمه كابتن الخطوط السعودية منذ أربعين عاماً يجب أن نعيه، ونعمل به ونطوره خدمة لأنفسنا وحماية لأبنائنا.
تلقى في بداية الستينيات من القرن الماضي كابتن الطائرة السعودية المتجهة لتبوك تعليمات للهبوط الاضطراري في مطار المدينة المنورة لانسلاخ جزء من الكفر اليساري لطائرته، مما يضطره إلى الهبوط على الجانب الأيمن والسيطرة على الطائرة وسلامة الركاب وتصرفاتهم بعد إفهامهم للمخاطر التي حلت بهم والمحنة التي تتطلب تعاونهم للهبوط بسلام وبأقل الأضرار. مواجهة (المشكلة) بدون لف ولا دوران وبعلم ودراية طريق النهايات السعيدة.
الاقتصاد الوطني السعودي بعد إقلاعه في رحلة طويلة مدعومة بقيادة حكيمة وهبة ربانية، أخذ يدخل في أجواء محلية وإقليمية وعالمية غريبة، وتعاملات جديدة وضغوط خارجة وتحديات داخلية. التحدي الكبير أنَّ المواطن السعودي الأهلي والخاص والرسمي منفصم الفكر بين الرغبات والتحديات من جهة، وبين بعضهم البعض من جهة أخرى. أسلوبه استهلاكي وإنجازاته تقليدية ومكاسبها من نصيبه ونواقصها شر مُقدَّر، ومطالبه حديثة ومكلفة. لا يعي أهمية التشييدات النفسية الفكرية، وجهوده قاصرة على التشييدات التحتية والأسمنتية. الفوارق في الفكر والتقييم لمجريات كثير من الأمور المحلية مُختلف عليها. مطابقتها مع المستويات العالية يصعب تقنيتها. الهبة الربانية تطغى على كثير من المفارقات والعيوب. التسابق في تحسين الإنتاجيات وفقاً لاقتصاديات العالم متباطئ. فوارق تطوير الأساليب والطرق التقنية والمعرفية كبيرة لما عليه فكر الاقتصاد الوطني، مما قد يوسع من فجوة التعامل دولياً. مشاكلنا المعلقة كثيرة ومحنة سوق المال إضافة جديدة يصعب التعامل معها دون معرفة السبب، خاصة في ضوء قول هيئة رسمية عن السياسة النقدية (إنَّ السوق أكثر جاذبية) من (بعض الدول مكتملة النمو). والله أعلم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي