شكرا على العقوبات ... ولكن!!
مع إعلان هيئة السوق المالية الموقرة عن صدور قرار نهائي بإدانة أحد المخالفين لنظام السوق المالية ولوائحه التنفيذية وإلزامه بدفع مبلغ إجمالي قدره 91013036 ريالا سعوديا تمثل المكاسب التي حققها نتيجة للمخالفات المرتكبة إضافة إلى غرامة مالية، يجب علينا جميعا أن نتقدم بالشكر إلى كل من مسؤولي الهيئة وأعضاء لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية وأعضاء لجنة الاستئناف على عدم تهاونهم في تطبيق أنظمة الرقابة والعقوبات وأن نشيد بجراءة وشجاعة مثل هذه القرارات الانضباطية في السوق المالية السعودية.
بالرجوع إلى نظام السوق المالية (الفصل العاشر المتعلق بالعقوبات والأحكام الجزائية بالمخالفين)، نجد أن المادة السابعة والخمسين ـ الفقرة (أ) نصت على أن "أي شخص يخالف المادة التاسعة والأربعين من هذا النظام، أو أياً من اللوائح أو القواعد التي تصدرها الهيئة بناء على تلك المادة، وذلك بالتصرف أو إجراء صفقة للتلاعب في سعر ورقة مالية على نحو متعمد، أو يشترك في ذلك التصرف أو الإجراء، أو يكون مسؤولاً عن شخص آخر قام بذلك، يكون مسؤولاً عن تعويض أي شخص يشتري أو يبيع الورقة المالية التي تأثر سعرها سلباً بصورة بالغة نتيجة لهذا التلاعب، وذلك بالقدر الذي تأثر به سعر شراء أو بيع الورقة المالية من جراء تصرف ذلك الشخص".
في السياق نفسه، نجد أن المادة التاسعة والخمسين من النظام ـ الفقرة (أ) أيضا نصت على أنه "إذا تبين للهيئة أن أي شخص قد اشترك، أو يشترك، أو شرع في أعمال أو ممارسات تشكل مخالفة لأي من أحكام هذا النظام، أو اللوائح أو القواعد التي تصدرها الهيئة، أو لوائح السوق، فإنه يحق للهيئة في هذه الحالات إقامة دعوى ضده أمام اللجنة لاستصدار قرار بالعقوبة المناسبة"، وتضمنت العقوبات المنصوص عليها عدة إجراءات منها: (1) تعويض الأشخاص الذين لحقت بهم أضرار نتيجة للمخالفة المرتكبة، أو إلزام المخالف بدفع المكاسب التي حققها نتيجة هذه المخالفة إلى حساب الهيئة و(2) منع الشخص المخالف من مزاولة الوساطة أو إدارة المحافظ أو العمل مستشار استثمار للفترة الزمنية اللازمة لسلامة السوق وحماية المستثمرين.
عند التمعن في قراءة إعلان الهيئة عن إدانة المخالف وعند قراءة المواد القانونية أعلاه من نظام السوق المالية، توقفت عند العديد من القضايا المهمة تتلخص فيما يلي:
ألزمت الهيئة المخالف بدفع مبلغ 88613036 ريالا سعوديا إلى حساب الهيئة بدلا من دفعها إلى حساب المتضررين من المخالفات!! والسؤال هنا: لماذا لا يتم تعويض المتضررين طالما أن الهيئة تمكنت من تحديد القيمة الإجمالية للمكاسب غير المشروعة تحديدا دقيقا، مما يدل على أن الهيئة مشكورة تمكنت من التعرف على أطراف وقيمة كل عملية قام بها المخالف؟
إذا كانت الهيئة تنتظر مطالبات التعويض من المتضررين فكيف لهؤلاء المتضررين أن يعرفوا أنهم متضررون؟ ولماذا يجب أن تأتي المبادرة منهم وهم الذين لم يرتكبوا مخالفات؟ أليس من الأجدى أن تعوضهم الهيئة تلقائيا في حساباتهم الاستثمارية، أو على الأقل أن تصدر بيانا تحدد فيه بدقة من هم المتضررون وتدعوهم لرفع دعاوى التعويض؟
طالما أن الهيئة لم تقم بإلغاء العمليات التي تنطوي على مخالفات كما هو معمول به في بعض الأسواق المالية (مثل سوق دبي المالي وتعامله مع قضية التلاعب الشهيرة على سهم بنك دبي الإسلامي عندما قامت إدارة السوق بإلغاء العمليات التي انطوت على مخالفات بأثر رجعي) فهذا يدل على أنه إذا تعذر إلغاء العمليات المخالفة فإنه لا بد من تعويض المتضررين من هذه المخالفات بدلا من إيداع قيمة المكاسب غير المشروعة في حساب الهيئة!!
يجب أن نتفق جميعا على أن الغرامة المالية البالغة 2.400 مليون ريال سعودي يجب أن تدفع إلى حساب الهيئة لأنها تتعلق بغرامة ولا تتعلق بالمكاسب غير المشروعة الناتجة أساسا من حسابات باقي المستثمرين.
توقيت الإعلان أكثر من جيد لأن مستوى تقييم الأسهم حاليا منخفض جدا، مما يعني أنه حتى لو حاول البعض الضغط على السوق فإنهم إما سيترددون كثيرا في بيع أسهمهم بهذه الأسعار المنخفضة أو أنهم سيفشلون في مسعاهم إذا ما قام مستثمرون آخرون بالدخول قياسا على مستويات التقييم المغرية والوضع الاقتصادي القوي لوطننا الغالي.
التشهير لأول مرة باسم المخالف وهي قضية حساسة لا بد أن الهيئة أخذت في اعتبارها الجوانب القانونية لذلك.
عدم تسمية الشركات محل المخالفات وهو إجراء لن يكون له أي تأثير على السوق حاليا بسبب مرور فترة زمنية طويلة نسبيا على ارتكاب هذه المخالفات سواء تمت تسمية الشركات أم لم تتم.
أخيرا، عدم الإعلان عن إيقاف المخالف من تنفيذ عمليات بيع أو شراء الأسهم!! والسؤال: هل فعلا لم يتم إيقافه؟ أم تم إيقافه بطريقة غير معلنة؟ فإذا لم يتم إيقافه، فلماذا لم يتم ذلك طالما تم إثبات الإدانة من قبل لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية وتم تأييدها أيضا من قبل لجنة الاستئناف؟ أما إذا تم إيقافه بطريقة غير معلنة، فلماذا لم يتم الإعلان عن الإيقاف طالما أن الهيئة أعلنت عن عقوبات مالية وتشهيرية باسم المخالف وهي بلا شك أكبر من عقوبة الإيقاف؟
بشكل عام، نشكر المسؤولين في هيئة السوق المالية على هذه الخطوة الجريئة التي تحدث لأول مرة بعد تكليف ولاة الأمر (حفظهم الله ورعاهم) مهام رئاسة السوق المالية إلى معالي الدكتور التويجري وكلنا ثقة في الهيئة الموقرة أن تمضي قدما في تطبيق أنظمة ولوائح السوق المالية بشكل عادل مع جميع المستثمرين لأننا جميعا نسعى إلى رفع مستوى الثقة والتنظيم والكفاءة في سوقنا المالية سواء على المدى القصير أو الطويل.