تفعيل دور الإعلام الاقتصادي في تحقيق الإفصاح والشفافية*

[email protected]

يتمتع الإعلام الاقتصادي في السعودية بقدر لا بأس به من الحرية، وتتم مناقشة قضايا وطنية على قدر كبير من الأهمية بشفافية لم تكن معهودة في الإعلام الاقتصادي السعودي قبل سنوات. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما سبب محدودية الأثر الإيجابي لذلك في عملية الإصلاح الاقتصادي والوصول إلى حلول مناسبة لمشكلاتنا الاقتصادية المتنامية التي تبدو عصية على الحل رغم كل ما نتمتع به من ظروف إيجابية تبعا لتحسن أوضاعنا المالية مع ارتفاع أسعار النفط العالمية؟!
وفي رأيي أن هناك عددا من المعوقات التي تحد من أهمية تأثير الإعلام الاقتصادي وتضعف من دوره في تحقيق مناقشة شفافة لمشكلاتنا الاقتصادية والوصول إلى حلول ناجعة لها, تتمثل في التالي:
1- إن الطرح الجريء نسبيا لبعض المشكلات الاقتصادية في الإعلام السعودي يتم بشكل عام تجاهله من قبل الأجهزة المعنية، ما يعطي تصورا بأن هذه الحرية النسبية التي أتيحت للإعلام الاقتصادي هي لمجرد التنفيس وإعطاء إحساس بأن هناك نقدا صريحا لأوضاع معينة، بينما على أرض الواقع لا شيء يتغير، وليس المقصود منه بالضرورة كشف ممارسات خاطئة في سياسات الأجهزة الحكومية واتخاذ ما من شأنه تصحيح الخلل وضمان عدم تكراره. على سبيل المثال تناول الإعلام الاقتصادي السعودي الخطر الذي كان يهدد الاقتصاد السعودي جراء الارتفاع المتواصل وغير المبرر في أسعار الأسهم المحلية، وكانت الأجهزة المسؤولة عن الشأن الاقتصادي تملك الوسائل العديدة للحد منه, وبالتالي تجنيب الاقتصاد كارثة حقيقة قادمة، إلا أنها لم تفعل وتركت اقتصادنا يهوي لمصيره المحتوم دون تدخل، رغم كل ما كتب وقيل في الإعلام عن خطورة هذا الموقف السلبي غير المبرر والدعوات المتكررة لتصحيح هذا الخلل قبل وقوع الكارثة.
2- إن أسلوب "التطنيش" الذي تمارسه الجهة المعنية بما يطرح في الإعلام حول قضية معينة سواء كانت هذه الجهة في القطاع العام أو الخاص, يقلل من أهمية الدور الرقابي للإعلام ويحد من كفاءة الدور الذي يقوم به في المجتمع الاقتصادي. فسياسة معظم وحدات الشأن الاقتصادي، في الغالب، تجاهل ما يكتب من نقد لأي قصور في أدائها ليتم مع الوقت نسيان الموضوع، فالرد أو التعقيب يجعل القضية حية وحاضرة في ذهن القارئ أو المشاهد. والإعلام يجب أن يكون العين التي تركز الضوء على مشكلة أو قضية معينة تتطلب اتخاذ إجراء معين، ويجب ألا تترك الحرية للجهاز المعني في اتخاذ ما يراه مناسبا، فإن شاء تعامل مع المشكلة وعمل على تصحيح الوضع، وإن شاء تجاهل الموضوع ولم يعقب عليه إلى أن تهدأ العاصفة وينسى الموضوع، والإعلام الاقتصادي في ظل هذا الوضع في حاجة إلى أن يكون متابعا عنيدا لما يطرحه من قضايا وموضوعات.
3- إنه قد لا يكون هناك تقدير كاف لدور الإعلام الاقتصادي كقناة أخرى لإيصال المعلومة إلى الجهات العليا في الدولة حول قضية اقتصادية ما، أو مستوى الأداء في جهاز معين. على سبيل لمثال، الصورة لن تكون كاملة إذا كانت الجهات العليا في الدولة تعتمد في تقييم ما يحدث في سوق المال على ما ترفعه هيئة سوق المال من تقارير أو تقيم مستوى الخدمات الصحية بناء على ما تعرضه التقارير المرفوعة من قبل وزارة الصحة فقط، فليس هناك جهاز أو جهة ستقول في تقاريرها إننا أسأنا التقدير هنا أو لم نقم بما يجب هناك. والإعلام الاقتصادي يمكن أن يلعب دور أساسيا لاستكمال الصورة حول حقيقة أداء مختلف وحدات النشاط الاقتصادي في القطاعين العام والخاص، ما يضمن عدم إخفاء الأخطاء وجوانب القصور. وسيكون هذا الدور محدودا ما لم تكن هناك جهة عليا في الدولة تعنى بما يتم طرحه في الإعلام وتتابع مع الأجهزة الحكومية المعنية اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق الإصلاح المطلوب، ما يحفز تلك الأجهزة على المبادرة من ذات نفسها لتصحيح ما يجب تصحيحه، وعدم انتظار توجيه اللوم إليها على أي إهمال أو تقصير.
4 - يحد من الدور الرقابي للإعلام الاقتصادي التضارب الذي يحدث في أحيان كثيرة بين مصالح الوسيلة الإعلامية وبين قيامها بدورها بشفافية ومهنية. فمثلا قد تراعي الوسيلة الإعلامية مصالح المعلنين على حساب الشفافية المطلوبة عندما تصطدم مصالحهم بقيام الوسيلة الإعلامية بدورها بشفافية ومهنية.
5- وجود مصالح شخصية لمعد المادة الإعلامية أو تعرضه لإغراء من أي نوع كان، يقللان من مصداقية المادة التي يقدمها الإعلام الاقتصادي ويعوقان قيامه بدوره بشفافية بل قد يجعلانه مضللا، ما يتطلب عناية فائقة من الوسيلة الإعلامية لضمان عدم استغلالها من قبل ضعاف النفوس للإضرار بدورها في المجتمع الاقتصادي.
6- هناك شح في الكفاءات التي تملك المعرفة والخبرة اللازمتين للقيام بعمل إعلامي اقتصادي كفء شفاف، فكثير من التقارير والتحقيقات الاقتصادية المعدة من قبل المحققين والمراسلين المفرغين لهذه المهام تتصف في أحيان كثيرة بالسطحية وتفتقر إلى التقييم المناسب للأمور. ويسهم في مفاقمة هذا الضعف عدم وجود تقدير مناسب لمن يقومون بهذا النوع من العمل الإعلامي، فعندما يتميز أحدهم ينقل إلى مهام إعلامية أو إدارية أخرى، ما يبقي هذه المهام في الغالب موكلة إلى من لا يملكون المعرفة والخبرة اللازمة.
7 - استغلال الوسيلة الإعلامية من قبل أصحاب المصالح الشخصية ممن قد يظهر في الإعلام أو يشارك برأي في قضية مظهرا حياديته وحرصه على المصلحة العامة بينما يهدف إلى تحقيق مصالح شخصية ويتعمد تضليل القارئ أو المشاهد.
8 - اهتمام الإعلام الاقتصادي بإرضاء القارئ أو المشاهد حتى لو كان ذلك على حساب مصداقية الإعلام وشفافيته، وذلك من خلال إسماع المشاهد أو القارئ ما يرغب في سماعه لا ما يجب عليه سماعه.
9 - إن الاقتصاد بالنسبة إلى الإعلام الاقتصادي خاصة المرئي منه هو سوق الأسهم وسوق الأسهم فقط، فالموضوعات الاقتصادية الأخرى لا تحظ بحقها في التغطية أو الاهتمام، إلا عندما تكون مرتبطة أو مؤثرة بشكل مباشر في سوق المال.

* مشاركة قدمتها في ملتقى الإفصاح والشفافية في سوق الأسهم السعودية الذي عقد الأسبوع الماضي في مدينة الرياض.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي