الأخطار في علاوة الإصدار (2 من 2)
تعتمد الجهات الرقابية في عملية طرح الأوراق المالية الأولي IPO وتقييم علاوة الإصدار، على الطرف الرابع في العملية وهو متعهد التغطية underwriter الذي يقوم بدور ضمان تغطية الطرح بعد أن يقوم بدراسة الطرح وفحص عدالة علاوة الإصدار. ومما يلفت الانتباه هنا أن فكرة التعهد بالتغطية هي فكرة متكاملة وتعني في الأسواق الغربية آلية لضمان عدالة الطرح من جميع جوانبه، لكون متعهد التغطية لا يمكنه المخاطرة بالاحتفاظ بأوراق مالية ذات علاوة إصدار مبالغ فيها، وقد يلجأ مستقبلاً إلى بيعها بقيم بخسة، مما قد يؤدي إلى إفلاس المؤسسة المالية. وهذا من تجارب الطرح في الوطن العربي لا يتم، ولن يتم في المستقبل القريب، نظراً لاعتماد المستثمر على الجهات الرقابية، التي بدورها تعتمد على موافقة متعهد التغطية. وبالتالي فإن جميع الأوراق المالية المطروحة ستتم تغطيتها من قبل المستثمرين، ويقل خطر التعهد بالتغطية، ويكون ذلك حافزاً لدى متعهد التغطية للقبول بتغطية الورقة المالية سواءً كانت ذات قيمة عادلة أو مجحفة، طالما أنه فهم نفسية المستثمرين وإقبالهم الشرس في الوطن العربي على الاستثمار في الطروحات الأولية خصوصاً، وطالما أن أتعابه ترتبط بشكل مباشر بإجمالي قيمة الطرح، فكلما زادت علاوة الإصدار، زادت معه أتعابه.
ومن هنا، يبدو جلياً أن عدالة تحديد القيمة تناط بشكل أساسي في مجتمعنا العربي بكاهل الجهة الرقابية وذلك لأن عاطفة المالك الأصلي سينتج عنها تضخيم القيمة، ولأن المستثمر سيقوم بشراء حصص الملكية بناء على ثقته بحماية الجهة الرقابية، والمعتمدة على متعهد التغطية الذي بدوره لا يعير التقييم اهتماماً كبيراً لعلمه بالتغطية مسبقاً. وبالتالي، فإن أي خلل في الإجراءات الرقابية أو تنفيذها سينعكس على عدالة القيمة المحددة وعدم عدالة علاوة الإصدار المضافة إلى القيمة الاسمية التي سيدفعها المستثمر للمالك الأصلي.
إلا أنه يجب التنبه إلى أنه مهما كانت الإجراءات الرقابية حازمة ومهما كان تنفيذها دقيقاً، إلا أنه تمارس في عالمنا العربي طرق كثيرة للالتواء على الإجراءات الرقابية بواسطة المالك الأصلي للشركة العائلية، وذلك لتضخيم قيمة الملكية وبالتالي الحصول على علاوة إصدار أعلى من القيمة العادلة. وربما اعتقد المالك الأصلي أنه بهذا العمل قد حقق نجاحاً بجنيه أرباحاً رأسمالية. ويعتقد أن قبول المجتمع بالقيمة المبالغ فيها هو تقدير للإنجازات التاريخية لشركته العائلية. ولكن العبر المأخوذة من التجارب السابقة في عالمنا العربي وفي العالم بشكل عام، تبين أن المالك الأصلي بتضخيمه لقيمة شركته فكأنما "يخطف عينه بيده".
وتكمن مخاطر تضخيم علاوة الإصدار على الاقتصاد ككل في أن تراكم الخبرة لدى المستثمر حول عدالة القيمة لمنشآت سبق الاستثمار فيها بعلاوة إصدار مبالغ فيها سيؤثر سلباً في قراره بخصوص عدالة القيمة للمنشآت التي تطرح أسهماً للمرة الأولى. وهذا قد يؤدي إلى فشل عمليات الطرح الأولي للأسهم وما ينطوي على ذلك من تعطيل عمليات التحويل والتخصيص، مما ينعكس سلباً على الاقتصاد الوطني ككل.
أما بالنسبة للمالك الأصلي، فإن تضخيم القيمة وعلاوة الإصدار، سيؤديان إلى نشوء ضغوط عالية على المالك الأصلي، الذي يكون عادة مالك الأغلبية والمدير، لتحقيق عوائد على استثمار الملاك الجدد، تعادل على الأقل، معدل العائد الذي يتوقعه كل منهم على استثماره. وفي حالة الفشل في تحقيق هذا العائد، فإن سمعة العائلة التي تملك الشركة والتي تحمل الشركة اسمها ستتأثر سلباً، بسبب رغبة المالك الأصلي في حماية تلك السمعة عن طريق المبالغة في تقييم المنشأة.
وباستعراض عدة تجارب لعمليات تحويل شركات عائلية في العالم العربي وفشلها، فإن اللوم يلقى عادة على الجهة الرقابية، وفي واقع الأمر، كما أشرنا سالفاً، فإن معظم اللوم يجب أن يقع على المالك الأصلي ومستشاريه ومتعهد التغطية والطرق التي تتبع لتضخيم القيمة، وليس كما يتداول لدى العامة بأنه يقع بكاملة على الجهة الرقابية.
لذا، فإنه يجب ألا يكون هناك تعارض في المصالح على المستوى القصير والطويل بين الأطراف الأربعة، المالك الأصلي ومستشاريه، الجهة الرقابية ومن يساندها من موظفين ومحترفين، متعهد التغطية والمستثمر. وذلك لأن الجميع في سفينة واحدة، ويجب بذل قصارى الجهود من الجميع للوصول إلى القيمة العادلة التي تعطي المالك الأصلي حقه غير منقوص، وتضمن إدارة الشركة العائلية بحرفية، وتعطي المستثمر العائد المتوقع. وبهذا نتلافى الأخطار في علاوة الإصدار. والله أعلم.
أستاذ المحاسبة والمراجعة في جامعة الملك سعود