تخفيض "أوبك" للإنتاج قد لايحقق أهدافها في تخفيض المخزون و رفع القوة الشرائية لصادرات النفط

[email protected]

ستقرر "أوبك" اليوم ما إذا كانت ستخفض الإنتاج للحفاظ على أسعار النفط أم أنها ستبقيه على ماهو عليه بعد أن خفضته في اجتماعها الماضي في الدوحة. لا أحد يستطيع الآن التنبؤ بدقة بما يمكن أن تفعله "أوبك"، إلا أن الجميع يتفق على أنه يجب تخفيض مستويات المخزون في الدول المستهلكة، و تلافي أثر انخفاض الدولار على القيمة الشرائية لصادرات "أوبك"، و دعم أسعار النفط حتى لا تنخفض مع تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي و زيادة الإنتاج خارج "أوبك".
بناء على ذلك فإن مبرارت تخفيض الإنتاج هي:
1. ارتفاع مستويات المخزون
ارتفع المخزون التجاري من النفط إلى مستويات عالية لم تشهدها أسواق النفط منذ عدة سنوات، حيث ارتفع غطاء المخزون ( عدد الأيام التي يغطي فيها المخزون واردات النفط) من 52 يوماً إلى 55 يوماً. لذلك يرى بعض وزارء "أوبك" أن تخفيض المخزون إلى مستويات مقبولة يتطلب تخفيض الإنتاج ما بين 500 ألف برميل يومياً و 1.5 مليون برميل يومياًً.
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: لماذا ارتفعت مستويات المخزون إلى هذه المستويات العالية التي لم تشهدها أسواق النفط منذ عدة سنوات؟ هل ارتفعت بسبب زيادة ملحوظة في الإنتاج؟ هل ارتفعت بسبب انخفاض الطلب على النفط؟ إن السبب الرئيس لوصول مستويات المخزون التجاري إلى هذه المستويات العالية هو ارتفاع أسعار النفط المستقبلية مقارنة بالأسعار الفورية. هذا الارتفاع يعود إلى عوامل عدة بعضها يتعلق بأوضاع أسواق النفط العالمية مثل اقتناع التجار بعدم مواءمة النمو في الطاقة الإنتاجية للنمو في الطلب العالمي على النفط، و عدم وجود طاقة تخزينية كافية لتخزين النفط. كما يتعلق البعض الآخر بانخفاض الدولار و انخفاض أسعار الفائدة الطويلة الأجل.
إذا قررت "أوبك" تخفيض الإنتاج فإنها تهدف من ذلك إلى رفع الأسعار الفورية بحيث يقل الفرق بين الأسعار الفورية و المستقبلية، و يتلاشى حافز الاحتفاظ بالمخزون لبيعه بسعر أعلى في المستقبل. ولكن نجاح "أوبك" في تخفيض الفرق بين السعر الفوري و السعر المستقبلي للنفط، و بالتالي تخفيض المخزون، يعتمد على عدة أمور أهمها أن لا يرتفع السعر المستقبلي نتيجة التخفيض أو أي عوامل أخرى مثل استمرار الدولار الأمريكي بالانخفاض، و أن تلتزم الدول الأعضاء بتخفيض الإنتاج، و أن يقتنع المتعاملون بوجود طاقة إنتاجية فائضة يمكن استخدامها إذا لزم الأمر. وقد يستلزم الأمر أن تفاجئ "أوبك" السوق بتخفيض أكبر من المتوقع، خاصة أن "أوبك" تبنت سياسة المفاجآت في السنوات الأخيرة. كما يعتمد نجاح "أوبك" على مدى صحة بيانات المخزون، خاصة أن البيانات الأسبوعية الأخيرة، التي قد تعدل فيما بعد، توضح انخفاضاً في المخزون.

2. استمرار الدولار الأمريكي بالانخفاض
خسر الدولار نحو 7 في المائة من قيمته مقابل العملات الرئيسة الأخرى منذ بداية العام الحالي. هذا يعني انخفاض القيمة الشرائية لصادرات النفط لأن النفط يسعر و يباع بالدولار. المشكلة التي تواجهها "أوبك" ليست فقط في هذا الانخفاض منذ بداية العام، و إنما في أمرين آخرين. الأول أن هذا الانخفاض يأتي فوق الانخفاض الكبير في قيمة الدولار خلال السنوات الأربع الماضية و الذي تجاوز 30 في المائة لدرجة أن الدولار وصلت قيمته في الفترات الأخيرة إلى أقل مستوى لها مقابل الجنيه الاسترليني منذ 14 سنة. الثاني أن الخبراء يتوقعون المزيد من الانخفاض في قيمة الدولار. هذا يعني استمرار القوة الشرائية لصادرات النفط بانخفاض.
يرى بعض وزراء "أوبك" أنه يجب تخفيض الإنتاج و رفع أسعار النفط للتعويض عن انخفاض القوة الشرائية. في هذا الحالة يحاول الوزراء الحفاظ على القيمة الحقيقية لصادرات النفط بدلاً من التركيز على القيمة الاسمية له. باختصار، هدفهم هو تحسين القوة الشرائية للنفط.
هل سيؤدي تخفيض الإنتاج إلى تحسين القوة الشرائية للنفط؟ لا، لن يؤدي إلى ذلك، و ذلك للأسباب التالية:
* سيرفع ارتفاع أسعار النفط الفوائض المالية لدى دول "أوبك". بما أنه ليس من الحكمة الاحتفاظ بكل هذه العوائد في استثمارات دولارية بسبب انخفاض الدولار، فإن الدول النفطية، في محاولة للحفاظ على القيمة الحقيقية لاستثماراتها، ستقوم بتحويل جزء من دولاراتها إلى عملات أخرى، الأمر الذي يسهم في استمرار الدولار بالانخفاض. هذا الانخفاض سيسهم في تخفيض القوة الشرائية لصادرات النفط، و بالتالي إلى مزيد من التخفيض في الإنتاج، وهكذا. هل تستطيع "أوبك" الاستمرار بالتخفيض لهذا السبب؟ باختصار، هناك تعارض بين سياسة رفع أسعار النفط للحفاظ على القوة الشرائية للنفط و سياسة تحويل الاحتياطيات الدولارية إلى عملات أخرى.
* إن استمرار القيمة الاسمية للنفط بالارتفاع ، وتوقع استمرار الدول النفطية بتغيير احتياطياتها من دولار إلى عملات أخرى، وتوقع استمرار انخفاض الدولار سيسهم في استمرار أسعار النفط المستقبلية في مستويات أعلى من الفورية، سيجعل الاستثمار في بناء المخزون التجاري مربحاً. هذه العملية ستسهم في زيادة مستويات المخزون التي تمت مناقشتها سابقاً، وهذا عكس ما تريده "أوبك".

* سيؤدي تخفيض الإنتاج إلى رفع أسعار النفط. هذا الارتفاع سيزيد العجز في الميزان التجاري الأمريكي، الأمر الذي يسهم في استمرار الدولار بالانخفاض، و بالتالي استمرار القوة الشرائية للنفط بالانخفاض، وهذا عكس ما تريده "أوبك".

* لن يؤثر ارتفاع أسعار النفط الناتج عن تخفيض "أوبك" للإنتاج على الدول الأوروبية و الآسيوية بسبب ارتفاع عملاتها مقابل الدولار. هذا يعني أن تكاليف السلع و الخدمات لن تتأثر في هذه الدول بارتفاع أسعار النفط، بينما ستتأثر أسعار السلع و الخدمات في الولايات المتحدة. هذا الفرق سيعطي الدول الأوروبية و الآسيوية ميزة تنافسية إضافية تسهم في تحسين عملاتها على حساب الدولار. هذا يعني أيضاً انخفاض القوة الشرائية لصادرات النفط، وانخفاض قيمة احتياطيات الدولار، وهذا عكس ما تريده "أوبك".

3- النمو الاقتصادي في الدول المستهلكة
سوغ بعض وزراء "أوبك" ضرورة تخفيض الإنتاج بتباطؤ النمو الاقتصادي في الدول المستهلكة، الأمر الذي سيخفض أسعار النفط، خاصة في الربع الثاني. إن آخر ما تريده "أوبك" هو إضعاف اقتصاديات هذه الدول، لذلك فإن تخفيض الإنتاج يتنافى مع مصلحة "أوبك". قد تكون المشكلة أبسط إذا كان تأثير ارتفاع أسعار النفط نفسه في كل الدول. إلا أن المشكلة أعقد من ذلك لأن تأثيره على الاقتصاد الأمريكي قد يكون أكبر من غيره، مما يعزز استمرار الدولار بالانخفاض كما ذكر سابقاً، وهذا أمر لا تريده "أوبك" أيضاً.

4- ارتفاع إنتاج دول خارج "أوبك"
قد تكون هذه النقطة هي الأكثر خلافاً بين الخبراء. فـ "أوبك" تتوقع زيادة إنتاج دول خارج "أوبك" بمقدار 1.8 مليون برميل يومياً بحلول الربع الثاني من العام المقبل، بينما يرى بعض الخبراء أن هذا الرقم مبالغ فيه. و يبلغ متوسط الفرق بين تقديرات "أوبك" و تقديرات الخبراء أكثر من مليون برميل يومياً. فإذا صحت تقديرات "أوبك"، فإن أسعار النفط ستبقى في مستوياتها الحالية. أما إذا صحت توقعات الخبراء فإن أسعار النفط سترتفع بشكل ملحوظ، و ستضطر "أوبك"، كما اضطرت في الماضي، إلى زيادة الإنتاج. المشكلة في هذا الخلاف أنه سيعطي بعض الدول سبباً لتجاوز حصتها الإنتاجية وتجاهل قرارات "أوبك"، الأمر الذي سيخفف من فعالية التخفيض، ويمنع "أوبك" من تحقيق أهدافها.
الخلاصة
قد يكون الاجتماع اليوم هو الأهم ضمن اجتماعات السنوات الثلاث الأخيرة لأنه سيختبر وحدة "أوبك" و تضامنها و مدى التزام أعضائها بقرارات المنظمة. إذا قررت "أوبك" تخفيض الإنتاج فإن هذا القرار، حتى لو طبق فعليا، قد يتعارض في النهاية مع مصلحة "أوبك"، وقد لا يسهم في تخفيض المخزون. إن استمرار الدولار بالانخفاض و اقتناع التجار بأن النمو في الطاقة الإنتاجية لن يتلاءم في النمو مع الطلب على النفط وسيسهم في استمرار وجود فرق بين الأسعار المستقبلية و الأسعار الحالية. هذا الفرق سيشجع المضاربين و المستثمرين على تخزين المزيد من النفط طالما أن هناك مكانا لتخزينه. إن أفضل سياسة حالياً، في ظل تضارب البيانات حول المخزون وتوقعات إنتاج دول خارج "أوبك"، هو إبقاء الإنتاج كما هو عليه، تماماً كما فعلت "أوبك" في اجتماع كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي، خاصة أن أغلب دول "أوبك" لن تخفض المزيد من إنتاجها إلا إذا كانت هناك أسباباًً فنية تجبرها على ذلك.
ختاما، إن مشكلة "أوبك" الآن ليست انخفاض أسعار النفط أو ارتفاع مستويات المخزون، و إنما "الدولار الأمريكي"!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي