صعوبة التحول من دور الرائد إلى دور المدير قد تفشل المشروع الصغير
لقد كتب الكثير عن المشاريع الصغيرة وعقدت المؤتمرات العلمية وأقيمت الندوات الفكرية حول هذا الموضوع المهم ونوقشت جميع جوانبه باستفاضة مع تركيز خاص على العوامل التي تؤدي إلى فشل هذا النمط من الأعمال. وتعقد الدول والحكومات آمالا واسعة على الأعمال الصغيرة وتنميتها باعتبارها أداة لحل مشكلة البطالة ووسيلة لخلق فرص العمل مقدمة الكثير من الدعم المالي والاستشاري والفني لأصحاب هذه المشاريع. إن واحدا من أسباب الفشل في المشاريع الصغيرة الريادية بعد نجاحها في بداية عمرها وتوسعها هو عدم قدرة المؤسس أو مالك المشروع على أن يتحول من رائد مبدع أقام مشروعا إلى مدير قادر على التخطيط والتنظيم والرقابة والقيادة بأصولها العلمية. ولو رجعنا إلى الكثير من الدراسات والبحوث التي ناقشت موضوع فشل الأعمال الصغيرة لوجدنا أن الأسباب الرئيسية تتمحور حول نقص الخبرات الإدارية. وعادة ما يحتل هذا السبب المراتب المتقدمة في قائمة أسباب الفشل في حالة كون المشاريع قد قطعت شوطا لا بأس به، أي أن الفشل حصل في مرحلة النمو والتوسع وليس في بداية حياة المشروع. إذن، لماذا تحصل هذه الحالة ويأتي الفشل بعد النجاح الأولي وزيادة حجم المشروع ونموه؟ للإجابة عن هذا السؤال نقول إن الريادة حالة مطلوبة لتأسيس العمل الصغير ونقصد بها المبادرة وجمع الموارد وحشدها بعد أن يكون الرائد قد اقتنص فكرة وهو مستعد لتحويلها إلى عمل أو سلعة أو خدمة، وهو بذلك مستعد بدرجة عالية لتحمل المخاطرة في سبيل ذلك. لكن بعد النجاح وبداية العمل ونجاحه لا بد من أن يكون صاحب العمل مديرا وليس رائدا فقط من خلال ممارسات محددة يقوم بها المديرون.. وهناك استراتيجيات ينصح بها ليتحول الرائد إلى مدير ناجح لكي يستمر في إدارة نمو المشروع وتعزيز نجاحه. وأولى هذه الاستراتيجيات هي اللجوء إلى تفويض جزء من الصلاحيات إلى آخرين يعملون معه، فالرائد عند إقامة المشروع يقوم بكل شيء بنفسه ويعمل ساعات طويلة لأن المال المستثمر هو ملكه أو هو من يتحمل مخاطرته. ولكن بعد التوسع فإنه ينصح أن يقوم هو بالأعمال التي لا يستطيع غيره القيام بها فقط. أما تلك التي يمكن أن ينجزها آخرون فيجب أن يتركها لهم. كذلك هناك سمة مهمة للرائد سبق أن أشرنا إليها وهي استعداده لتحمل المخاطرة وهذه سمة تدفعه أحيانا للمجازفة وعدم الاكتفاء بالمخاطرة المحسوبة، وهذا قد يصبح عبئا على الرائد إذا أصر على تحمل مخاطر أعمال قد تكون معرفته محدودة فيها ربما يغامر بالقيام بها من باب الاعتداد بالنفس والمجازفة.
إن إنجاز الأعمال المتعلقة بالجوانب الفنية للمنتجات كافة وضمان جودتها ومتابعة شؤون الحسابات والجوانب القانونية وأمور التجهيز وغيرها من قبل صاحب المشروع أو الرائد دون إتقان تام لبعضها قد يوقعه في مشاكل قانونية أو مالية، لذا فإنه من الأفضل أن يتعاقد مع أشخاص متخصصين في المجال الذي تعوزه فيه الخبرة الفنية الكافية. إن هذا الأمر لا يحل مشكلة نقص الخبرة الفنية فقط بل يساعد في توليد أفكار جديدة يمكن أن يثروا العمل فيها ويدخلوا تحسينات وتطوير لجوانب مهمة في العمل وأساليبه وإجراءاته. كذلك فإن من المهم تجنب التوظيف غير المحسوب والزائد عن الحاجة فقد يلجأ صاحب العمل الصغير إلى التعاقد مع عاملين قد لا تكون الحاجة ملحة لهم، وهذا يمثل عبئا ماليا، لذا فالرائد يجب أن تكون خبرته جيدة في مجال إدارة الموارد البشرية وحسن استغلالها حيث هناك أساليب متعددة للتوظيف يمكن أن تخدمه بفاعلية مثل العقود المؤقتة أو العقود بدوام جزئي أو غير ذلك. ومن الاستراتيجيات الأخرى المهمة إجراء التحليل الاستراتيجي SWOT الخاص بتحديد الفرص والتهديدات في البيئة الخارجية وكذلك نقاط الضعف والقوة في البيئة الداخلية، ويجب أن يجري هذا الأمر على مدار فترات منتظمة للتأكد من الموقف العام للمشروع الصغير ومسيرته. ويستحسن أن يشترك جميع العاملين في المشروع في إعداد هذا التحليل والتداول بشأن هذه الظروف الداخلية والخارجية. ويكون صاحب المشروع ماهرا في إدارة اللقاء ليحصل على أفضل الأفكار من العاملين معه فأفكاره كرائد مهمة ولكن أفكار الآخرين قد تكون حيوية له، لذا فمن حسن الإدارة الاستماع لآراء العاملين معه. إن تجاوز هذه الحالة والتقوقع في الحالة الريادية فقط قد يوقع المشروع وصاحبه في مشاكل لعدم قدرته على رؤية أو استقراء التهديدات أو عدم قدرته على اقتناص فرص خارجية لأنه مهتم بكل تفاصيل المشروع الدقيقة الداخلية ويهمل البعد الاستراتيجي للعمل. ومن الأمور المهمة التي يجب أن يلاحظها الرائد هو إشراك العاملين في النتائج الطيبة والأرباح التي تتحقق، فهي ثمرة جهود العاملين معه ومن الضروري مكافأتهم وضمان ولائهم المستمر وتحفيزهم على العطاء المتميز. ومن جانب آخر على الرائد أن يفهم بعض الجوانب المحاسبية المهمة وعدم التوسع والإفراط في المصروفات غير الضرورية فأحيانا يركز الرواد على مظاهر شكلية غير مهمة للمشروع الصغير مثل المكاتب الضخمة والسيارات الفارهة وغير ذلك من الأمور التي تتسبب في تكاليف عالية جدا ثؤثر في ميزانية المشروع الصغير.
ومن الآليات الأخرى المتبعة والمساعدة في تطوير مهمة الرائد إلى حسن إدارة هو ما يتعلق بالاهتمام بالزبائن ومتابعتهم والاستفادة من آرائهم ومقترحاتهم. إن الرواد أحيانا يفكرون أن مجرد القدرة على تحويل الأفكار المبدعة إلى أعمال أو سلع أو خدمات وحده كفيل بنجاح المشروع وتسويق منتجاته، حيث إن الحكم هو الزبون لأنه صاحب الحاجة التي يجب أن تشبع. إن التسويق فن إداري رفيع ويتطلب مهارات محددة قد لا يجيدها الرائد بما في ذلك الترويج والإعلان، فإذا أصر الرائد على تجاهل هذا الأمر تكون ريادته عبئا على المشروع. إن ضمان ولاء الزبائن واكتساب زبائن جدد هو فن إداري في جزء كبير منه ويمكن للرائد أن يستعين بجهات متخصصة في الترويج والإعلان ومتابعة الزبائن والعلاقات العامة للاستفادة من خبراتها في تطوير نمو المشروع. ومن الأمور الشائعة اعتماد الاستبيانات للاطلاع على آراء الزبائن واستخلاص أفكار مفيدة للمستقبل بالاعتماد على إجاباتهم، وغالبا ما طورت الشركات أعمالها ومنتجاتها مستأنسة بآراء ومقترحات زبائنها. إضافة لما تقدم فإن الاستفادة من الفرص في الأسواق العالمية التي قد تسنح عند نمو المشروع وتوسع أعماله أمر يحتاج إلى خبرة إدارية، حيث قد تشغل الجوانب الفنية الرائد عن متابعة الفرص التي تتاح في دول أخرى يمكن أن تحدث نقلة نوعية في قدرات وأرباح المشروع لو استغلت بشكل جيد. ومن المهم الإشارة أيضا لما للتغيير المستمر وتحسين المنتجات وإضافة نماذج جديدة لتشكيلة السلع أو الخدمات الموجودة من دور في ديمومة المشروع، فكثير من الرياديين توقفوا عن مواصلة الابتكار عند نجاح مشروعهم الأول واكتفوا بهذا النجاح دون دعمه بأفكار ومنتجات جديدة، وبالتالي فإن المنافسة وتقادم المنتج جعلا من المشروع عرضة للتعثر ثم الفشل. وأخيرا فإن الاستعانة بأفراد العائلة والمقربين يمكن أن يساعد في تفرغ الرائد أو صاحب المشروع لأمور الإدارة الرئيسية والتخطيط لنمو المشروع وتطويره. وخلاصة القول أن عملية الانتقال من حالة الريادة إلى الإدارة المحترفة يساعد في إدامة زخم المشروع وتوسعه وأن الريادة هي المحرك الرئيسي لانطلاق المشروع، في حين أن الإدارة هي الوقود الذي يديم حركة هذا المحرك وانطلاقه.