الأرز .. وجوانتانامو .. والمقاطعة

[email protected]

لا أعرف سر استخدام سلاح المقاطعة في مجتمعنا كأول الحلول التي تطرح, وما حدث من مناشدات ورسائل لمقاطعة المنتجات الدنماركية التي هاجمت الرسول الكريم محمدا, صلى الله عليه وسلم, إلا أقرب مثال لدينا, وهي إحدى وسائل التعبير الممكنة لدى الشعوب وأقل التكاليف أحيانا للتعبير عن الرفض أو الاحتجاج, ثم ما حدث من بابا الفاتيكان وما وصف به المسلمين, وتعالت أصوات الاحتجاج والرفض والمقاطعة, وآخرها ما سببه مسلسل محلي استهلك فنيا وأصبح لا معنى كثيرا له وهو "طاش ما طاش" ومناشدات ورسائل لمقاطعة المنتجات التي دعمت أو على فرضية الدعم له وركز على أرز أبو كأس دون غيره من المنتجات المعلن عنها في المسلسل نفسه, وتسارعت الرسائل للمقاطعة باعتبار هذا المسلسل تعدى أو استخف بمشاعر الإسلام وعاداتنا وتقاليد لدينا وفق وجهة نظر من كتب هذه الرسالة, وقد مررنا بمراحل مطالبات لمقاطعة المنتجات الأمريكية خلال غزو العراق, وأصبحت المقاطعة الاقتصادية لدينا لا تحتاج إلى أكثر من رسالة جوال وبثها للعشرات والعشرات للمئات حتى تصبح الرسالة وصلت للمجتمع ككل, وتسبب ما تسبب من أثر سلبي في المنتجات المستهدفة سواء كان تأثيرا كبيرا (كما حدث بالمنتجات الدنماركية) أو عديم التأثير كما حدث لمقاطعة المنتجات الأمريكية وغيرها.

هنا لست ضد المقاطعة في حال أنني تضررت سواء في ديني أو وطني أو شخصي, وهي ممارسة مستحقة وحق للجميع ولا يوجد أي إجبار على أي شيء لدينا, ولست ضد منهج المقاطعة كسلاح يستخدم في ظل أنني لا أملك القدرة على شيء آخر لكي يتم توصيل رسالة رفض واحتجاج وإيقاف الطرف الآخر عن ممارسته وتعديه أيا كان, لكن السؤال: من المحدد والموجه للمقاطعة الذي يفتي أن هذا ما يجب مقاطعته وهذا ما لا يجب؟! لأن الملاحظ هو سلوك فردي يتحول لجماعي وبيئة خصبة جدا لكي تنقاد وتسلك السلوك نفسه, والتبعية لدينا لا تحتاج إلا إلى رسالة جوال لكي أوجه السلوك الجمعي, هل ندرك خطورة ذلك مستقبلا؟ إنني أتفق مع المقاطعة متى وصلت لتمس عقيدتنا وديننا وبلادنا أو أي شيء لدينا, ولكن من المفوض الذي يوجه هذا المجتمع لكي نقاطع؟ مثلا أرز أبو كأس و"طاش ما طاش", ولست هنا بصدد الدفاع أو المحاماة عن أرز أبو كأس فلهم وسائلهم لتوضيح وجهة نظرهم ولا تربطني أي رابطه بهم, ولكن لماذا تم اختيار مقاطعة أرز أبو كأس وتداول الرسالة كالنار في الهشيم, ذكرت الرسالة التي وصلتني وتحثني على نشرها أنها راعية لمسلسل أو برنامج "طاش ما طاش", ولكن هل كان أرز أبو كاس وحده المعلن في هذا المسلسل المستهلك؟! بل كانت هناك شركات أخرى وكبرى, ولكن تم الانتقاء لسبب عيد الفطر وزكاة الفطر؟ قد يكون, ولكن الشركة وضحت أن الإعلان لا يرعى المسلسل ولا تدعمه وليس لها علاقة, وأن الشركة بحثت عن فترة ذهبية للإعلان لا أكثر, إذا لدينا انتقاء للمقاطعة وأهداف وغيرها, ويختلط معها الجهد والاجتهاد الشخصي مع المنهجية العامة للمجتمع, ولم أجد شيخا من شيوخنا الأجلاء المعتد بهم قد أفتى بالمقاطعة إذن من يقوم بهذا النهج والسلوك ليكون صوت المجتمع كله برسالة جوال, الدلالات خطيرة والأبعاد المستقبلية سيئة إذا كنا سنرى مجتمعا يعطل كل فكره ورأيه وعلمه وقراره ويخضعها لرسالة جوال منفعلة ومتحمسة لا أكثر.
يجب أن تعاد صياغة منهجية المقاطعة بألا تصدر إلا من هيئة كبار العلماء, أو لجنة تختص بهذا السلوك, وأقدر صعوبة ذلك ولكن يجب ألا يكون المجتمع الذي تتنوع فيه القدرات التعليمية والفكرية بما لا يمكن له اتخاذ قرار, وهذا ذكرني بالانتخابات البلدية, إن أردنا المقاطعة الحقيقية يجب أن تكون موضوعية, وأعتقد أن الولايات المتحدة هي أول من تقاطع أن أردنا أن نكون منصفين, فماذا فعلت بالقرآن الكريم، كلام الله سبحانه وتعالى، في جوانتانامو ألم تضعه في المراحيض وتدنسه أسوأ تدنيس, وإهانة كاملة حتى استفسرت حكومة المملكة عما حدث؟ ألم يحدث من الأمريكيين في العراق من اغتصاب لبلد كامل ونسائه وسلب وقتل؟ ألم يحدث من الأمريكيين إهانة لكل مسلم بلا مبرر جوهري وحقيقي يحدث كما حدث للحميدان وسجن مؤبد؟ إذن لماذا هذا الانتقاء "لأرز أبو كاس" في مسلسل محللي, هل قاطعنا المنتجات الأمريكية ؟ لا طبعا, لماذا لأننا لا نستطيع ببساطة, هل سنستغني عن طائرات "بوينج" أو المنتجات الطبية من "جنرال إلكتريك" أو "السيارات الأمريكية" أو برنامج "ويندوز" أو " أدوية شركة لليلي إيلانكو الأمريكية", أو حتى السلاح الأمريكي أو الجامعات والكتب الأمريكية كم طالب وطالبة في الولايات المتحدة يتعلمون أرقى العلوم أم نقاطع المستشفيات الأمريكية التي يعالج فيها العلماء والمسؤولون والمواطنون, خاصة مستشفى البحرية الأمريكي.
في النهاية إن أردنا أن نقاطع أن تكون مقاطعتنا بمنهجية وأساسيات واضحة تخضع للعلماء لدينا وعلى أعلى المستويات, وبمشاركة حكومية والقطاع الخاص ويصدر بيان واضح لا لبس فيه, وتقدير كل الضرر المتوقع والأثر المستقبلي, من يريد أن يقاطع فهي واضحة المفترض مقاطعتها لا أن نظهر قوتنا ونفوذنا على أبناء هذا الوطن ونترك من لا نستطيع مقاطعته, لسبب بسيط أننا لا نستطيع, فكل ما يحدث ينتهي بأسرع من بدايته, في مجتمع تقوده رسالة جوال لا تتعدى 50 حرفا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي