الصحافة المهنية

[email protected]

مهنة المتاعب, صاحبة الجلالة, السلطة الرابعة .. إلخ من الأسماء التي توصف بها مهنة الصحافة. لن أتحدث عن أهمية الصحافة ودورها المحوري في مختلف مجالات الحياة, فهذا يعتبر إحدى المسلمات التي لا يختلف عليها اثنان. ولكنني من واقع متابعتي الدائمة ونقاشاتي المستمرة مع المهتمين والمتابعين, بل وحتى من واقع ما أقرأه من نقد وتحليل في الصحف والمجلات أو المواقع الإلكترونية أو ما أشاهده من مقابلات تلفزيونية أو إذاعية التي يستضاف فيها المتخصصون والنقاد, أشعر بأن هناك حالة من عدم الرضا تجاه الكثير ممن ينتسبون إلى تلك المهنة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا يتلخص في التالي:
هل يجوز لنا أن نصف العمل الإعلامي والصحافة على وجه الخصوص بأنها مهنة من لا مهنة له؟ ثم من الذي يحدد أو يمنح الحق لفلان أو علان ليعمل في الحقل الصحافي؟ بمعنى هل هناك معايير أو شروط يجب أن تتوافر في أولئك الأشخاص الذين يحق لهم ممارسة الصحافة؟
الجواب بطبيعة الحال ليس محددا وليس واضحا, فالأمر متروك لرغبة القائمين على المطبوعة فيها هذا الشخص أو ذاك وإرادتهم. وهنا تدخل المحسوبية و"الفزعة" وغيرهما من الأمور التي لا علاقة لها بالتأهيل والقدرة.
أعلم مثل غيري أن العمل الصحافي يحتاج إلى الموهبة قبل كل شيء ثم يأتي دور التسلح بالعلم والتخصص والثقافة. ولن أكون متشائما, كما هو الحال لدى البعض, عندما يتحدثون عن العاملين في حقل الصحافة ويصفونهم بأنهم مجرد معقبين ـ الحديث بالطبع عن صحافيي الميدان ـ ولكنني أقولها وبمرارة إنني أشعر بالكثير من الألم والأسف جراء الكثير من الممارسات التي يقوم بها بعض من يدعون أنهم صحافيون وهم في الواقع غير ذلك. قبل أيام قرأت مقالا لأحد الكتاب يتحدث فيه عن موقف حدث أثناء انتقال الإعلاميين من موقع ما في مدينة الرياض إلى قرية الجنادرية, ووصف الحافلة بأنها أشبه ما تكون بحافلة لنقل مشجعي أحد الأندية لحضور مباراة في كرة القدم, ومع تحفظي على هذا الوصف لأنني أقدر مشجعي كرة القدم, إلا أن وصف الموقف بهذا الشكل يستدعي التوقف وطرح السؤال المطروح سلفا: من الذي يحدد أو يمنح الحق لشخص ما للعمل في الصحافة؟ الإجابة ذكرت آنفا وربما تكون على طريقة المثل الشعبي الذي مفاده "من أمرك قال من نهاني".
أيها القارئ العزيز, في البلاد المتقدمة يمر الصحافي بالكثير من المراحل قبل أن يصل إلى مرحلة محرر ميداني وتلك المراحل كفيلة بالكشف عن مدى توافر الموهبة لديه وتزويده بالمهارات والخبرات والتجارب التي من شأنها منحه جواز مرور يؤهله للعمل الميداني, حيث يبحر هناك في ميادين العمل الصحافي الحقيقي التي لا مجال فيها للاجتهاد أو الاتكاء على أكتاف الآخرين.
أما لدينا وفي الغالب وليس الكل بالطبع, فإن الأمر مختلف تماما, إذ بمجرد أن يدلف صاحبنا أبواب مطبوعته فسيتحرك على الفور نحو العمل الميداني, ليس لأنه مؤهل وقادر على القيام بمهامه, كلا, وإنما لأنه لم يجد من يمنعه ويمسك بيده ليسلك الطريق الصحيح.
وهناك أتساءل ومثلي الكثيرون: أين دور هيئة الصحفيين في هذا الجانب, وما الذي ينبغي عليها أن تعمله؟ ولعلي أجدها فرصة هنا لأسوق مقترحا تتولى بموجبه كل من الجمعية السعودية للإعلام والاتصال وهيئة الصحفيين عقد دورات تأهيلية لراغبي ممارسة العمل الصحافي مع تأكيد أهمية تلك الدورات وتضمينها برامج تدريبية عالية المستوى, ومن ثم منحهم رخص عمل تؤهلهم لممارسة المهنة, وينبغي التشديد على عدم منح تلك الرخص إلا لمن هو مؤهل فعلا بشهادة الخبراء والمتخصصين ليكون ذلك بمثابة البوابة التي يمكن لزملاء المهنة الدخول من خلالها. وهنا يمكن الحد من دخول من هب ودب إلى بلاط صاحبة الجلالة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي