مستقبل أسعار النفط بين نظريتين: أسعار عالية أم منخفضة؟

<p><a href="mailto:[email protected]">a@aalhajji.com</a></p>

زيادة الاضطرابات السياسية في العالم
لا يكاد يمر أسبوع دون أن نسمع عن اضطرابات سياسية في دولة نفطية، سواء في نيجيريا، العراق، السودان، فنزويلا، كولومبيا، أو إيران. وتشير البيانات إلى أن هناك علاقة وطيدة بين أسعار النفط والأحداث السياسية. فإذا نظرنا إليها بشكل يومي فإن أسعار النفط ارتفعت مع كل حدث سياسي في الدول المنتجة ثم انخفضت مع تلاشي الحدث أو تأثيره. وإذا نظرنا إليها على المدى الطول نجد أن الارتفاعات الكبيرة في أسعار النفط ارتبطت بأحداث سياسية مثل المقاطعة النفطية في عام 1973، والثورة الإيرانية في عام 1979، والغزو العراقي للكويت، والغزو الأمريكي للعراق.
وتشير البيانات إلى أن أثر العوامل السياسية في أسعار النفط يقتصر على المدى القصير فقط حيث يزيد في ذبذبة هذه الأسعار. ولا تؤثر الأحداث السياسية في أسعار النفط على المدى الطويل إلا إذا نتج عن الأحداث السياسية انخفاض الطاقة الإنتاجية وانخفاض الصادرات النفطية بشكل كبير.

نظرية التغيرات الهيكلية
يرى أنصار هذه النظرية أن هناك خمسة تغيرات هيكلية تمنع أسعار النفط من الانخفاض إلى مستويات ما قبل عام 2004.
1. زيادة تجارة النفط العالمية إلى مستويات لم يشهدها العالم من قبل.
2. زيادة تركز الصادرات في عدد محدود من الدول. يعود هذا التركيز إلى سبببين: قرب نضوب النفط في بعض المناطق، وتحول بعض الدول، مثل الصين، من دول مصدرة للنفط إلى مستوردة له.
3. زيادة تهديد العمليات الإرهابية لإمدادات النفط العالمية وإدراك مختلف المجموعات السياسية المعارضة للحكم في الدول النفطية أهمية صادرات النفط في تقوية الحكومة، خاصة في العراق، كولومبيا، نيجيريا، وغيرها. هذا الإدراك أدى إلى زيادة عدد الهجمات على المنشآت النفطية.
4. التغير السياسي الكبير الذي تشهده أمريكا اللاتينية ووصول الأحزاب اليسارية إلى الحكم، الأمر الذي أثر في الاستثمارات الأجنبية في هذه البلاد، وأسهم في تخفيض إنتاجها من النفط والغاز. كما نتج عن هذا التغيير تهديد الحكومة الفنزويلية الدائم بوقف صادراتها إلى الولايات المتحدة.
5. زيادة تشدد النظام الإيراني في التعامل مع العديد من القضايا الدولية، الأمر الذي نتج عنه تهديد دائم لصادرات النفط الإيرانية والعراقية، وربما صادرات النفط من الخليج كله بسبب احتمال إغلاق إيران مضيق هرمز.

نظرية التغيرات الدورية
يرد أنصار هذه النظرية على ما سبق بأن أسعار النفط انخفضت في الفترات الأخيرة بأكثر من 18 دولارا للبرميل رغم وجود كل هذه التغيرات "الهيكلية"، وتهديد العمليات الإرهابية، واحتمال وقف الصادرات الفنزويلية والإيرانية والعراقية والنيجرية، فكيف يمكن تفسير هذا الانخفاض؟ إن الزيادة في تجارة النفط العالمية وزيادة تركز صادرات النفط في دول معينة لا يؤدي إلى ارتفاع دائم في الأسعار، وإنما يؤدي إلى زيادة "ذبذبة" الأسعار مع تزايد العوامل السياسية والعمليات الإرهابية، لذلك فإن الأسعار ستنخفض، ولكن ذبذبتها سترتفع.
يرى مؤيدو نظرية التغيرات الدورية أن التغيرات في أمريكا اللاتينية وغيرها، وزيادة سيطرة الحكومة في هذه البلاد على القطاع النفطي سيؤدي إلى استقرار إمدادات النفط على المدى الطويل لأنها ستؤدي إلى استقرار الوضع السياسي في هذه البلاد. فبعد الانفتاح الكبير الذي شهدته أمريكا اللاتينية في التسعينيات انهارت أغلب عملات هذه الدول وتدهور اقتصادها وزادت فجوة الدخل بشكل كبير. نتج عن ذلك نقمة شعبية عارمة هددت بنشوب حرب أهلية من جهة، وحروب بين دول أمريكا اللاتينية من جهة أخرى. هذه التطورات أدت إلى وصول الأحزاب اليسارية إلى الحكم نتيجة انتخابات ديمقراطية شهدت بنزاهتها الدول الغربية. إن قيام هذه الحكومات بالسيطرة على قطاع النفط وزيادة الضرائب على الشركات الأجنبية وزيادة الإنفاق على البنية التحتية وبرامج الإعانات خفف من حدة الغليان الشعبي وضمن استمرار صادرات النفط. ومع زيادة الاستقرار ستقوم هذه الدول بزيادة صادراتها تدريجيا لأنها بحاجة مستمرة إلى عائدات النفط.
إن نظرة سريعة للأحداث السياسية في السبعينيات توضح أن الوضع في ذلك الوقت كان أخطر بكثير من الوضع الحالي، خاصة أنه نتج عن تلك الأحداث انخفاض كبير في صادرات النفط العالمية بسبب المقاطعة النفطية في نهاية 1973 والثورة الإيرانية في بداية 1979، ومع ذلك انخفضت الأسعار فيما بعد إلى أقل من عشرة دولارات للبرميل.
أما مشكلة زيادة تركز صادرات النفط في دول معينة وزيادة اعتماد الدول المستهلكة عليها فإنها لا تعتبر خطراً يتطلب ارتفاع أسعار النفط بشكل دائم، خاصة أن نسبة اعتماد الدول المصدرة وموازناتها على صادرات النفط أكبر بكثير من نسبة اعتماد الدول المستهلكة على النفط المستورد. فنسبة اعتماد الولايات المتحدة على واردات النفط من فنزويلا نحو 17 في المائة، بينما تبلغ نسبة اعتماد فنزويلا على صادرات النفط إلى الولايات المتحدة أكثر من 60 في المائة، ويتجاوز اعتماد موازنة فنزويلا على إيرادات النفط 90 في المائة.
إن هناك مبالغة في إبراز خطر زيادة تركيز الصادرات في دول معينة وزيادة التجارة العالمية، ولكن هذه المبالغة مقصودة وتخدم مصالح فئات سياسية معينة. فالفئة التي تركز على هذه النقاط تتجاهل عمداً حقائق عدة منها:
1. تسيطر شركات النفط العالمية المملوكة من الدول المستهلكة على جزء كبير من تجارة النفط العالمية.
2. تقوم شركات النفط الغربية بالإنتاج والتنقيب عن النفط في أكثر من 100 دولة في العالم.
3. يتم نقل جزء كبير من النفط العالمي عبر أنابيب وناقلات مملوكة من شركات تملكها الدول المستهلكة.
4. شركات التأمين التي تؤمن على ناقلات النفط كلها غربية.
5. زيادة التجارة العالمية في السنوات الأخيرة نتجت عن الأعاصير في خليج المكسيك، وتغير القوانين البيئية في الولايات المتحدة، وتدهور إنتاج بريطانيا والنرويج في بحر الشمال.
6. بالرغم من زيادة إنتاج "أوبك" في السنوات الأخيرة إلا أن صادرات "أوبك" ما زالت أقل مما كانت عليه في السبعينيات، سواء كنسبة من الصادرات العالمية أو كرقم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي