اليوم الوطني وبعض المواقف السلبية
<a href="mailto:[email protected]">Alkhedheiri@hotmail.com</a>
لقد جاء احتفاؤنا باليوم الوطني للمملكة ونحن نحتفل بدخول شهر رمضان الكريم، هذا التزامن المبارك الذي جمع بينهما ثم هذا الجمع المبارك كان يوم إجازة مما جعل دخول الشهر يبدأ بيوم راحة واستقرار للصيام والقيام، إلا أن هناك وللأسف الشديد بعض التصرفات التي حدثت في يومنا الوطني وقبله جعلت البعض يتصرف بشكل مسيء للهدف المرجو من جعل اليوم الوطني يوم إجازة ومن ذلك تصرف بعض الشباب المسيء لمفهوم اليوم الوطني، والتصرف الآخر منع بعض العوائل أبناءهم وبناتهم من الذهاب يوم الأربعاء السابق لليوم الوطني حتى لا يشاركوا مدارسهم الاحتفال بهذا اليوم، والموقف الآخر الاعتقاد الخاطئ للبعض أن تقديم رمضان يوم السبت جاء بهدف مقصود حتى يُمنع الاحتفال باليوم الوطني.
لم يكن يقصد باليوم الوطني الإساءة إلى مستخدمي الطرق أو المحلات التجارية أو التعرض للعوائل في الشوارع بالمضايقة، أو افتعال الاحتفال الذي لا ينم عن المواطنة الصحيحة الحقة التي نعيشها جميعاً ونعمل من أجلها. لقد آلمني كثيراً بعض من المواقف التــي حدثت في يومنا الوطني والتي قد أُسيء فهم الهدف والرسالة التي سعى ولي الأمر يحفظه الله إلى تأكيدها، إن بعض مظاهر الاحتفال التي تجاوزت المقبول أو المعقول وعرضت الأنفس البريئة للخطر وأساءت التصرف في إبراز الفرحة باليوم الوطني، هذه المظاهر الشبابية التي جعلت العديد من الناس يؤكدون عدم قدرة بعض أفراد المجتمع السعودي على فهم رسالة اليوم الوطني والهدف من جعله يوم إجازة، لقد جاءت ردود الفعل من بعض الشباب بما يدل على عدم تقديرهم للهدف من التأكيد على اليوم الوطني. هذا التصرف الذي أحزن العديد من أبناء وبنات الوطن والمقيمين على أرضه لأن الأصل في الاحتفال باليوم الوطني هو إبراز الشكر والحمد لله سبحانه وتعالى أولاً على النعمة التي نعيشها في بلادنا الحبيبة, ثم الشكر لصاحب اليد البيضاء على توحيد هذا الكيان العظيم المغفور له بإذن الله الملك عبد العزيز طيب الله ثراه وتأكيد الجهد المبارك الذي بذله رجاله في جعل هذا الكيان السعودي على ما هو عليه اليوم. ثم إن إبراز حبنا لوطننا ليس من خلال الإساءة لمنجزاته أو بنائه وإنما من خلال الانتماء الصادق والولاء الحق بالعمل الجاد والدؤوب الضامن لبقاء ما نحن فيه من خير والعمل على تطوير ذلك حفاظاً لحقوق الأجيال المقبلة، ولعل من أهم ما يبرز احترامنا وحبنا وولاءنا لوطننا هو احترام أنظمته والعمل على تفعيلها في مختلف مناحي الحياة، وإعطاء النموذج السعودي العربي المسلم للعالم حتى يعلموا أننا عندما نحتفل بمثل هذا اليوم فإننا نحتفل بإنجاز عظيم ونعمل من خلال رؤية وطنية مستقبلية لخدمة وطننا وشعبه. لقد جاءت تلك التصرفات الخاطئة لتعطي من يحاول التقليل من أهمية هذا اليوم من جهة أو المعارض على جعله يوم إجازة من جهة أخرى الفرصة لـتأكيد مواقفهم وهو ما نرجو ألا نراه في مقبل أيامنا الوطنية بإذن الله.
الموقف المؤلم الآخر هو قيام بعض الأسر بمنع أبنائها من الجنسين من الذهاب إلى مدارسهم يوم الأربعاء السابق لليوم الوطني وذلك لمنعهم من المشاركة في الاحتفال باليوم الوطني على أساس أن هناك محظورات دينية أو لهو غير مباح أو غيره من الأسباب. هذا التصرف وإن كان قد صدر من بعضهم بحسن نية أو سوء فهم لهدف ومقصد اليوم الوطني جعل أبناءهم يشعرون بشيء من الإحراج مع زملائهم من جهة, ومن جهة أخرى فقدهم لفرحة الانتماء الوطني وإحساس العديد منهم أن في ذلك المنع نوع من الحرمان غير المبرر من أسرهم. لقد سمعت العديد من القصص من بعض الأطفال الذين حُرموا فرصة المشاركة وكيف أن ذلك الحرمان جعلهم يشعرون بشيء من الضيق والحرج والإحساس بالدونية أمام زملائهم الذين شاركوا في الاحتفال والاعتزاز بالوطن ديناً وأرضاً وشعباً وحكومة. مثل هذه التصرفات الأسرية مهما كانت مبرراتها, فإنها تصرفات خاطئة، لأن الاهتمام باليوم الوطني ليس اهتماما أجوف لتعظيم يوم بعينه ولكن لأن المرحلة الحالية تحتاج إلى إعادة النظر في تقويم انتمائنا الوطني وتعزيز ذلك في قلوب أبناء الوطن من الجنسين حتى نضمن معالجة الخلل والقلق التي تركته السنوات الماضية والصورة المغلوطة عن المجتمع السعودي وإحساس العديد من أبناء الوطن خصوصاً الشباب بالدونية وقلقهم من النظرة الخاطئة لبعض المجتمعات عن المجتمع السعودي المسلم. هذه النظرة التي تحتاج إلى تضافر الجهود لتعديلها ليس بهدف إرضاء الطرف الآخر فقط, ولكن لإعادة بناء الشخصية السعودية البناء السليم من خلال الاعتراف ببعض الأخطاء التي حدثت في الماضي وكيف يمكن إصلاحها خصوصاً إذا كنا نريد فعلاً أن نكون خير أُمة أُخرجت للناس. فلابد أن نحسن التعامل معهم ونحترم وطننا ومكتسباتنا، هذا الاحترام والحرص على الوطن لا يمكن أن يكون من دون التأكيد على حبه واحترامه والولاء له، وطن رايته تحمل رسالة التوحيد، ونظامه يعمل وفقاً لشريعة الله سبحانه وتعالى ثم هدي نبيه عليه الصلاة والسلام ومجتمعه أمة جمعها الله سبحانه وتعالى على ذلك. هذا التلاحم والاجتماع يتطلب المزيد من العمل وتعزيزه خصوصاً أننا نعيش في محيط مجتمعي من حولنا تتخطفهم الأحداث والمصائب وتتنازعهم الطائفية والعنصرية والمصالح الشخصية. هذه المجتمعات التي تتمنى ما نحن فيه من استقرار أمني ونمو اقتصادي، وأنا أجزم أن أي من تلك الأسر التي منعت أبناءها من المشاركة لا تتمنى أن تعيش ما تعيشه مثل تلك المجتمعات التي لا يأمن فيها الإنسان علـــى مالــــه أو عرضـــه أو نفسه، نرى فيها حجم القتل والاغتصاب والتدمير بسبب مواقف مثل هذه الأسر التي عززت النظرة القاصرة للانتماء الطائفي مقابل الانتماء الوطني. ولهذا أرجو منهم جميعاً محاسبة الذات والنظرة من خلال الرؤية الوطنية الأوسع التي تحترم الوطن ودينه وإنسانه، وألا نرى مثل هذا المنع في السنوات المقبلة.
الموقف المحزن الثالث هو إشارة البعض إلى أن جعل يوم السبت وهو اليوم الوطني أو ل أيام شهر رمضان القصد منه منع الاحتفالات بهذا اليوم، هذا الاعتقاد الخاطئ من البعض وإصرارهم على موقفهم هذا يوحي بسوء الاعتقاد بعلمائنا الأفاضل. ولقد ذهب بعض هؤلاء إلى الإشارة إلى أن موقفهم صحيح مستندين في ذلك إلى مبدأ أن دفع الضرر مقدم على جلب المصالح وبناء عليه فإن بعض العلماء أجازوا جعل السبت أول أيام رمضان حتى يمنعوا الاحتفال باليوم الوطني. ولهذا فإنني أقول لمن يعتقد ذلك إنك مخطئ، أولاً لأن قمة الفرحة والسعادة والاحتفال هو تزامنهما مع بعضهما في هذا اليوم المبارك وهذا ما يؤكد جمال وتكامل وكمال ديننا الإسلامي. وقد جاءت ثلاث مناسبات في مناسبة واحدة، أولهما أن السبت أول أيام رمضان المبارك، وثانيهما أن يوم السبت هو يوم إجازة وطنية، وثالثهما أن السبت مع أنه يوم إجازة لليهود لم يمنع ذلك من جعله يوم إجازة لنا، ويوم وطني لنا، وأول أيام شهر رمضان. وهذا يبرز عظمة الدين الإسلامي وبعده عن التعصب أو غيره، كما أن علماءنا الأفاضل، بارك الله في جهودهم وأعمالهم وأعمارهم يعلمون أهمية اليوم الوطني ووجوب الحرص عليه وإبراز الانتماء الإيجابي للوطن ولا يمكن أن يفكروا بمثل هذا المستوى البسيط والتصرف الساذج في مثل هذه المناسبة، ولهذا يجب أن نترفع عن مثل هذا الاعتقاد.
يجب أن نعرف جميعاً أن وطننا في حاجة ماسة لجهد أبنائه وبناته وأن العمل المقبل يتطلب تضافر الجهود والعمل المشترك لجعله وطنا نعتز به ويعتز بنا في عالم متصارع سواءً نحو النمو والتنمية والازدهار كما نراه في العديد من دول العالم أو متصارع نحو الحروب والفرقة والمصالح الشخصية لقيادات مرتزقة هدفها القضاء على كل فضيلة ودعم كل رذيلة حتى تبقى الأمور فوضى والناس لا قيادة لهم ولا انتماء ولا وطن. دعونا نعمل جميعاً من أجل وطن مستقر مزدهر لصالحنا وصالح الأجيال المقبلة.
والله من وراء القصد.
وقفة تأمل:
"لو كان في صخرة في البحر راسية
صماء ملمومة ملس نواحيها
رزق لعبد يراه الله لانفلقت
حتى يؤدي إليه كل ما فيها
أو كان تحت طباق السبع مطلبها
لسهل الله في المرقى مراقيها
حتى تؤدي الذي في اللوح خط له
إن هي أتته وإلا سوف يأتيها"