بعض معضلات تعريف الإرهاب

<a href="mailto:[email protected]">drashwan59@yahoo.com</a>

لعل العيب الأكبر في الكتابات والأحاديث والآراء والسياسات حول ظاهرة الإرهاب هو عدم البدء – أو على الأقل ليس البدء العلني - من جانب الباحث والمحلل الذي يسعى إلى تشريحها أو السياسي ورجل الأمن الذي يتخذ القرار العملي في مواجهتها، هو غياب أو غموض التعريف الدقيق بطبيعة وحقيقة الظاهرة التي يتحدث عنها أو يواجهها أو يحاول إصلاحها أو يحاول أن يغير منها كل من هؤلاء.
وليس هناك من شك أن هذا الغياب أو الغموض في التعريف يعود إلى إننا في مواجهة الإرهاب لا نكون بصدد ظاهرة فكرية ولا نتنافس في مباراة ذهنية حول تعريفها، فالحديث والمواجهة يدوران حول ظاهرة واقعية ذات أبعاد مركبة تتداخل وتتماس مع مصالح كثيرة لأطراف عديدة بعضها أطراف دولية وبعضها أطراف محلية، ذلك فضلاً عن الأطراف التي تقوم بممارسات الإرهاب نفسه ومنظومة مصالحها وأفكارها. وبالتالي فتعريف الإرهاب أو مواجهته ليسا مجرد محاضرة في جامعة ولا مقالاً منشوراً في مجلة دولية، بل هما في الأساس ممارسة عملية ومحاولة للخوض في الواقع العملي المليء بالتعقيدات والمصالح والتصورات المتعارضة، ومن هنا يأتي الاختلاف حول تعريف هذه الظاهرة ومن ثم تحليلها أو مواجهتها.
على تلك الأرضية الأولية الأوسع من غياب أو غموض تعريف الإرهاب المتفق عليه من الأطراف الرئيسية الساعية لتحليله وفهمه أو المنوط بها مواجهته تراكمت خلال العقود السابقة وبالأخص السنوات الخمس الأخيرة منها معضلات حقيقية ربما يكون بعضها قد أثر بصورة سلبية واضحة في إمكان الفهم والتحليل الصحيحين والمواجهة الفاعلة الناجزة. ومن تلك المعضلات عدم التحديد الدقيق لحجم ظاهرة الإرهاب من الناحية الواقعية سواء على الصعيد العالمي كله أو على الأصعدة الوطنية المختلفة في كل دولة على حدة. وفي ظل تلك المعضلة تجتاح العالم اليوم رؤية مصدرها الرئيسي هو الإدارة الأمريكية تقول إن الإرهاب قد أضحى اليوم هو التهديد الرئيسي إن لم يكن الوحيد لأمن العالم واستقراره سواء على الصعيد العالمي أو على الأصعدة الوطنية. وتعتمد تلك الرؤية أكثر ما تعتمد على غموض التعريف الأصلي للإرهاب وبالتالي إدخال عديد من صور العنف الأخرى بما فيها المشروعة منها مثل المقاومة الوطنية المسلحة ضمن الظاهرة الإرهابية الأمر الذي يروج لتلك المقولة. وتعتمد تلك الرؤية في الترويج لنفسها على الإمكانات السياسية والإعلامية الهائلة التي تمتلكها الدول التي تتبناها، وهي كلها دول غربية متقدمة على رأسها الولايات المتحدة، بما يؤدي إلى تغييب أي نقد حقيقي لها فضلاً عن إقصاء أي رؤى أخرى ترى عكس هذا الرأي حتى لو اعتمدت على مؤشرات واقعية كمية مثلما تفعل الرؤية الأولى.
وتمثل المعضلة الثانية المهمة في طبيعة الظاهرة الإرهابية من الناحية الواقعية والعملية التي تتم بها في مختلف مناطق العالم اليوم ومنذ سنوات طويلة مضت. فالسؤال السياسي والعلمي الذي يطرح نفسه بصورة ملحة طوال الوقت وبخاصة منذ هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 على نيويورك وواشنطن هو: هل نحن إزاء ظاهرة واحدة تسمى الإرهاب يمكن أن نجد لها أسباباً واحدة وتطوراً متشابهاً منذ أن قتل أحد ابني آدم أخاه؟ بمعنى آخر هل هناك شيء اسمه ظاهرة إرهابية متصلة المراحل ولا تختلف في جوهرها من مرحلة إلى أخرى بحيث نستطيع أن نملك رؤية واحدة لها ومن ثم سبيلاً واحداً لمواجهتها؟ الإجابة المختصرة – وربما المختزلة – لهذا السؤال هي: إن الإرهاب كغيره من الظواهر الاجتماعية، لم يكن قط ظاهرة واحدة، فهي ليست كلية ولا متصلة ولا مستمرة. بل أكثر من ذلك، والتحليل المدقق للظاهرة الإرهابية كأي ظاهرة تاريخية أو اجتماعية أخرى يكشف عن أنه بداخل الظاهرة الواحدة والتي قد تتخذ مراحلها المختلفة وأشكالها المختلفة خصائص مشتركة هناك دوماً مراحل نوعية متمايزة تكشف عن خط لنموها وتطورها يختلف كثيراً عما قد نظنه عند النظر إليها كظاهرة متصلة متجانسة والإقرار بهذه الحقيقة العلمية – الواقعية تترتب عليه من دون شك نتائج مختلفة تماماً في فهم ظاهرة الإرهاب وكذلك في السبل الأكثر فاعلية ونجاعة في مواجهتها.
المعضلة الثالثة في السياق نفسه ترتبط بفهم ظاهرة الإرهاب وتفسير أسبابها. وتبدو الملاحظة الرئيسة في هذا الإطار أن عديداً من الرؤى والتفسيرات لا تقف في معظم الأحيان على أرضية صلبة متماسكة من المعلومات المدققة حول طبيعة وتفاصيل الظاهرة الإرهابية، ولا تقوم على رغبة صادقة في الوصول إلى الحقيقة المجردة بعيداً عن الأهواء السياسية والأيديولوجية. وعلى ذلك العطب الرئيسي الذي يحول دون الفهم الحقيقي ومن ثم المواجهة الفاعلة للظاهرة الإرهابية تتناثر المدارس المختلفة في النظر لتلك الظاهرة والتي يركز كل منها على ما يعتقد أنه الجانب الأكثر أهمية وتأثيراً على ولادتها وتطورها. وبغض النظر عن تفاصيل رؤى كل من تلك المدارس، فإن معظمها - ونتيجة للعيبين الكبيرين السابقين - يقوم في تحليله أو مواجهته للظاهرة الإرهابية على رؤية مسبقة قبلية لها تتشكل من خليط من غياب المعلومات المدققة والهوى الأيديولوجي والمصالح المتداخلة مع الظاهرة اختلافاً أو اتفاقاً. وتكون النتيجة الحتمية لتلك الخصائص لمعظم مدارس الفهم والتفسير للظاهرة الإرهابية هي وقوعها في أخطاء فادحة تكون حصيلتها الأخيرة هي العجز عن الفهم الدقيق الأكثر صحة وواقعية ومن ثم الفشل الذريع في المواجهة الصحيحة والصحية، الأمر الذي ندفع ثمنه اليوم جميعنا بتزايد حجم ونوعية وتداعيات تلك الظاهرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي