الأقمار الصناعية (حرب النجوم 2/4)

في المقال السابق كنا قد ذكرنا أن الولايات المتحدة ستكتشف أن المنافع العسكرية التي يمكن كسبها من قواعد أسلحة فضائية تتجاوز ثمنيها السياسي والاقتصادي. فقد يعرضها هذا النظام إلى مخاطر اقتصادية وسياسية.
ذكر التقرير سالف الذكر أن قوات الولايات المتحدة ومنظمة حلف شمال الأطلسي الناتو, تستخدم وبصورة مكثفة أنظمة ذات قواعد فضائية تعتمد على تقنية الأقمار الصناعية. وتمثل حرب احتلال العراق مثالاً واقعياً على تطور مثل هذه الأنظمة, مما أتاح للطائرات العسكرية أن تقوم بمهامها بثلث تشكيلاتها وأن تستخدم عشر كمية وأعداد الذخيرة التي استهلكت في السنوات العشر السابقة إبان حرب الخليج. وقد تحقق ذلك الاقتصاد في الذخيرة (حسبما ورد في التقرير) نتيجة الزيادة العظيمة في الدقة التي توفرها أنظمة الأجهزة ذات القواعد الفضائية.
استخدامات الأقمار الصناعية في المجالات العسكرية:
تستخدم الأقمار الصناعية حالياً لكشف وتعريف وتحديد وتعقب الأهداف. كذلك توفر هذه الأقمار اتصالات متنقلة وآمنة بين مراكز القيادة والسيطرة العسكرية ومسارح العمليات، وترسل صورا تكاد تكون شبه فورية، وإشارات استخباراتية، ومعلومات عن حالات الجو. وبالطبع توفر مزايا نظام أقمار المواقع العالمي (جي بي إس) عدم ضياع القوات في خضم فوضى الحرب في الصحاري مترامية الأطراف أو في أوساط الغابات الكثيفة. ومع التقدم والتطور الهائلين في مجال تقنية الأقمار الصناعية، فقد طورت قدرة استخدامها والاعتماد عليها في المجالات العسكرية. فقد أورد التقرير وعلى لسان كبار المسؤولين في سلاح الجو الأمريكي أن أنظمة الفضاء أصبحت "متداخلةً" في كل القوات العسكرية للولايات المتحدة وحلفائها. وأكثر من ذلك، أن الاعتماد على الفضاء آخذ بالتزايد, فبحلول عام 2010 يتوقع خبراء الجيش الأمريكي أن يحتاجوا إلى ضعف القدرة الاستيعابية الفضائية الحالية. وعليه فإنه يجب تأسيس البنية التحتية في جميع المجالات. فقد يحتاج الجيش إلى عدد كبير من الصور اليومية والمطلوبة من أقمار التجسس الفضائية التي تحتاج إلى عرض نطاق كبير لنقلها عبر قنوات فضائية.
نظام متطور وهش في آن واحد:
ذكر التقرير الوارد في مجلة "الطيف" IEEE Spectrum أن استغلال الفضاء (ودون شك) قد ساعد الجيش الأمريكي على المحافظة على كونه كبرى القوى المحاربة تطوراً في العالم، لكنه في الوقت ذاته قد تكون هذه القوة هشة جداً إذا ما تعرضت أقمارها الصناعية وأنظمتها الفضائية الأخرى إلى هجوم، بل والأدهى من هذا، أن طريقة تعطيل أو تشويش هذه الآلات الثمينة والمعقدة في متناول أيدي بعض القوى المعادية, حتى لو كانت لا تتمتع بدرجة متقدمة من المعرفة التقنية.
المؤيدون لنظام حرب النجوم (نظام الفضاء لعمليات هجومية) من مخططي الجيش الأمريكي، التي يفضل الجيش أن يشير إليها كعرض قوة، جعلت بلادهم تقترب (وبسرعة) من مفترق طرق، إذ إن الفضاء كما يؤكد هؤلاء المخططون، سيبدأ ثورة في صناعة الحروب العالمية، تتمثل في قدرة أسلحة الفضاء الأمريكية على توجيه قوة مدمرة لأي بقعة في الكون خلال دقائق، ودون أية مجازفة أو تكلفة إرسال قوات إلى ذلك الموقع.
هيئة الفضاء برئاسة دونالد رامسفيلد تحث على خيار تسليح الفضاء:
وإدراكاً منها بتعاظم القيمة الاستراتيجية للفضاء، حثت هيئة الفضاء التي تشكلت بموجب مرسوم من الكونجرس في كانون الثاني (يناير) لعام 2001، التي يترأسها وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد، حثت الولايات المتحدة على الحفاظ على خيار تسليح الفضاء، وحددت ثلاث مهام محتملة لأسلحة الفضاء:
حماية الأنظمة الأمريكية الحالية الموجودة في الفضاء.
منع القوى المعادية من استخدام الفضاء وموجودات الفضاء.
هجوم فضائي إلى أي هدف على اليابسة، في البحر أو في الجو.
في السنوات الأربع التي أعلنت هيئة رامسفيلد فيها عن استخلاصاتها استمرت تقاريرها في توجيه صناع السياسة الأميركيين في هذا المجال. على سبيل المثال، حدد سلاح الجو الأميركي العام الماضي سلسلة من مبادرات أسلحة الفضاء كجزء من خطة تحويل الطيران الواردة في 176 صفحة. ومن بين الأسلحة الموصوفة توجد أسلحة الليزر الفضائية والأرضية، وصواريخ مضادة، وتصور لأجهزة إرسال تدور في الأفق ذات موجات تردد راديوية عالية قادرة على التشويش أو تعطيل الإلكترونيات. وقد وصف بيان صحافي رافق الإعلان عن التقرير في شباط (فبراير) 2004 بأنه "خريطة طريق نحو المستقبل".
سنحاول في المقالات المقبلة, إن شاء الله, استكمال التقرير ومناقشة حروب الفضاء من الناحية التقنية وفهم تطبيقاتها وآثارها الإيجابية والسالبة في المجتمع الدولي.

أستاذ الاتصالات وأمن المعلومات وأمين الجمعية السعودية لهندسة الاتصالات في جامعة الملك سعود
<p><a href="mailto:[email protected]">Prof.awad@alasmari.com</a></p>

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي