ذو العقل (مبوز) وذو الجهل مبسوط!
في كل نشرة أخبار يندر خبر الخير. وأكثر ما نسمع منها ونشاهد شر مستشر مثل (شب حريق راح ضحيته العشرات، وسقطت طائرة هلك جميع من فيها، وتصادم قطاران ولم يتم حصر الضحايا، وانفجرت عبوة ناسفة أهلكت المئات، وتم اغتيال فلان وتم اختطاف علان، وقام انقلاب هناك وقمعت ثورة "الجراك"، وشب قتال بين "الدافور والبابور"، وما زالت الحرب مستعرة بين "زيده وعبيده"، والحرب الأهلية تدخل عامها الثاني في "واق الواق"، والسحابة النووية تعبر الحدود بلا استئذان" وعصابة المافيا تسطو وتقتل وتغسل الأموال وتنظفها على البخار، وإعلان الأحكام العرفية في "قاف"، وحالة الطوارئ "في الشيطان الرجيم"، والتوتر يسود الحدود بين "الثعالب والقرود"...).
وتنتهي نشرة الأخبار بمثل هذه المواضيع يتلوها مذيع بصوت مرعب ووجه مكفهر.. وأغلبية المستمعين أو المشاهدين منفعلون بمثل هكذا أخبار مؤلمة تماما مثلما يتلذذ أكثرهم بمشاهدة المباريات الدامية في الملاكمة والمصارعة أو أفلام الرعب. وما دامت نشرات الأخبار أغلب محتوياتها أخبار أليمة، وما دام أغلب المستمعين والمشاهدين يتأثرون ويفضلون ويتلذذون بمثل هذه الأخبار والرأي والرأي الآخر.. وأكثر من رأي والاتجاهات المعاكسة والصراخ والصياح، فهذا دليل على التسلل الخفي للقوى الشيطانية في النفس الإنسانية عند هكذا مشاهدين ومستمعين... وإذا تركنا التلفاز بما يعرض من أخبار وملاكمات ومصارعات وأفلام رعب ومسلسلات عنف وتركنا عشاق تلك البرامج... واتجهنا إلى القراء الأعزاء لنرى نفوسهم وما تهوى من المواضيع المقروءة وجدنا بصمات شيطانية تظهر هنا وهناك (والمشاهدة في الإنترنت والتلفاز والبلوتوث) فنجد المواضيع المحبوبة عند أكثرهم هي مواضيع: الجنس.. والفضائح، كما أن المواضيع المطلوبة عند بعض عقلاء القراء هي مواضيع النقد الجارح والذي يسمى الأشياء بأسمائها ويبتعد عن الرموز... ولا يعجبهم (نص مادح) ولو كان في محله، مثلما تعجبهم قصيدة ذم ولو كانت ظالمة.. ولكي تكسب إعجاب أكثر القراء لا بد من دغدغة نفوسهم بما تميل إليه مثل النقد اللاذع البذيء.. والجنس المكشوف.. وأخبار الفضائح، وهنا الهوى عند القراء دليل آخر على تسلل آخر للقوى الشيطانية في النفس الإنسانية.
وهناك انتصار آخر للقوى الشيطانية في (نفوس بعض الناس) الذين يتلذذون في مجالسهم الخاصة بالغيبة والنميمة وتشريح الغائب عرضا وقولا بما فيه وما ليس فيه وهم في غاية الاستمتاع والنشوة.
ما معنى هذا؟ معناه شر هنا وشر هناك وعندئذ (يرقص إبليس طربا) أما إذا تم اتفاق أو ساد عدل أو ألغيت حدود.. أو توقف قتال أو اختفت كوارث عندئذ (يتنغص إبليس). وهو الذي توعد أن "يحتنكن ذرية آدم ـ أي يجعلهم لبانة يمضغها من حنك إلى حنك.