مقالاتنا والترجمة الإسرائيلية
<a href="mailto:[email protected]">Hatoon-alfassi@columnist.com</a>
كان يفترض أن يكون جل مقالي حول 11 أيلول (سبتمبر) وتداعياته بعد مرور خمس سنوات، لاسيما وأنه تاريخ اليوم، لكن موضوعاً آخر ليس بعيد الصلة أجده أكثر إلحاحاً، لاسيما وأن 11 أيلول (سبتمبر) 2001 من وجهة نظري لم تترك أثراً كبيراً في المجتمع السعودي كما فعلت في الغرب، وأن ما كان له وقع 11 أيلول (سبتمبر) لدينا هو في الواقع 12 أيار (مايو) 2003 عندما وقعت أول تفجيرات في مدينة الرياض ووجدنا أنفسنا وجهاً إلى وجه مع أبنائنا، مرتكبي هذه الأعمال التي نطلق عليها إرهابية، وهذا موضوع آخر.
والموضوع الأكثر إلحاحاً بالنسبة إلي اليوم هو موقفنا من مسلمي الغرب بشكل عام ودورنا في تطرفهم أو تسامحهم والذي انعكس على تطرف بعضهم، وأشير بشكل خاص هنا إلى مسلمي بريطانيا الذين كتبت فيهم مقالين سابقين. وقد أوضحت في المقال الأول المعنون "مسلمو بريطانيا بين هويتين ومصلحتين" بتاريخ 15/8/2006 أن تطرف مسلمي بريطانيا يعزى إلى كثير من العنصرية البريطانية وإلى تهميش المجتمعات المسلمة المهاجرة من المستعمرات البريطانية السابقة والتي تعيش في بريطانيا اليوم، مع تفصيل بعض الممارسات البريطانية العنيفة التي شهدتها في التسعينيات في مدينة مانشستر. والمقال الثاني بعنوان "تطرف مسلمي الغرب ومسؤوليتنا" بتاريخ 21/8/2006 خصصته لشرح بعض مظاهر التطرف التي لم أجدها تتناسب مع الوعي الديني الناشئ لدى الأقلية المسلمة هناك والتي ترتبط كثيراً بالفتاوى الصادرة من لدنّا. وحتى هنا ليست هناك مشكلة. فكثير من التعليقات التي تلقيتها تشير إلى ممارسات شبيهة بتلك التي تجري في بريطانيا تجري كذلك في الولايات المتحدة الأمريكية وبقية المدن الأوروبية بدرجات مختلفة، متفقة على أن تيار التفسير الأحادي للدين هو الذي يتسيد الموقف هناك.
القضية التي جعلت من كتابة هذا المقال ملحة هي أن مقالي الثاني المخصص لمظاهر التطرف البريطانية والذي تناولت فيه نشاط عدد من الجمعيات الطلابية الإسلامية في مانشستر، تُرجم إلى الإنجليزية من قبل مركز أبحاث "إسرائيلي" متخصص في الدراسات الشرق أوسطية يدعى اختصاراً MEMRI، ولم أكن لأعرف ما أصل هذا الموقع الذي وجدت عدداً من المواقع الأجنبية التي تتناول مقالي سابق الذكر مع الإشارة إلى مصدرهم ورسائل تردني من مجموعة غير معروفة من القراء، لو لم يصلني توضيح من زوجي حول الموقع الأصلي لـ MEMRI. وقد تأسس هذا المركز الخاص بمتابعة ما ينشر في الإعلام العربي والفارسي والتركي منذ عام 1998 في واشنطن وصار أكثر فاعلية وأهمية بعد 2001 وتخصص في ترجمة ما ينشر حول الشرق الأوسط سياسياً أو فكرياً أو اقتصادياً مما يتصل بالإرهاب أو التطرف أو الإسلام أو العلاقات بالولايات المتحدة أو العلاقات العربية الإسرائيلية، وقام بتأسيسه ورئاسته جنرال متقاعد من الجيش الإسرائيلي يدعى ييغال كارمون عمل لسنوات طوال في فرع مخابرات الجيش الإسرائيلية، كما عمل مستشاراً لشامير ورابين لشؤون الإرهاب بعد تقاعده من الجيش، ويشاركه في مجلس الإدارة عدد من الباحثين، غالبيتهم من اليهود، والمختصين في الدراسات العربية واللغات الأخرى. ويتميز اتجاههم بأنه يميني يميل إلى العدو الإسرائيلي.
ولا أنكر أن ترجمتهم كانت دقيقة وجميلة، لكنهم، لا أدري إن كان عن عمد أو سهو، لم يترجموا مقالي الأول الذي يظهر الجانب المظلم من العنصرية البريطانية ويوضح صورة ما يجري بشكل موضوعي. كما أن ما أخذ يصلني من مراسلات أوضح لي نتيجة ظهور مقالي في هذا الموقع من قبل هذه الدار التي يقرأها قراء معينون، ربما من باب الصدفة، يتصيدون في الواقع الخبر المثير والذي يمكنهم من خلاله تحقيق مآرب أخرى. من تلك رسالة وردتني من مانشستر نفسها يطلب مني الكاتب أن أعطيه تفصيلات دقيقة حول ما كان يجري في خطب الجمعة التي ذكرت تحيزها للعرب والعربية ولتهميش النساء. كان ما كتبته يقع في دائرة خشيتي على مسلمي بريطانيا من التمادي في التشدد الذي لن يفيد مجتمعهم ولن يحافظ على دينهم إذ على العكس يجعل كثيرين ينفرون، وخشيتي من دعمنا لهذا الاتجاه. ولكن الكاتب البريطاني لا يبدو أنه حريص على هذا الجانب قدر ما أنه، كما يبدو، يحاول أن يجمع معلومات لتدين الجمعيات الإسلامية في بريطانيا ربما لإيقافها أو الحجر عليها، وهو آخر ما أصبو إليه.
إن ما تقوم به الجمعيات الإسلامية، لاسيما الطلابية في بريطانيا أعمال جليلة ولم يصلوا إلى إثبات وجودهم إلا بعد معاناة وعمل جاد وتنظيم متفان يشكرون عليه. ورسالتي كانت موجهة بالدرجة الأولى إلينا وإلى ما يؤدي إليه اجتهاد البعض من إيغار النفوس أو دفع الشباب إلى التشدد في أمور أباحها الإسلام أو على الأقل سكت عنها، وتعميمنا لفتاوى تنظر إلى الإسلام من زاوية واحدة وكأنها الوحيدة التي على حق مما يضيق على المسلمين في كل مكان. كنت أنتقد خطب الجمعة في مسجد الجامعة التي لم تكن تختلف عن خطبنا البعيدة عن الشأن العام والهم الخاص ففي حين أن هذا كان مسجداً مخصصاً لطلبة الجامعة كنا نجد أن الخطباء الوافد عدد منهم من البلدان العربية، ينتقد مسلمي بريطانيا لعدم إتقانهم العربية وكأن هذا هو حل مشاكل العنصرية والجهل والفقر والصحة وغيرها، وكأن العرب يمثلون المثال الذي يُحتذى في هذا الشأن، تاركين ما يتناول مشكلات المسلمين في بلاد الغرب نفسها وقضايا الاختلاف الثقافي والمحافظة على الهوية وعلى الدين دون التقوقع على الذات وفقدان جوهر الإسلام أو جوهر التفاعل الحضاري.
وفي المقابل كان مسلمو بريطانيا، وفي هذه الحال الطلبة المقيمون في مانشستر، يتفاعلون مع كافة القضايا العربية والإسلامية، وعلى رأسها تلك الأيام البوسنة وكوسوفا. وقد عرفت طالبات من الجمعية الإسلامية انضممن إلى قافلة إغاثة من طلبة وطالبات جامعة مانشستر لدعم البوسنيين وذهبن بمفردهن لمساعدة أخواتهن في البوسنة سواء بعلمهن أو بالنشاطات الإغاثية الأخرى، تاركات مثالاً مشرفاً للفتاة المسلمة ولو لم تتجاوز العشرين عاماً. وعندما بدأت كوسوفا تُستهدف أخذت مجموعات أخرى من الفتيات بالتجمع وطلب محاولة عمل شيء لأجل مسلميها فتعاونت معهن لأجل القيام بحملة لجمع التبرعات ورفع الوعي بالجرائم التي كانت تقع في كوسوفا ضد مسلميها، واشترك معنا في ذلك عدد من الشباب المسلم كذلك وقبلوا المشاركة تحت التنظيم النسائي لهذه الحملة التي كانت مشجعة جداً. كما كانوا يتفاعلون مع القضية الفلسطينية ومع مقاومة الحصار للعراق آنذاك، يسيرون في مسيرات سلمية ترفع لائحات إعطاء المسلمين حقوقهم ورفع الظلم عنهم. ويشتركون في كافة (السمنارات) التي أخذت تتوجه كثيراً نحو القضايا الإسلامية سواء الفكرية أو الاجتماعية أو السياسية بشكل فعال، في محاولة لمعرفة المزيد عن الأمة الشاسعة التي ينتمون إليها والتي أعطت هويتهم أبعاداً أوسع وأثرى.
لم أقصد من كتابة مقالي هذا أن أعبر عن خوفي من ترجمة إحدى مقالاتي التي أعني كل كلمة فيها. لاسيما ونحن مدركون أنه لم تعد هناك حدود تفصل بين أجزاء العالم وأن الكلمة يمكنها أن تصل مشرق الأرض ومغربها في ثوان، ولست مع الانغلاق والتمييز بين خطاب الداخل والخارج لعبثية هذا التقسيم في هذا الزمن المفتوح. ولكني أخشى من سوء الاستغلال لهذه الكلمة التي تعني شيئاً وتجير لتعني شيئاً آخر، أو أن تُخرج من سياقها لتخدم هدفاً معيناً. ففي هذه الحال ليس لدي سوى أن أستمر في الكتابة والتعبير وإيصال مزيد من الحروف التي تفسر ما أعنيه وأدافع بها عما أؤمن به.