سوق تمويل المشاريع الصغيرة جداً (1)

<a href="mailto:[email protected]">naila@sma.org.sa</a>

كان أول من بدأ ممارسة تمويل المشاريع الصغيرة بعض المنظمات غير الحكومية والمصارف، مثل مصرف جرامين Grameen Bank في بنجلادش مؤسسة وك- ريب K-Rep بكينيا، وبنك بروديم / بانكوصول Prodem/BancoSol ببوليفيا، وبنك بري يونت ديسا BRI-Unit Desa من إندونيسيا وعدة جهات أخرى في دول مختلفة.
وعقب هذه الممارسات والتجارب عرفت مؤسسات تمويل المشاريع الصغيرة تطورا سريعا خلال الثمانينيات والتسعينيات في آسيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا والشرق الأوسط وفي بعض الدول النامية.
وقد أظهرت هذه التجارب أن الكثير من المواطنين محرومون من الاستفادة من النظام المالي للدولة، ولكن يمكنهم أن يشكلوا سوقاً للخدمات المالية التي تلائم احتياجاتهم والتي هي في الوقت نفسه قابلة للاستمرار تجارياً. وقد أخذ تمويل المشاريع الصغيرة جداً موقعا متميزا كأداة للتخفيض من الفقر والحد من البطالة في إطار التنمية وأنعش آمالا لدى كل الممولين وأغلب حكومات العالم.
ويتيح تمويل المشاريع الصغيرة جداً توسيع وتعميق حدود القطاع المالي، وبالتالي تعبئة الموارد من أجل النمو.فاستُعملت مؤسسات تمويل المشاريع الصغيرة كوسائل فعالة جدا من أجل تقوية المجموعات ولنشر معلومات تتعلق بالصحة وبالأمية داخل السكان الفقراء وبحقوقهم.
كما أن الدراسات المنصبة على آثار تمويل المشاريع الصغيرة أبرزت تأثيره الإيجابي على مداخليهم، وعلى التشغيل، وعلى الإنتاجية، وعلى القدرة على تنظيم وتكوين الفقراء، كما تم بيان أثره في تربية الأطفال. إن تمكين الفقراء من تسهيلات أكيدة للتوفير المالي يساعد على ضبط الاستهلاك والتخفيف من حدة الفقر.
وحجم القروض للمشاريع الصغيرة جداً المقصودة هنا التي تراوح تقريباً بما يعادل خمسة آلاف إلى 200 ألف ريال حسب الجهة المانحة للقرض وشروطها، وهي عادةً ما تكون جهات أهلية غير ربحية أو حكومية في دول الشرق الأوسط. وبالطبع توجد دائماً البنوك التجارية التقليدية التي تقدم قروضا للمشاريع الصغيرة حسب حجم المشروع وحسب الجدارة المالية لطالب القرض والتي تعد شروطا لا تنطبق على الفقراء و لا الشباب أيضا الذين لا يملكون بعد الضمانات المادية والسمعة ولا الخبرة.
وبالنسبة للنساء هناك بالفعل عدد كبير من البرامج غير الربحية الناجحة في العالم لتمويل المشاريع الصغيرة استفادت منها النساء. فقد لوحظ أن النساء لسن فقط زبونات جيدات، يؤدين ما عليهن في الوقت ويحترمن شروط المشاركة، بل أيضاً لوحظ أن النساء يعدن استثمار جزء من الأرباح لإعانة العائلة الشيء الذي يعطي أثرا مباشرا على رفاهية العائلات الفقيرة.
ربما كان قطاع تمويل المشاريع الصغيرة يدور حول تقديم قروض صغيرة لنساء يدرن مشاريع صغيرة مثل بيع الفواكه والخضار عبر كشك صغير في الدول الأخرى، بينما في بلادنا يتركز في قدرة صاحبة المشروع على البيع وعادة ما تكون البضائع هي المنتجات اليدوية و كل ما تطلبه النساء من حولها من الجيران والأهل والأصدقاء.
وخلال السنوات الثلاث الأخيرة على المستوى الدولي لم يعد قطاع تمويل المشاريع الصغيرة جداً مقصورا على تقديم بضعة قروض صغيرة لربات أعمال يكافحن من أجل البقاء. فهذا القطاع بات الآن يضم ما يصل إلى عشرة آلاف مؤسسة للإقراض، تقوم بخدمة 50 مليون عميل على الأقل، وهذا القطاع بدأ يكتسب أهمية كبيرة بالنسبة لعالم المال.
فبعدما حقق قطاع تمويل المشاريع الصغيرة معدلات نمو تتراوح بين 20 في المائة و40 في المائة خلال العقد الماضي، بات هذا القطاع يضم الآن نحو عشرة آلاف دائن و50 مليون مستدين على الأقل. وتصل القروض المقدمة التي تبلغ قيمتها الإجمالية في المتوسط نحو 530 مليار دولار إلى ربات أعمال مكافحات في أرجاء العالم تُعد دخولهن متدنية إلى الحد الذي لا يسمح لهن بالحصول على قروض من البنوك التقليدية.
وفي عالم يعيش فيه نحو ثلاثة بلايين نسمة على دخل أقل من دولارين في اليوم، فإن قاعدة الفقراء غير المؤهلين للحصول على قروض من البنوك التقليدية لا يمكن لها إلا أن تنمو، وبمعدلات كبيرة، كما يقول العاملون في هذا القطاع. لذا بدأت تدخل البنوك التقليدية هذا القطاع.
ولم يقتصر دخول هذه السوق على البنوك الكبيرة مثل سيتي جروب ودويتشه بانك وكريديت سويس وأيه بي أن آمرو فحسب، بل إن السوق جذبت كذلك البنوك المحلية التجارية في البلدان النامية. وحددت قائمة بأكثر من 200 بنك محلي لتقديم القروض الفردية أو شركات ائتمان للمستهلكين تقدم قروضا للمشاريع الصغيرة في بلدان مثل مصر وجنوب إفريقيا والبرازيل.
قوة الدفع التي تحرك هذه المؤسسات هي المنافسة والتكنولوجيا التي تعد بجعل العمليات التجارية الصغيرة أكثر كفاءة من حيث الكلفة. إن معدلات السداد بالنسبة للقروض المقدّمة للفقراء، وهي غالبا ما تتراوح بين 97 في المائة و98 في المائة، فضلا عن المرونة المدهشة لهذه السوق، تضفي جاذبية على هذا القطاع. ويمكن للمنافسة المتنامية أن تخفض من معدلات الفائدة حيث يتبارى المزيد من اللاعبين من أجل الأعمال.
وقد يكون تمويل المشاريع الصغيرة عملية مكلفة للبنوك التقليدية بسبب كلفة المعاملات الصغيرة. والحل بالنسبة لهذا القطاع قد يكون هو أن تزيد مؤسسات هذا القطاع من كفاءتها ما يؤدي إلى تخفيض كلفة المعاملات، وينبغي أن يؤدي هذا بدوره إلى معدلات فائدة أقل.
وإضافة إلى التمويل، تقدم هذه المؤسسات للرأسمال الصغير المغامر برنامجا شاملا للمقترضين يشمل التدريب والمساعدة في إدارة الأعمال.
ولا شك أن تجارب الدول الأخرى و التجارب المحلية الوطنية هي بالفعل الطريقة الوحيدة لمعرفة ما نحتاج إليه فعلاً لوضع برامج صحيحة وجادة لتمويل المشاريع الصغيرة القادرة على تحسين الظروف المعيشية للطبقات الفقيرة وتنمية روح المبادرة والعمل والحد من البطالة.
ومواصفات مؤسسات تمويل المشاريع الصغيرة عديدة، وهذا موضوع مقال الأسبوع القادم إن شاء الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي