قيادة السيارة ومدارس تعليمها .. هل من مشكلة؟

بمجرد أن تخرج المرأة أو المرء من منزله حتى يواجه بعالم السيارات التي تحفه عن اليمين وعن الشمال في صراع مع الإشارات والزمن والطريق وبقية السيارات وكأن الجميع في حالة سباق مع الحياة أو الموت. وعالم السيارات المقصود به هنا هو في منطقة محددة من العالم، وهي السعودية، ربما في أي منطقة من مناطقها وإن كنت أقصد بالتحديد الرياض. ويبقى الإنسان امرأة أو رجلاً قابضاً على أنفاسه حتى يصل إلى وجهته وهو يحمد الله أن كُتبت له حياة ثانية. هذه هي الحال مع بعض المبالغة، ولكن عند الحديث بواقعية فإننا نحمد الله أن نصل إلى وجهتنا دون حوادث ودون أن يرتفع ضغط أو سكر مع حالة الغضب والتوتر التي تصيب الإنسان سواء كان خلف المقود أو في أي مقعد من مقاعد السيارة وهو أو هي ترى الأخلاق المرورية التي تميز القيادة السعودية ولا تشرّفها. والتي تقوم على الأنانية بكل صورها وأشكالها وتداعياتها، وقلة الذوق بكل صورها وأشكالها وتداعياتها. وأطلق ذلك على غالبية من يقود في شوارعنا نظراً لأن العديد من المغتربين أو الأجانب من يضيع في غابتنا من جهة أو يضطر إلى مجاراتنا من جهة أخرى من باب حب البقاء. وفي كل مرة أرى سيارة تحد من يمين أو تسقط من شمال أو تتجاوز بشكل غير عقلاني أو تقتحم بشكل مفاجئ من كتف الطريق، أو تدخل سريعاً على دوار فيه سائقون آخرون، أو تغمز بشارتيها الخلفيتين يمنة ويسرة في تحد واستهزاء بالاعتراض الذي قد نعبر عنه بإطلاق بوق السيارة، فأتساءل، أين تعلّم هؤلاء قيادة السيارات؟

ربما هذه هي المشكلة الرئيسة تضاف إلى الأسباب المعهودة من قلة حزم أجهزة المرور أو سوء تدبيرهم أو ضعف الأنظمة المرورية.. إلخ. إننا نعرف في الوعي الضمني أن هناك جهة واحدة تعلم قيادة السيارات في جميع أنحاء المملكة وهي شركة خاصة تدعى "دلة". فإلى أي حد تتحمل "دلة" مسؤولية القيادة السعودية المتهورة؟ سؤال مفتوح ولكنه يعود ويُقفل على "دلة" من جديد، مع فتح أسئلة جديدة متعددة منها، لماذا شركة واحدة؟ وكيف تُراقَب وكيف تُحاسَب وكيف تعلِّم وكيف تدرِّب وكيف تُخرّج وكيف تمنح الرخص؟ أسئلة مشروعة وبحاجة إلى إجابة.

وفق المعلومات المتافرة فإن هناك فرعين لـ "دلة أحدهما في جنوب الرياض والآخر في شمالها. ويبلغ عدد مدربي "دلة" 36 مدربا، نصفهم من الوافدين، ويدور التدريب في حدود المدرسة فحسب، وأحياناً يخرجون بالمتدرب إلى أحد الطرق السريعة، دون وجود أي إشارة على السيارة، ويعمل المدربون وفق منهج تضعه إدارة المرور في كل منطقة، ففي الرياض يتولى مرور الرياض هذا الأمر. وبرامجهم تتنوع حسب نوع السائقين. ويتضح من البرنامج أن هناك دروسا مخففة جدا ً لمن تلقى تدريباً من أبيه فيُعطى دروساً لمدة "ثلاث ساعات" فقط حول علامات الطرق لينجح في الاختبار النظري. بينما السائقون الأجانب ممن يحملون رخصا ًمن بلادهم يأخذون برنامجاً مكثفاً من ثلاثين ساعة. وهذا النظام يحمل مشكلتين، الأولى خاصة بصغار السن من قائدي السيارات الذين يُكتفى بتعريفهم بلوحات الطرق نظرياً، في حين أن حفظ هذه اللوحات لا معنى له إن لم يرتبط بالتطبيق. وثانياً الخاص بالأجانب، ويبدر إلى ذهني قائدو سيارات الأجرة الذين تنتشر الشكوى من سوء قيادتهم للسيارات، فنجد أنهم يحصلون على ساعات لا بأس بها من القيادة والتدريب، ولكن أي نوع من التدريب هو هذا الذي يخرج سائقين لا يعرفون شوارع الرياض ولا قوانينها المرورية ولا أنظمة القيادة العالمية ولا علامات الطرق؟

من الواضح أن إحدى المشكلات الرئيسة لهذه المدرسة، فضلا ًعن احتكارها غير المبرر والذي لا يجعل هناك فرصة للمنافسة ولتحسين الأداء، هي كون تدريبها يجري ضمن أسوار مغلقة فلا يدرك المتدرب حقيقة الطريق وطبيعته وأخطاره وأساليب التعامل مع الحالات الحرجة.. إلخ. ولا ندري عن درجة المحاباة أو الواسطة التي تدخل في الحصول على رخصة قيادة قبل إنهاء فترة التدريب الضرورية.

أذكر في مرحلة تعلم قيادة السيارة في بريطانيا أن القوانين كانت من التشديد على الحصول على الرخصة لدرجة المبالغة ربما، لكنها هي التي تضمن للمجتمع أن من يتخرج في هذه المدارس ويحمل هذه الرخصة هو أو هي إنسان مؤهل وكفء لتحمل مسؤولية سيارة إذا أسيء استخدامها قد تذهب بأرواح البشر. وأذكر صعوبة الاختبارات سواء النظرية أو العملية والتي امتدت لفترة طويلة، لا داعي لذكرها هنا، لكن على الرغم من غضبي احتساب الخطأ الواحد كخطأ كاف للرسوب وإعادة دفع الرسوم وانتظار موعد اختبار آخر، ثم أنظر إلى ما يحدث أمامي يومياً على طرقات وشوارع الرياض، أقول إنهم كانوا مصيبين، وإن التساهل في خطأ واحد يمكن أن يودي بحياة إنسان، ولا بد من التعامل مع هذه القوانين والأنظمة بجدية وبحزم.

كان الترسيب يقوم على مجرد إعطاء إشارة يمين أو يسار قبل النظر في المرآة، أو لمجرد عدم النظر في المرآة بين كل فترة وأخرى لملاحظة من خلفي من السيارات، أو لمجرد عدم الضغط على بوق السيارة عند خروج سيارة أمامي من مرآبها دون ملاحظتها إياي، أو لاستباقي الدخول إلى الدوار قبل اكتمال دورة السائقين فيه، أو عدم تشغيل الإشارة المناسبة للدخول إليه أو الخروج منه. حتى وضع السيارة وعدم أهليتها هو مدعاة للرسوب في مدارس قيادة بريطانيا ومراكز اختباراتها. وهذا بالطبع موضوع آخر مرتبط بنظام المرور الذي لا يسمح بقيادة سيارة غير مؤهلة لأن تسير في الطريق، مثل عدم عمل الأنوار الأمامية أو الخلفية أو أنوار الضباب أو مساحات السيارة أو إطارات السيارة، هذا فضلاً عن ضرورة نجاح مرورها من الفحص الدوري الذي يضمن سلامة باقي المركبات كذلك.

إن من خلال ما نراه من سوء القيادة السعودية وتهورها الذي يؤدي إلى أعلى أرقام الحوادث المرورية سنوياً عالمياً، فضلاً عن أعلى نسب الحوادث والإعاقات المترتبة نرى أننا بحاجة إلى وقفة محاسبة للمرور وكل أجهزته، محاسبة مفتوحة على الجمهور. ففي آخر إحصاء للجنة الوطنية للسلامة المرورية بلغ عدد الحوادث المرورية في العشر سنوات الممتدة بين عامي 1415-1424: 2.157.907 مليون حادث، و 289.980 ألف إصابة، و39.441 ألف حالة وفاة. ولا توضح الإحصائية نسبة الإصابات التي ترتب عليها إعاقات دائمة. وفي سنة واحدة (1424) بلغ عدد الإصابات 30.439 ألف إصابة و4.293 ألف وفاة.

إن هذه أرقام فلكية في سيرة الحوادث المرورية في أي بلد في العالم، لكن ما هي الإجراءات التي تطبق عندنا؟ إنها تعتبر لا شيء مقارنة بالمفروض، وكل الأنظمة المعتمدة في جميع أنحاء العالم تطبق لدينا بعد أن يُحصد مئات الآلاف من البشر ونخسر مئات الملايين، وأبرز مثال حزام الأمان الذي لم يطبق إلا في الألفية الثالثة وفقد بعد مرور خمس سنوات زخمه وحرص الناس عليه وعاد التهاون إليه. بينما لم يصل ربط الحزام إلى المقاعد الخلفية بعد ولا إلى إلزام الأطفال به أو إلزام جلوسهم في الخلف بعد أو منع استخدام الجوال أثناء القيادة أو احترام المشاة وحفظ حقوقهم.. إلخ.

إن موضوع قيادة السيارات لدينا وقوانينها وتعليمها تفتح أبواب أسئلة كثيرة كما ذكرت أعلاه لكن الفرصة كانت هنا للتعليق ربما على سؤال أو سؤالين، وسوف أترك ما تبقى لما بعد.

مؤرخة وكاتبة سعودية
<p><a href="mailto:[email protected]">Hatoon-alfassi@columnist.com</a></p>

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي