ثنائية النصر والهزيمة .. حسابات متداخلة ومخاطر محتملة

<a href="mailto:[email protected]">nsabhan@hotmail.com</a>

بعد إقرار وتطبيق ما سمي في القرار الدولي 1701 وقف الأعمال العدائية وليس وقف إطلاق النار بين المقاومة اللبنانية والعدو الإسرائيلي, وهي صيغة جديدة ملاحظ أن لها مضامين خطرة وحسابات سنأتي عليها فيما بعد. بعد هذا التوقف مباشرة أعلن طرفا المواجهة كلاهما أنه هو الذي انتصر, فالعدو الإسرائيلي من جهته قرر أنه حقق نصرا على حزب الله, وحزب الله أكد على لسان أمينه العام السيد حسن نصر الله أن المقاومة أنجزت نصرا تاريخيا واستراتيجيا على العدو. وهذا التجاذب في ادعاء النصر يوضح أن ثنائية النصر والهزيمة في هذه المواجهة التي سماها الجميع "المفتوحة" ثنائية متداخلة ومتشابكة بما يمكن القول إن كل طرف حقق نصرا في جانب وتلقى هزيمة وخسارة في جانب آخر, وفي ظل هذا التجاذب على خلفية نتائج المواجهة لا يمكن القطع بأن هناك نصرا كاملا قد تحقق لهذا الطرف وهزيمة ماحقة تعرض لها الآخر, وذلك لأن تحديدا دقيقا وواضحا لمعيار النصر والهزيمة هنا بالغ الصعوبة لتداخل ما هو عسكري بما هو سياسي في النتيجة المؤقتة لحرب أعتقد أنها لم تنته بعد. وبالرغم من ذلك لا يمكن إنكار أن العدو الإسرائيلي تلقى هزيمة عسكريا بالغة المهانة, ففي هذه المواجهة المفتوحة مُني العدو بخسائر بشرية وتم تدمير وإعطاب عشرات من دباباته وآلياته العسكرية وإصابة بارجتين في حصيلة غير مسبوقة على يد مقاتلي حزب الله الأشداء, كما وصفهم العدو نفسه, على الأقل من باب تبرير هزيمته العسكرية, إلا أن أكبر تأكيد على هذه الهزيمة هو أن القتال توقف دون أن يحقق العدو أيا من أهدافه العسكرية المعلنة عند بدء العدوان والمتمثلة في القضاء على قدرات حزب الله العسكرية واحتلال شريط حدودي حتى نهر الليطاني وإطلاق سراح جندييه الأسيرين دون شروط, وأخيرا عجزه عن إيقاف انهمار صواريخ المقاومة على مدن ومستوطنات شمال فلسطين المحتلة حتى آخر يوم في المواجهة, وهذه جميعها عناصر هزيمة عسكرية لا غبار عليها ولا جدال فيها قياسا بالقوة العسكرية التي يملكها العدو التي لم تنجح إلا في التدمير العشوائي والهمجي وارتكاب المجازر ضد المدنيين, كما حدث في بلدتي مروحين وقانا, وأكبر دليل عليها هذا اللغط الدائر في إسرائيل حول أداء الجيش وكفاءة قادته. في المقابل وإن كانت المقاومة قد حققت فعلا نصرا عسكريا على العدو الإسرائيلي, إلا أن حزب الله مني هو الآخر بخسائر سياسية ولوجستية لا تقل في وضوحها عن هزيمة العدو العسكرية, ولعل أبرز خسائره فقدانه حرية واستقلالية حضوره ووجوده في الجنوب اللبناني أولا بانتشار الجيش اللبناني المكثف في كامل الجنوب, الذي كان يعارضه الحزب طوال السنوات الماضية. وثانيا بقرار توسيع كم قوات الأمم المتحدة المعروفة باليونيفيل ونوعها لتصبح قوات دولية متعددة الجنسيات بمهام يبدو أنها أوسع بكثير من مهامها السابقة, التي يخشى من أن تشمل نزع أسلحة حزب الله, كما تريد وتلمح الولايات المتحدة, وهو ما أخر حتى الآن تحديد مهام هذه القوة الدولية, وبذلك يكون حزب الله قد خسر نتيجة لهذه المواجهة بعضا من أهم أوراقه التي ستحد من دوره المقاوم مما سيفقده بعضا من مساحة المناورة على الساحة السياسية اللبنانية والدولية, ومن ذلك نستطيع تفسير غموض ثنائية النصر والهزيمة في تلك المواجهة في أن العدو الصهيوني تلقى بالفعل هزيمة عسكرية هزت صورته التي بناها من هزائمه السابقة للجيوش العربية, بينما أصيب حزب الله بخسائر يمكن وصفها بالسياسية ستؤثر وبلا شك في مقومات حضوره المقاوم الذي برع فيه كثيرا وحقق من خلاله وجودا قويا على الساحات اللبنانية والعربية والدولية.
المشكلة التي سيواجهها حزب الله بعد القرار هي أن المواجهة ستستكمل في ساحة بعيدة عن مجاله وقدراته وتأثيره, ونقصد بذلك ساحة مجلس الأمن, وشواهد ذلك هي موافقة الولايات المتحدة أخيرا على إصدار قرار من مجلس الأمن بوقف الأعمال الحربية بعد تمنع صريح وعلني من وزيرة خارجيتها, وهو ما دفع البعض لتسميتها "حمالة الحطب" لدورها السلبي في استمرار الحرب أسابيع فاقت الأربعة بحجة أن الظروف غير مواتية لوقف إطلاق النار على الرغم من مشاهدة العالم أن العدون ركز على الحياة المدنية اللبنانية بعد عجزه الواضح عن شل قدرات المقاومة, إلا أنه وبعد أن بدأت إسرائيل تئن وتصدر منها أصوات تحذر من نتائج كارثية عليها وتزايد خسائرها العسكرية والمعنوية وعدم تحقيقها أي إنجاز عسكري مهم على حزب الله صدر قرار مجلس الأمن المنتظر ولكن بصيغة أقرب ما تكون إلى هدنة منها لقرار قاطع بوقف إطلاق نار سوف يحاسب من يخرقه. فالقرار, كما أشرنا, نص على وقف الأعمال العدائية, مما يعني ترك جميع الاحتمالات مفتوحة دون تقييدها بنص "وقف إطلاق النار" الملزم لكلا الطرفين, فواشنطن التي أجبرت على الموافقة تحت ضغط العجز العسكري الإسرائيلي من تحقيق أي إنجاز من ناحية وحجم الخسائر التي منيت بها إسرائيل من ناحية أخرى, وجدت أن المخرج لإنقاذ العدو الصهيوني من هزيمة عسكرية كاملة وانفضاحه على المستوى الدولي لفاشيته ونازيته التي برزت جلية في عدوانه وآثاره على لبنان, لعبت دورا في صياغة القرار 1701 بما جعله يوصف بالقرار الملغم بما يمكن من تعدد تفسير بنوده, ومنها عدم النص على وقف لإطلاق النار وتوسيع قوات اليونيفيل وتحويلها إلى قوات دولية مع عدم تحديد نوعية مهامها, وهو ما يعني ترك المجال مفتوحا للعدو لاستمراره في فرض حصار جوي وبحري بل وإعطاءه الفرصة لقيامه بعمليات عسكرية, كما فعل الأسبوع الماضي في بعلبك دون إدانة من هذا المجتمع الدولي ولا حتى ممثله لارسون الذي برع في تطبيق شعار لا أرى لا أسمع لا أتكلم. أما لغم القوات الدولية فهو في صلاحياتها التي تريد منها واشنطن أن تتضمن نزع أسلحة حزب الله أو على الأقل فرض حماية لـ "إسرائيل" من داخل الجنوب اللبناني, ومنها منع إطلاق أي صواريخ, وهو ما يجعل الوضع هشا, كما قال لارسون نفسه, وبما يشجع العدو بدافع من الولايات المتحدة وحمايتها على استفزاز صارخ لحزب الله يدفعه للرد, وعندها تدفع القوات الدولية للتدخل ليس ضد استفزازات العدو ولكن ضد رد حزب الله بما سيصور على أنه مواجهة مع الشرعية الدولية, وهنا تكمن المخاطر المحتملة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي