تحويلات الأجانب تشكل نزيفا لاقتصادات الخليج
<a href="mailto:[email protected]">jasim.husain@gmail.com</a>
تؤكد الإحصاءات المتوافرة أن الرعايا الأجانب الذين يعملون في دول مجلس التعاون الخليجي ما زالوا يرغبون في إرسال أموالهم لأوطانهم بدل استثمارها محليا على الرغم من حصولهم على مزايا متنوعة.
فقد جاء في تقرير لمركز الخليج للدراسات ومقره دبي في الإمارات أن العمال الأجانب يرسلون سنويا نحو 9 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي لاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي. وحسب صحيفة "غلف نيوز" الناطقة باللغة الإنجليزية والتي تصدر في دبي, فإن قيمة الأموال المرسلة تساوي 520 مليار دولار منذ عام 1975.
وحسب تقرير مركز الخليج للدراسات فإن الرعايا الأجانب يرسلون من دول المنطقة نحو 27 مليار دولار سنويا. المؤكد أن هذه الإحصائية متحفظة إلى أقصى حد ممكن بل ربما تساوي قيمة الأموال المرسلة من السعودية والإمارات مجتمعين فقط.
15 مليار دولار من السعودية
استنادا للبنك الدولي, فإن قيمة الأموال المرسلة من السعودية تحتل المرتبة الثانية في العالم مباشرة بعد الولايات المتحدة. ويعتقد أن أرسل العمال الأجانب إلى بلدانهم نحو 15 مليار دولار في المتوسط من السعودية سنويا في السنوات القليلة الماضية.
من جهة أخرى, أشارت دراسة أعدها مركز المعلومات التابع لغرفة تجارة وصناعة أبو ظبي إلى أن الأجانب العاملين في الإمارات قاموا بإرسال أكثر من عشرة مليارات و350 مليون دولار في عام 2004 فضلا عن 14 مليارا و300 مليون دولار في عام 2005. وتوقع المركز أن يرتفع الرقم إلى نحو 16 مليار دولار في العام الجاري.
وتتجه غالبية الأموال إلى دول واقعة في جنوب آسيا مثل الهند وتلك الواقعة في جنوب شرق آسيا مثل الفلبين. ويشير الكثير من الدراسات إلى أن بعض الدول الآسيوية تعتمد اعتمادا كبيرا على تحويلات عمالها من الخارج لغرض الحصول على العملة الصعبة. ويلاحظ أن بعض الدول الآسيوية تشجع مواطنيها المقيمين في الخارج على إرسال الأموال للداخل لأغراض الاستثمار الهند أو شراء منزل كما هو الحال مع الفلبين.
الأموال النقدية المغادرة
يعتقد أن القيمة الحقيقية للأموال المرسلة للخارج أكثر من الرقم الذي أشرنا إليه سلفا، حيث يقوم بعض الأجانب بأخذ أموال نقدية معهم. ليس من المشهور أن تطالب السلطات من المغادرين الإفصاح عن قيمة الأموال النقدية التي بحوزتهم عند المغادرة.
كما أن هناك مسألة قيام بعض الأجانب بإرسال أموال خارج الإطار المصرفي ربما تفاديا لدفع رسوم التحويل والفرق في شراء وبيع العملة. وهناك مزاعم مفادها أن أحد أسباب انتشار الجريمة (مثل حالات الانتحار) في أوساط بعض الأجانب مرتبط لحد ما بالالتزامات المالية المرتبطة بإرسال الأموال للخارج. المؤكد أيضا أن تجارة استصدار الحوالات وبيع وشراء القطع الأجنبي مربحة بدليل انتشارها في مدن دول مجلس التعاون, بل إن بعضها تعمل على مدار الأسبوع.
تشجيع الاستثمار المحلي
كما أسلفنا فإن المبلغ المرسل للخارج يعتبر كبيرا بالنسبة لاقتصادات دول المجلس. وللحد من هذه الظاهرة لا مناص من دعوة الأجانب لاستثمار جزء من أموالهم داخل دول المجلس. لذا فإننا نرى صواب منح المستثمرين الأجانب المزيد من فرص المتاجرة في أسواق الأسهم. بل الصواب هو منحهم مزايا تشمل فرص الشراء والبيع من دون قيود. ويلاحظ في هذا الصدد قيام السلطات السعودية في الآونة الأخيرة بمنح 800 ألف أجنبي فرصة التعامل في سوق الأوراق في المملكة. من جانبها تسمح البحرين للرعايا الأجانب فرصة شراء 49 في المائة في المجموع من أسهم الشركات المدرجة في البورصة.
كما أننا نؤيد منح الأجانب فرصة الاستثمار في العقارات. قد يقول قائل إن ذلك سوف يؤدي إلى ارتفاع أكثر لأسعار الأراضي وهو أمر لا يمكن المجادلة حوله. لكننا نرى أن مصلحة اقتصادات دول المجلس تقتضي بقاء المزيد من الأموال داخل البلاد حتى تساهم في تنشيط الدورة الاقتصادية.
صراحة فنحن أمام حلين اثنين أحلاهما مر فإما ترك النزيف الدامي للأموال تغادر البلاد وإما تقديم تنازلات فيما يخص السماح للأجانب بالمساهمة في امتلاك العقارات. وعلينا أن نعي بأن الاستثمارات في العقارات سوف تساهم في تطوير دول المنطقة بشكل عام، حيث يتم تشييد المباني والدور السكنية خلافا للأموال النقدية فإن العقارات سوف لن تغادر البلاد.
المؤكد أن القيم الاقتصادية لدول المجلس لا تسمح للسلطات بإلزام الأجانب على إبقاء جزء من أموالهم داخل البلاد لغرض الاستهلاك المحلي. بل إن حرية التصرف في الأموال أصبحت من المعايير وتعتبر من مميزات اقتصادات دول المجلس ونحن نؤيد الاستمرار في تبني هذه السياسة الاقتصادية.
ختاما لا بد من التأكيد أنه آن الأوان لدراسة موضوع خروج الأموال برمته, إذ إن تدفق الأموال للخارج يشكل نزيفا لاقتصادات دول المجلس. المطلوب هو التقليل الفعلي من الأموال المغادرة وليس وقفها ألبتة. ربما علينا فتح المزيد من الأدوات والقنوات الاستثمارية أمام العمال الأجانب لتشجيعهم على الاستثمار محليا.