محاولات لإبرام اتفاقية تجارة بين دول مجلس التعاون والصين
<a href="mailto:[email protected]">jasim.husain@gmail.com</a>
لم يتمكن مفاوضو كل من الصين من جهة ودول مجلس التعاون الخليجي من جهة أخرى حتى الآن من تحديد تاريخ معين للوصول إلى اتفاقية للتجارة الحرة. ولوحظ أن الاجتماع الأخير (وهو الثالث من نوعه) عقد في الصين في نهاية تموز (يوليو) الماضي بين المسؤولين الصينيين وخبراء من مجلس التعاون انتهى دون تحديد موعد للاجتماع المقبل. ويعود تاريخ أول اجتماع رسمي بين المسؤولين الصينيين ونظرائهم من مجلس التعاون لغرض إنشاء منطقة للتجارة بين الطرفين إلى منتصف عام 2004.
التركيز على السلع وليس الخدمات
وكانت تقارير صحافية قد ذكرت أن الصين تأمل في الوصول إلى اتفاقية للتجارة الحرة مع دول المجلس مع نهاية العام الجاري بخصوص السلع وليس الخدمات. المعروف أن الصين تتمتع بميزة تصدير السلع على وجه الخصوص. استنادا إلى المعلومات الرسمية الصينية بلغت قيمة الصادرات من السلع 763 مليار دولار في عام 2005. في المقابل لا تتوافر إحصاءات بخصوص تصدير السلع لكن المؤكد أن الاقتصاد الصيني لا يتمتع بميزة تنافسية في مجال الخدمات في الوقت الحاضر على أقل تقدير. تصدير الخدمات من الصفات التنافسية للولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي.
فوائد اقتصادية متبادلة
المؤكد أن من مصلحة دول المجلس إبرام اتفاقية للتجارة الحرة مع الصين حتى تتمكن من الوصول إلى السوق الصينية العملاقة وصعبة الاختراق. المعروف أن الصين تتمتع بفائض تجاري مع غالبية دول العالم نظرا لتركيزها على التصدير وليس الاستيراد. على سبيل المثال, بلغ العجز التجاري الأمريكي في عام 2005 نحو 800 مليار دولار تسببت الصين في ربع هذا العجز.
يعتبر الاقتصاد الصيني من الاقتصاديات الكبيرة في العالم بعد الولايات المتحدة واليابان وبعض الدول الأوروبية. حسب مجموعة الإكيونومست البريطانية تبلغ قيمة الناتج المحلي الإجمالي الصيني نحو 2224 مليار دولار. لا شك يعتبر هذا الرقم كبيرا بكل المقاييس خصوصا إذا علمنا أن حجم الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون مجتمعة يساوي ربع الاقتصاد الصيني.
يتفق الخبراء أن الاقتصاد الصيني يعتبر مميزا من حيث الأداء حيث تمكن من تحقيق نمو فاق 10 في المائة سنويا حقيقيا على مدى عدة سنوات متتالية. ولوحظ أن الاقتصاد الصيني ركز في السنوات الماضية على التصدير لكن يبدو أن الأمور قابلة للتغيير. حسب مجموعة الإكيونومست البريطانية من المتوقع أن يحقق الناتج المحلي الإجمالي للصين نموا حقيقيا قدره 10 في المائة في العام الجاري لكن بواسطة الاعتماد على الاستهلاك المحلي وتقليل الاعتماد على التصدير ما يعني أن الوقت مناسب للوصول للسوق الصينية الضخمة. بمعنى آخر, فإن الاقتصاد الصيني قد يستورد المزيد من السلع في المستقبل القريب. يذكر أن قيمة الواردات الصينية بلغت 660 مليا ر دولار في العام الماضي. حقيقة تشتهر الصين باستيراد المواد الخام لغرض استخدامها في عملية التصنيع في الدرجة الأولى.
بالنسبة للصين, فإن الاتفاقية سوف توفر لها فرص تعزيز تأمين احتياجاتها من مصادر الطاقة. الجدير ذكره, تعتبر الصين ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم مباشرة بعد الولايات المتحدة.
التبادل التجاري
حسب الإحصاءات الصينية بلغت قيمة التبادل التجاري بين الصين ودول مجلس التعاون 21 مليار دولار في النصف الأول من العام الجاري. ويمثل هذا الرقم نموا بنسبة 34 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2005. وقد ساهمت التجارة مع المملكة العربية السعودية بنحو عشرة مليارات دولار من مجموع التبادل التجاري الصيني - الخليجي. تستورد الصين في الدرجة الأولى مصادر الطاقة من دول الخليج مصل النفط والغاز. في المقابل تصدر الصين مختلف السلع المصنعة والمواد الاستهلاكية.
لا خلاف خليجيا
خلافا للاتفاقيات الثنائية التي أبرمتها البحرين وعمان مع الولايات المتحدة فإن المفاوضات التجارية الجماعية مع الصين لا تتعارض مع مبادئ الاتفاقيات الاقتصادية بين دول مجلس التعاون. المعروف أن دول المجلس ملتزمة في الوقت الحاضر بتطبيق تفاصيل الاتحاد الجمركي. فدول المجلس مطالبة باحترام مبدأ السياسة التجارية الموحدة المنصوص عليه في مشروع الاتحاد الجمركي (والذي دخل حيز التنفيذ في بداية عام 2003) ما يعني عدم منح أي تفضيل في التعامل مع الدول غير الأعضاء. بيد أنه وافقت كل من البحرين وعمان على انفراد على منح السلع والخدمات الأمريكية حرية الوصول إلى أسواقها في إطار اتفاقيات التجارة الحرة المبرمة مع الولايات المتحدة. أما الأمر مخالف مع مفاوضات التجارة الحرة مع الصين لأن كل الدول الست تشارك في المحادثات وسوف تطبق تفاصيل الاتفاقية في حال إبرامها. لا بد من التأكيد على أن أمريكا تتحاشى الدخول في مفاوضات مع التجمعات الإقليمية بحجة تباين مستويات الانفتاح الاقتصادي والتشريعات بين الدول الأعضاء في التكتلات الاقتصادية.
ختاما يبدو فعلا أننا نعيش في زمن اتفاقيات التجارة الحرة. وقد بات هذا الأمر واقعا ملموسا أكثر من أي وقت مضى على خلفية تعثر حصول تقدم في مفاوضات جولة الدوحة لتحرير التجارة العالمية بشكل جماعي.