(مَـنْ حــدَّرْ دلْــوه ارْتَــوى)

<a href="mailto:[email protected]">abubeid@binzagr.com.sa</a>

مراحل التفاوض لانضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية صاحبها محلياً قدر طيب من المتابعة الفكرية، والأخبار الصحافية والمقالات الإعلامية، موفرة إضافات معلوماتية متقطعة ومفيدة للمهتمين بالتغيرات الجوهرية في الكيانات الدولية، ومعرفة المكاسب القومية من الانضمام والأضرار المحتملة من الابتعاد عنها وطرق ووسائل التقييم الصحيح للمفارقات في القيم المحلية والارتباطات المترتبة على الانضمام والتوفيق المعرفي بين المفترض والواقع المنتظر، في غياب توافق مبيَّت وواضح عن المقاييس العلمية، والتجارب الجيدة والمقارنة المنطقية للأوضاع الاقتصادية المحلية في ضوء المتغيرات العالمية داخل وخارج مظلة المنظمة. الفريق التفاوضي السعودي الذي تم تشكيله في عام 1413هـ لاعتماد المملكة عضواً في المنظمة عام 1426هـ الموافق 2005م، وفقاً لتفصيلات مراحل التفاوض والنظم المعتمدة والمراسم الصادرة في بيانات مفصلة على موقع اللجنة الخاصة وموضحة التوجه الرسمي وما يتعلق بالفوائد المنتظرة للاقتصاد الوطني من الانضمام في مجالات الاستثمار الأجنبي والصادرات وتجارة الواردات والموارد البشرية والخدمات وحقوق الاختراع قام بها الجانب المفاوض السعودي، ووفقاً لقول مراقب حكومي مسؤول أنَّ الإنجـــــاز تم: (على قدر كبير من المسؤولية والحنكة بحيث لم يترك فرصة لمصلحة إلا اقتنصها، كما لم يدع للمتفاوضين مجالاً للنقاش في ثوابت المملكة التي لا يستطيع أحد المساس بها مثل الأشياء المحرمة شرعاً والتي كانت خارج مجال المناقشة من الأساس). الانفتاح الكبير المنتظر والازدهار الاقتصادي المتوقع في ضوء قول المراقب الحكومي المسؤول يحكمه (أنَّ المنظمة ذات قوانين ومبادئ وأنظمة عظيمة لا تقارن بأي حال من الأحوال، بغيرها من المنظمات العالمية الأخرى التي يحكمها قانون القوة وفرض السيطرة. الانضمام يصب في مصلحة المستهلك في الدرجة الأولى، وأنَّ أكبر مكسب ستجنيه المملكة منه إضافة على ذلك هو ترتيب بيت الاقتصاد السعودي لكل جوانبه). المنظمة وفقاً للاتفاقيات المعتمدة من الأعضاء بمثابة ناد يتوفر له الآلية الوحيدة لحسم منازعات الأعضاء المتفق عليها التجارية الدولية وتطبيق الدول الأعضاء التزاماتهم.
لمن يعتبر مدة التفاوض لانضمام المملكة طويلة، جدير القول إنَّ الطابع الغالب على أعمال المنظمة والأمور المتعلقة بها، تميزها عن غيرها من المنظمات طول مدد التفاوض والتفكير والتدبير في أمورها وأهدافها ووسائل وطرق تنفيذها. اقتراح قيامها كان نابعاً من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية ضمن اتفاقيات بريتان وودز مصاحبة للبنك الدولي وصندوق النقد بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. تعطـَّل قيامها لنصف قرن سببه اعتراض الكونجرس الأمريكي. بعد نصف قرن من الفكر والتفاوض خرجت المنظمة في صورة متطورة لمنظمة (الجات) لتعكس التغيرات في التجارة الدولية، ولتتولى متابعة تنفيذ فلسفة الولايات المتحدة الأمريكية مساعدة الدول النامية عن طريق ازدهار التجارة العالمية مع الاقتصاديات الصناعية الغربية بدلاً من برامج الدعم الدولي والمساعدات للحكومات، وتوفير العمل التفاوضي لإزالة العوائق والقيود على التجارة الدولية المتوارثة، حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، خاصة الدول الصناعية الغربية، وإلغاء وتخفيض الرسوم الجمركية والعوائق النوعية الداخلية، ورفع المساعدات المقدمة للزراعة في الدول الصناعية الأوروبية والأمريكية وتشجيع الاستثمارات في الدول الفقيرة والمتخلفة وتنسيق التبادل التجاري فيما بينها، لإصلاح توافق تحرير المصالح التجارية من القيود والمحفزات الدولية لخراب قائم من قيود متفردة ودعم متميز بين الأعضاء.
هيكلة المنظمة إداريا جيدة وقوانين حَكوْمتها واضحة ومنظمة وآلياتها في انضباط الأعضاء واضحة المعالم حتى تكون جديرة لإنجاح رسالتها، إذا استطاع الأعضاء كل في نطاق مسؤولياته تنسيق نظمهم وقوانينهم التجارية بما يتماشى مع أهداف المنظمة في توفير حقيقة حرية التجارة الدولية خاصة مقدار وفاء الدول الصناعية الغربية رفع القيود على مستوردات المنتجات الزراعية من الدول الفقيرة وإلغاء الرسوم الجمركية عما هي عليه في أوروبا، وإيقاف الإعانات والمساعدات المالية للزراعة والصناعة عما هي في الولايات المتحدة. تنظيمات الدول النامية الكبيرة من الهند إلى البرازيل وأستراليا أقرب إلى متطلبات المنظمة والدول الصناعية الغربية الرائدة، ومراجعة أوضاعها الحمائية تساعد الدول النامية قبول رفع القيود والرسوم على المنتجات الصناعية والسلع الزراعية من الدول الصناعية وبين بعضها البعض.
التفاوض على الإجراءات التنفيذية حول الأمور الجوهرية لتطوير (الجات) في اتجاه قيام المنظمة لتوفير حرية التجارة عالمياً كان في البداية مقتصراً بين السوق الأوروبية والولايات المتحدة دون توافق فيما بينهما لتعارض الأوضاع السياسية المحلية وطوبية أفكار حرية التجارة العالمية وفشلهم في تحقيق تقدم يذكر. تركيبة التفاوض توسعت بعد ذلك لتدخل فيها دول كبيرة مضافة للدول الصناعية الغربية وأهمها الهند والصين والبرازيل مما يصعـِّد من الصعوبات ويقلل من فرص نجاح التفاوض الذي شجعت والتزمت بنتائجه الولايات المتحدة بعد أحداث أيلول (سبتمبر) 2001م ضمن جولة الدوحة. المتابع لمجريات التفاوض حتى تعطلها لسلبيات مواقف الدول الصناعية الأمريكية والأوروبية انتهت بتقاعس الولايات المتحدة والسوق الأوروبية إقرار تطبيق أساسيات التفاهم لتحقيق حرية التجارة عالمياً ودون مواقف فاعلة من الدول النامية الكبيرة تجنب حدوث ما لا يحمد عقباه، لعدم استفادة بعضها من النجاح أو الفشل، حيث إنَّ الهند لا تِفـْرقْ معها بقاء الحماية الأوروبية على الزراعة ولا الدعم الأمريكي لها وتنظيماتها الاقتصادية الداخلية توفر قدراً طيباً لحماية صناعاتها الوطنية والإضرار بالأجنبي في تطبيق نظم داخلية خافية عالمياً، وأسواقها الواسعة وتعدادها السكاني كفيل بضمان تدفق الاستثمارات الأجنبية وتقدمها المعلوماتي التكنولوجي جاذب لمزاحمة شركات عالمية في نشاطات تخصص مساندة المعلومات المالية والإدارية من داخل اقتصادها للشركات الأمريكية والأوروبية حول العالم ودون انتظار مكاسب الاستفادة من توقيف العمل باتفاقيات الأفضلية لمستعرات سابقة.
المراقب الدولي الغربي لمجريات مفاوضات المنظمة منقسم على نفسه في تقييم المجريات للظروف والملابسات المعطلة للوصول إلى التوافق الذي يصون الغاية من قيام المنظمة والهدف النبيل من حماية الازدهار العالمي عن طريق توسيع التجارة العالمية ومساندة الدول الفقيرة والنامية تحقيق الازدهار التنموي وتوفير فرص العمل والاستثمار ورفع مستوياتها المعيشية عن طريق التجارة بدلاً من المساعدات والهبات العينية. الجانب المفاوض الأمريكي يرى أنَّ الأفضل والأحسن من المنظور الأمريكي عدم الاتفاق لتحقيق التجارة الدولية الصحيحة، من اتفاق ملزم لا يخدم مصالحهم وهم على عتبة انتخابات الرئاسة والكونجرس. واضح أنَّ صوت المعركة السياسية الداخلية الأمريكية يعلو على التزامات التجارة الدولية، حتى وهم على معرفة أنَّ فترة تخويل الرئيس الأمريكي التوقيع لما يتفقون عليه، دون الرجوع للكونجرس قريبة الانتهاء مما يفرض سرعة الإنجاز. الولايات المتحدة متمسكة بموقفها التفاوضي مع السوق الأوروبية حتى على حساب تعطيل إقرار المتطلبات الأساسية لتحقيق أهداف وغايات المنظمة في قيام التجارة الدولية خاصة أنَّ حكومة الولايات المتحدة قادرة على أن تحقق غاياتها التجارية الدولية من اتفاقات قائمة متعددة الأطراف مع دول كثيرة، وتوقيعها العديد من اتفاقيات التجارة الحرة مع دول شرق آسيا والشرق الأوسط وأمريكا الجنوبية وكندا.. إلخ، بما يجعل باب التفاهم والتحادث مع السوق الأوروبية المشتركة (موارب) لمبادرات جديدة من الاتحاد الأوروبي لتوافر البدائل المتماشية مع السيطرة السياسية الأحادية عالمياً، واحتمال (لحلحتها) مع الأيام المقبلة.
التفاوت بين الأقوال والأعمال في أسلوب تفاوض الاتحاد الأوروبي كبيرة، حيث إنه أيضاً، يعطي أوضاعه السياسية الداخلية وزناً كبيراً يفوق التطلعات المعلنة دفاعاً عن حرية التجارة الدولية ومساعدة الدول الفقيرة. الزراعة الأوروبية والأمريكية في إجمالي أقيامها للدخل القومي متدنية للغاية، ولا تصل إلى عدد أصابع اليد الواحدة من المائة، لكن ثقلها السياسي مهم عند صندوق الاقتراع للانتخابات. والحماس الذي أظهرته الولايات المتحدة وأوروبا في جولة الدوحة للاتفاق بين الأعضاء لحرية التجارة، تأثر في ذلك الوقت بأوضاع تجارية عالمية متعسـِّرة وأحوال سياسية متردية في ظل أحداث أيلول (سبتمبر) 2001م. اليوم ليس مثل البارحة عن الازدهار الاقتصادي الذي عليه الدول الصناعية وتحسن الأحوال الداخلية للدول النامية الكبيرة. الصين والهند والبرازيل تقلل من ضغوطها لتحرير التجارة الدولية وحماية الحقوق الفكرية، ناهيك عن كثرة الاتفاقات التجارية الفردية والمزدوجة والجماعية بين اقتصاديات دول شرق آسيا والصين.
مطالبات منظمة التجارة العالمية المالية لمخالفات ارتكبتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ببلايين الدولارات، مُعطلة الدفع والأداء. الكونجرس الأمريكي سبق أن أصدر قرارا يخوِّل الولايات المتحدة الانسحاب من المنظمة دون مطالبتها غرامات وتعويضات ولا التزامات مالية. المدير العام للمنظمة مفاوض أوروبي سابق ومخضرم (لمعرفة البير وغطاه)، وقادر على (بلع) السلبيات، وقابل لاحتواء مؤقت للمعطلات. دبلوماسية القطبين السيئة في ترتيب الأوراق لا تخفى عليه فداحة المعضلة، وواع لغياب توافر تفاهم بين القطبين لتقديم حلول مرحلية بموجبها تستطيع المنظمة رسم طرق ومنطلقات الضغط على الدول النامية لفتح أسواقها أمام الدول الصناعية بعد الاتفاق على تبادل للسلع الزراعية من الدول النامية والبضائع المصنعة من الغرب الصناعي.
كثير من دول العالم مراقبة تردي ظروف التفاوض بين القطبين ليتحقق الهدف الأساسي لأهمية استمرارية قيام المنظمة، متناولة جوانبه بحثاً وإيضاحاً. إضافة إلى أنَّ مفكريها في السر والجهر يتناولون تفصيل تحليلاته وتأثيرها سلباً وإيجاباً على اقتصادياتهم.
محلياً ما زلنا في ندواتنا التجارية والعلمية والمسؤولة وطروحاتنا الصحافية، نتناول غالباً، اجترار الجوانب التأسيسية للمنظمة وأهمية تمام انضمامنا وفقاً لشروطنا وتمشياً مع خصوصياتنا وثوابتنا اتجاه المنظمة التي وفقاً لرأي حكومي مسؤول: (هي الكيان الوحيد المختص بحسم المنازعات التجارية الدولية لالتزاماتها، والتنظيم الفريد المحكوم من الدول الأعضاء داخله، والتي تعتمد في قراراتها على الإجماع الكامل لاتخاذ أي قرار ومن حق أي دولة لا تجد في أي قرار مصلحة لها أن توقف تنفيذه). إذا قـُدِّر للمنظمة أن تتخطى مصاعب استمرار قيامها ووجدت الوسيلة لتوافق الكبار تحقيق الغاية الأساسية من قيامها. اقتصادنا الوطني مهم أن يعي حقيقة أنَّ الفائدة العظمى والمكسب الكبير يكونان للاقتصاد الوطني المنتسب للمنظمة والمدعوم بالمميزات المزاحمة لتحقيق اختراقات أسواق باقي الأعضاء لكونه القادر على توفير الخدمات التكنولوجية والتقنية والسلع والبضائع المصنعة والحرية الفكرية والموارد البشرية المدربة للاحتياجات القائمة، والمنتجات الزراعية الجيدة المزاحمة. النجاح الذي يسعى عضو المنظمة إلى تحقيقه في طريق حرية التجارة الدولية عن طريق اختراق سوق العضو الآخر المنفتح لاقتناء الخدمات والسلع المتوفرة والمشجع للاستثمارات الأجنبية التي تعني سلفاً قيام النشاط الصناعي والخدمي من داخل اقتصاد السوق الذي يحتاج إلى السلع والخدمات غير المتوفرة أساساً. التبادل في المصالح التجارية، بشفافية وعدالة بين جميع أعضاء المنظمة كفيل نظرياً تسوية التباين الحدي المباشر شريطة تصفية العوائق والامتيازات والمخانق.. إلخ. صافي الربح من العضوية لمن يفوز بموازين إيجابية للتجارة الدولية والمدفوعات مع باقي الأعضاء نتيجة توافر نسب مضافة إلى النشاطات الاقتصادية المختارة (للعبة) التجارة العالمية.
إذا هنالك ضرر على التجارة العالمية من تعطيل مؤقت للغة الكلام والتفاهم بين القوى الغربية الصناعية القوية إنتاجاً وإنتاجياً، والمتطورة معرفياً وتقنياً، فهل للاقتصاد السعودي المحلي من وقفة تقيم قواه الاقتصادية الوطنية الحالية محلياً، وبرامجه الإنمائية إنتاجياً ومعرفياً وتقنياً لنوازن بين الإنتاجية لإنتاج قدراتنا تصديراً ومواجهة احتياجاتنا المعيشية محلياً من جهة وبين حجم احتياجاتنا المعيشية لمنتجات صناعية وزراعية ومعرفية مستوردة ومصنوعة محليا من ملكية أجنبية تسعودت وتوطنت وفقاً لنظام الاستثمار السعودي، وقاضية على التكوينات الصناعية والزراعية والمعرفية المحلية الأقل مزاحمة. التنظيم الحكومي المنتظر صدروه لتعامل المملكة مع المنظمة وانشطتها، مهم ألا يحصر اهتمامه فقط في توفير الوسائل والأساليب لتطبيق الالتزامات النظامية الحكومية تجاه المنظمة لخوف من ضعف النظم التجارية القائمة وعفوية تنفيذها، وإلا سيكون مثل إقامة منشآت صناعية حديثة خارج الاقتصاد الوطني المحلي تجنباً للعوائق والمعطلات القائمة في داخل الاقتصاد الوطني. الانضمام إلى المنظمة لهدف زيادة ازدهار الاقتصاد السعودي، يستحسن أن تكون بدايته بتر (المرض) داخلياً. المعالجات التجميلية الخارجية لوجه (البقشة) أضعف من تقوية الهيكلية الاقتصادية الداخلية المحلية كاملة ومتوافقة مع فكر دعم تنظيم قائم محدود الفعالية، بدعم جديد من نظام مستحدث. تنظيمات التجارة الدولية المقترحة للاقتصاد الوطني السعودي، يجب ألا تفرَّغ من المحتوى التنموي للأقاليم والقطاعات، وأنْ تستهدف تقوية وتطوير الخبرات الوطنية وخاصة العمالة المدرَّبة لتكون التنظيمات المقترحة من الجهة الحكومية المعنية للجنة الخبراء في مجلس الوزراء خدمية بجانب كونها نظما وقوانين حاكمة. والله أعلم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي