تأملات في اتفاقية التجارة الحرة بين أمريكا وعُمان

<a href="mailto:[email protected]">jasim.husain@gmail.com</a>

تابعت تطورات مصادقة الكونجرس الأمريكي على اتفاقية التجارة من موقع الحدث حيث أقوم بزيارة بحثية للولايات المتحدة ومنها أكتب هذه السطور. المؤكد أن السلطات في عُمان قد تنفسوا الصعداء بعد أن وافق مجلس النواب على تمرير الاتفاقية بشق الأنفس. فبتاريخ 20 تموز (يوليو) الجاري صوت 221 نائبا لصالح الاتفاقية بينما عارضه 205 آخرون. بدوره وافق مجلس الشيوخ على الاتفاقية بتاريخ 29 حزيران (يونيو) بأغلبية 60 صوتا مقابل 34 صوتا معارضا. وعليه حظيت الاتفاقية على مصادقة مجلسي الشيوخ والنواب في الكونجرس.

مفاوضات سريعة
وكانت مفاوضات إنشاء منطقة للتجارة بين الولايات المتحدة وعُمان قد انطلقت في آذار (مارس) من عام 2005. وتمكن الطرفان من إنهاء المفاوضات في تشرين الأول (أكتوبر) من العام نفسه وعليه تم التوقيع على الاتفاقية في كانون الثاني (يناير) من العام الجاري (تلزم القوانين الأمريكية السماح للجمهور العام بإبداء ملاحظاتهم حول الاتفاقيات المبرمة لمدة ثلاثة أشهر حتى يتسنى لهم إيصال آرائهم إلى الجهات ذات الشأن). وذكر لي أحد مسؤولي مكتب الممثل التجاري الأمريكي أن بمقدور واشنطن إتمام صفقات التجارة الحرة بيسر مع الأطراف الأخرى التي لا ترغب في تصدير السلع الزراعية إلى الولايات المتحدة. بل على النقيض بمقدور الجانب الأمريكي زيادة صادراته الزراعية إلى السوق العُمانية. حال دخول الاتفاقية حيز التنفيذ, سوف يتم إلغاء التعرفة على 87 في المائة من السلع الزراعية الأمريكية إلى عُمان والباقي في غضون عشر سنوات. المعروف أن جماعات الضغط المؤيدة لحقوق المزارعين منتشرة بكثرة في واشنطن وتعمل على التأثير في سير المفاوضات التجارية سواء كانت ثنائية أو جماعية (يعتبر الإصرار الأمريكي على دعم القطاع الزراعي أحد الأسباب الرئيسية وراء تعثر مفاوضات جولة الدوحة لتحرير التجارة العالمية).
الجدير ذكره أن مكتب الممثل التجاري الأمريكي يتبع البيت الأبيض, الأمر الذي يعكس الأهمية التي توليها السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة لمسألة التجارة الدولية. لكن المطلوب من المكتب تنسيق مواقفه مع الأطراف ذات العلاقة قبل وأثناء وبعد الانتهاء من المفاوضات. وتشمل هذه الجهات وزارات الخارجية والتجارة والزراعة والكونجرس. من جهتها تعمل منظمات المجتمع المدني على التأثير في مواقف مجلسي الشيوخ والنواب ومن ثم الممثل التجاري.

صلاحية البيت الأبيض
حسب قانون الترويج التجاري المعمول به حاليا لا يحق للكونجرس إجراء أي تغييرات في الاتفاقيات الثنائية أو الجماعية المبرمة مع الأطراف الأخرى. كل المطلوب هو التصويت على الاتفاقيات كحزمة واحدة بنعم أو كلا. وكان الكونجرس قد منح الرئيس جورج بوش هذه الخاصية عام 2002 إلا أن هذه الصلاحية تنتهي في منتصف عام 2007. وكان مكتب الممثل التجاري قد استفاد من صلاحية القانون نفسه في إبرام اتفاقية للتجارة الحرة مع عدد من الدول العربية مثل الأردن والآسيوية مثل سنغافورة. ويبذل العاملون في مكتب الممثل التجاري على إنهاء أكبر قدر ممكن من الاتفاقيات الثنائية, وذلك في الفترة المتبقية من صلاحية قانون الترويج التجاري بدليل إجراء مفاوضات مع عدة أطراف دولية من بينها ماليزيا والبيرو.

قوانين العمل في عُمان
عودة إلى موضوع المقال, أثناء عملية مصادقة مجلس الشيوخ على الاتفاقية تبين وجود عدم ارتياح في أروقة الكونجرس من مسألة حقوق العمال في عُمان. وبدا من التصويت في مجلس الشيوخ ومناقشات منظمات المجتمع المدني أنه لا مناص للسلطات العُمانية من إجراء تغييرات في بعض القوانين, هذا إذا رغبوا في الحصول على تأييد مجلس النواب. وقد شدد عدد من السياسيين الديمقراطيين على وجه التحديد على ضرورة أن تطور عُمان قوانين العمل المعمول بها في البلاد وجعلها ملائمة مع معايير منظمة العمل الدولية. وكانت المفاجأة صدور مرسوم من السلطان قابوس بتاريخ 8 تموز (يوليو) (أي قبل أسابيع معدودة من التصويت في مجلس النواب) على قانون عمل متطور. يمنح القانون المعدل للعمال (بغض النظر عن جنسياتهم) حرية تشكيل نقابات على مستوى البلاد فضلا عن منحهم حق القيام بمظاهرات سلمية أو التوقف عن العمل, إضافة إلى زيادة الجزاءات المفروضة على المؤسسات التي تقوم بتوظيف الأحداث. وقد تم رفع قيمة مخالفة توظيف الأحداث أربع مرات لتصل إلى 500 ريال عُماني (نحو 1300 دولار) فضلا عن سجن لمدة شهر. وسوف تدخل جميع هذه التعديلات حيز التنفيذ في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) المقبل.

المؤكد أن عُمان وافقت على هذه التغييرات في اللحظة الأخيرة لضمان الحصول على تأييد الكونجرس ومن ثم حرية الوصول إلى أكبر سوق في العالم (تفوق قيمة الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي 12 ألف مليار دولار). أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة, تندرج الاتفاقية في إطار مشروع إقامة منظومة للتجارة الحرة في منطقة الشرق الأوسط بحلول عام 2013. في الوقت الحاضر ترتبط الولايات المتحدة باتفاقيات للتجارة مع ثلاث دول عربية أخرى هي: الأردن, المغرب, والبحرين. إذا فهناك مصلحة متبادلة بين أمريكا وعُمان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي