هل بات العرب غبارا بشريا ليكنسوا بهذه الطريقة؟

<a href="mailto:[email protected]">hsaleh_sa@yahoo.com</a>

الصور محزنة والصيحات موجعة والخسائر فادحة, فبيروت تهدم ومدن الجنوب تحترق والبقاع يشتعل والطرق تقطع والجسور تقتلع من مكانها وثلاجات الموتى تفيض بالقتلى والمستشفيات تكتظ بالجرحى والمصابين, والشوارع والحدائق تزدحم بالمهجرين من الأطفال والنساء, والقنابل العاقلة والمجنونة والموجهة والمنفلتة تدك مباني بيروت وكل شيء يتحرك في شوارعها والعالم لا يرى أن الوقت مناسب للبحث في وقف إطلاق النار. والعرب يستبشرون بأن كل شيء قد دمر في لبنان ولم تعد هناك من أهداف قد تغري إسرائيل لإرسال المزيد من طائراتها المحملة بالقنابل المدمرة والصواريخ الفتاكة, ولعل هذا يمهد لمفاوضات قد تقنع إسرائيل بالكف عن هذا التدمير للأرض والإنسان وهذا القتل العشوائي الذي لا يستثني المرأة الهاربة ولا الطفل المختبئ ولا الكبير العاجز عن النزوح إلى مكان آمن. أما دول العالم فهي غير مكترثة بما يحدث في لبنان لأنها مشغولة بقضية الجنديين الإسرائيليين ومهتمة بالتعاطف مع السكان المدنيين في مدن حيفا وطبريا والمستعمرات الشمالية, لأنهم المساكين ضاقوا بالبقاء في الملاجئ كل هذه المدة الطويلة, التي لم يسبق أن مروا بتجربة مثلها.
لعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن هذه الحرب التي تشنها إسرائيل على لبنان جعلتنا كعرب نشعر بالمهانة والغضب, فهل يعقل أن قتلانا من الرجال والنساء والأطفال والكبار وهذا العدد الكبير من الجرحى والمصابين وكل هذا الدمار والخراب الذي أوقعته آلة الحرب الإسرائيلية لا يستثير حتى ولو إدانة لفظية من دول العالم والمنظمات العالمية؟ لماذا هذه النظرة الدونية للشعوب العربية حتى يقبل العالم كل هذا القتل وكل هذا الدمار من أجل جنديين كانا بالتأكيد يشاركان في ترويع وتخويف المدنيين في جنوب لبنان؟ كيف استطاعت دول العالم أن تسوق مثل هذا القتل وهذا الدمار لشعوبها ونحن نعلم أن ما يحدث هو من البشاعة واللا إنسانية ما يحرك الصخر فكيف بالبشر؟ هل شعوب العالم باتت أقل تعاطفا معنا ومع قضايانا أم أن عدونا هو أقدر منا في إقناع العالم بموقفه ومشروعية قضاياه؟ إننا قد نشعر بالمهانة لأننا لا نستطيع أن نلبي استغاثة امرأة خائفة تحتضن أطفالها وهي تختبئ بالجدران المتهدمة من بيتها, إننا نشعر بالمهانة لأننا ونحن نرى أطفال لبنان وهم يقتلون وتمزق أجسادهم بقنابل تزن الأطنان ونحن لا نستطيع أن نمنيهم بوقف قريب لهذا العدوان. هل هذا الشعور بالمهانة والعجز هو قدرنا وعلينا بالصبر والدعاء, فالعالم من حولنا أشرار ومتوحشون يريدون القتل والفتك بنا لأننا أناس طيبون ومسالمون, ونحن لا نملك من القوة والرباط ما نقارعهم به؟ أم أننا نحن من ارتضينا الذلة لأنفسنا فصرنا عند الآخرين بمثابة الغبار البشري الذي يثير وجوده حساسية العالم, وبالتالي فمن حق الماكينة الحربية الإسرائيلية أن تكنسه بين الفينة والأخرى لعل العالم يشعر بالراحة ولو قليلا؟ هل من المعقول أن تصبح أجساد أطفالنا في نظر العالم غبارا يتطاير كما يتطاير الغبار والحجارة من بيوتنا المهدمة والعالم لا يرى في ذلك ما يثير الشفقة والتعاطف. على الرغم من أن هذه الحرب ليست الأولى التي تشنها إسرائيل على لبنان ولن تكون الأخيرة, وعلى الرغم من أن هذه الوحشية من القتل والتدمير ليست بجديدة في القاموس الإسرائيلي, وعلى الرغم من أن العالم قد عودنا ألا يعير اهتماما لأنات جرحانا وكثرة قتلانا وجوع أطفالنا وصراخ نسائنا, إلا أننا نبقى وكالعادة منتظرين أن يرأف العدو بنا وأن يهب العالم لمساعدتنا. إننا عندما نتوجه باللوم إلى الآخرين لما يصيبنا من حروب ودمار ننسى أن إصبع الملامة الذي نوجهه للآخرين إلى جنبه أربعة أصابع تحملنا نحن مسؤولية ما يقع علينا, نحن نعرف أن العالم لا يحترم إلا الأقوياء ونحن نصر على أن قوتنا في ضعفنا, نحن نشاهد دول العالم وهي تتحد مع بعضها سياسيا واقتصاديا وتنمويا ونحن نعمل ليلا ونهارا لنكرس تفرقنا ونزيد المسافة والبعد بيننا, ونحن نرى شعوب العالم وهي تكتسب المزيد من الحريات وحماية القانون والمشاركة في صياغة حاضرها وبناء مستقبلها ونحن نزداد خوفا وقهرا وظلما وتراجعا وبعدا عن المشاركة في القضايا المحلية والعالمية. نحن نلوم العالم لماذا يسارع في ضربنا ويتعجل بمحاصرتنا ويبادر إلى تسليط العقوبات الاقتصادية والسياسية علينا وننسى أننا لا نتحمل من يخالفنا الرأي فنجيز لأنفسنا أن ندينه بكلمة قالها أو موقف ارتآه وفي هذا ما يكفي لأن نتقبل ذبحه وقتله ونترك للذباح أن يجتهد في اختيار الطريقة التي يريد أن يخلصنا بها من هذا المخالف. علينا أن نعترف بأننا عندما قبلنا وبررنا قتل بعضنا بعضا هان قتلنا على الآخرين. إذا قلنا للعالم إن إسرائيل قد قتلت منا مقتلة عظيمة, فأكثر من أسبوعين وطائراتها ومدافعها تحصد يوميا من النساء والأطفال العشرات وأنتم تتوافدون على المنطقة لتباركوا هذه المجزرة وتقدمون النصح لإسرائيل لكي تختار أهدافها بدقة لئلا تسقط الحكومة وأما من قتل من الناس وهدم من المباني والمساكن وحطم من الجسور فإننا سنبحث لكم في المستقبل عن طريقة تقاتلكم بها إسرائيل ربما برصاص أكثر رحمة وبقنابل موجهة أكثر دقة لرؤوس أطفالكم وصدور نسائكم وبذلك تموتون من دون أن نسمع صراخكم, أو أن تحرجونا بطلب مساعدتكم وإرسال الطعام والدواء لكم, كيف تريدون أن نتأثر بقتلاكم وأن نستشعر بأنات جرحاكم وضحايا شوارع بغداد من السيارات المفخخة والقنابل المخبئة بالمئات وفيكم من يبرر هذا القتل ويهلل لمثل هذه الأفعال, إنكم لا تعطون للحياة قداسة فلا تنتظرون العطف منا وأعذرونا فإننا في الحقيقة نخاف منكم ولإسرائيل الحق أن تقول إنها تفعل فينا قتلا وتشريدا وهدما وخرابا نيابة عنا وبالوكالة عن العالم. أظهرنا للعالم أننا لا نفهم إلا لغة العنف والقوة لحل مشاكلنا فقال لنا العالم إذا كانت هذه لغتكم فاعذرونا إن لم نخاطبكم إلا باللغة التي تفهمونها ولما كنا نحن الأقوى والأكثر عتادا فمن الطبيعي أن يكون كلامنا هو المسموع وصوتنا هو الأعلى من صراخكم. كم هو مؤلم أن يختلط عند العالم صراخ اللبناني من الرجال والنساء والأطفال وهم يحتضنون تراب وطنهم ويلملمون بقايا كرامة أمتهم في وجه عدو شرس لا يرى لنفسه من بقاء إلا في تحطيم من حوله وقتل من يتجرأ أن يقول الحق له, لأن هناك من ادعى ممن هو من جلدتنا أن القتل والتفجير في الشوارع والقطارات ودور العبادة والمراكز التجارية هو ما يخدم قضيتنا ويعيد لنا حقوقنا وكرامتنا المسلوبة. إن من المؤلم أن نسمع قادة إسرائيل وهم يقولون للعالم إنهم غير مسؤولين عن كل هؤلاء القتلى في لبنان وإن الأرقام التي تصلكم عن عدد القتلى هي أرقام مبالغ فيها, وكأنهم يريدون أن يقولوا لشعوب العالم إن هؤلاء العرب عادتهم القتل وديدنهم الصراع ولا يستبعد أن يقتل بعضهم بعضا ليظهروا لكم أنهم ضحايا لقنابلنا وصواريخنا التي هي موجهة وذكية وإنسانية ولا تهاجم ولا تقتل إلا من يقاتلنا. إنهم يقتلوننا وبعدها يشتكوننا للعالم ويستصرخون دوله لمساعدتهم على ضبط وترويض العرب, لأن هؤلاء العرب بجهلهم وتخلفهم لا يريدون لدولة إسرائيل الديمقراطية أن تعيش بسلام, ونرى دول العالم تصدق دعواهم وتتبنى هذه الدعوة في سياستها ومخاطبتها لنا, فمرة يقولون لنا إنكم في حاجة إلى خريطة شرق أوسط جديدة, ومرة أخرى يخبرونا بأننا كشعوب في حاجة إلى إعادة تأهيل, والخوف أن يأتونا يوما ما ليقولوا لنا إن أكثركم قد لا ينفع معه التأهيل وإعادة الإنتاج وبالتالي فهم مضطرون إما لقتلنا والتخلص منا وإما لحشرنا في كانتونات بشرية محاصرة برا وبحرا وجوا والدخول والخروج منها غير مسموح إلا بإذن دولي, وحتى الطعام والشراب الذي يرمى لنا سيوزن بدقة وستقاس محتوياته أكثر من مرة لئلا تكون هناك فيه مادة مزدوجة الاستعمال تشبع الإنسان وتقوي من إرادته كإنسان, وهذا ما لا يريده العالم لنا.
علينا كعرب أن ننهض بأنفسنا من هذا الواقع المتخلف وأن نثبت أننا كشعوب قادرون على أن نشارك شعوب العالم في قضاياه الإنسانية وأن يكون لنا دور في تقدم العالم علميا وتقنيا وتنشيطه اقتصاديا وتجاريا وأننا إن تخلفنا في هذه المرحلة من تاريخنا فإننا نطمح أن نتخلص من الظلم الذي يمارس بحقنا والخوف الذي فرض علينا وأن لنا حق إنساني عليهم بأن يمدوا لنا يد العون لنعيش جميعا بسلام في الحاضر والمستقبل, فهل يا ترى سنستطيع أن نقنع الآخرين بصدقنا ومشروعية قضايانا؟ بالتأكيد إن هذه المهمة ليست بالمستحيلة بشرط أن نغير من أنفسنا, "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي