العمل هل هو واجب وطني وديني أم تسلية ورفاهية؟
<a href="mailto:[email protected]">Alfaizdr2@yahoo.com</a>
أعتقد أنه من حقي كمواطن أن أسال هذا السؤال وأن أطالب بقية إخواني المواطنين العاطلين أن يعملوا بجدية ووطنية صادقة إذا أردنا أن نعيش في مجتمع ودولة واحدة. وأنهم ليسوا أحراراَ في ذلك بل يجب أن يخجلوا, فهذا حق لنا وواجب وطني تفرضه أخلاقيات الدين والمجتمع لنتعايش سوياَ. وتفرضه تعاليمنا الدينية التي يحثنا عليها ديننا في أكثر من موقع "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" "وهل يستوي الذين يعملون والذين لا يعملون". فأين نحن من ديننا؟ ولماذا دائما نترك القواعد والأركان المهمة من الدين ونتطرف في القشور والجدل حول زواج المسيار والتورق والتمرق وكأننا انتهينا وأكملنا أهم أركان الإسلام وأخلاقياته؟ فهل انتهينا من الحسد والنميمة "ومن شر حاسد إذا حسد" التي قد تكون أهم مما تنهى عنه وزارة الشؤون الإسلامية والهيئات؟ ولماذا غاب عن خطب صلاة الجمعة الحث على العمل الذي هو أساس التنافس الاقتصادي الذي يضمن معيشتنا وأبناءنا في المستقبل، بينما نحن نعتقد أن العمل ترف واختيار لنا؟ وما زلنا نعتقد أننا من أفضل الناس بينما نحن مخدوعون. وإذا كان الله ميزنا بالإسلام فإنني أعتقد أننا ابتعدنا عنه قليلاَ وضيعنا جزءا كبيرا من ذلك وأصبحت هناك دول أخرى قد تكون أكثر تمسكا به.
تتفاخر الدول فيما بينها بالعمل والإنتاجية وتحاول أن تخرج للعالم أمثلة خارقة للعادة عن مدى تضحية وجدية مواطنيها للعمل على الرفع من سمعة دولها. وقد لا يختلف اثنان فيما قدمه الشعوب: الياباني, الأمريكي, والألماني من صورة تعكس صورتها الإبداعية لجدية مواطنيها للعمل والابتكار حتى أصبحنا نعتمد ونعيش عالة عليهم. وتحاول تلك الدول دائما أن تستثمر في تقديم صورة عن مدى جديتهم في تخصصات مختلفة وليس فقط كرة القدم. وتنظر تلك المجتمعات إلى أفرادها غير العاملين على أنهم مصدر قلق لها وأن العمل فرض وواجب وطني وحق للوطن.
لقد مسحت معظم دول أوروبا عن الأرض بعد الحربين العالميتين (1940م). ولكن الشعب الألماني وبميزانية عاجزة استطاع وحده وخلال أقل من 70 عاماَ أن يصل إلى ما هو عليه الآن من قوة صناعية هي الأولى في أوروبا والرابعة عالمياَ. فهل نحتاج إلى حرب أو سنوات من الفقر لنصحو ويصبح لدينا الوعي بأن العمل فرض علينا؟ ومتى سيصبح لدينا قوى عاملة نستطيع أن نعتمد عليها لنعيش؟
يكثر اللوم على الجهات الحكومية والدولة ولكن مشاكلنا وتعطيل مصالحنا تأتي منا كمواطنين في عدم احترامنا بعضنا. فالجهات الحكومية هي مجموعة من المواطنين. فنحن نراجع موظفين ومسؤولين هم مواطنون مثلنا ولكنهم لا يعبرونا بل يعطلونا (ما أدري، راجعنا بكرة، راح يجيب أولاده، طلع يشيش..), غير عابئين بتوجيهات ولاة الأمر بعدم تأخير مصالح واحتياجات الموطنين. والتي لن تنجز على أيدي منهم متسيبين أو غير أكفاء لهذا العمل. فكيف يمكننا أن نتقدم وننافس في الوقت الذي نجد فيه أن معظم الوظائف, خاصة القيادية ما زالت ينام عليها ومنذ أعوام بعض المسؤولين الذين يورثونها أبناءهم أو أقاربهم غير الأكفاء الذين ليس لديهم الوطنية والإخلاص الكافيين لترك ذلك المنصب لمن هم أجدر وأكفأ منهم, حتى أصبحوا يقتلون بعض الكفاءات الشابة ويمنعونها من الظهور. فالموظف مهما تعلم أو حصل على شهادات أو مؤهلات فإنها لا تهم لأن مصيره وقدره طول حياته تحت رحمة مزاج ومدى استحسان هؤلاء المسؤولين له, فهم الوحيدون الذين يقررون مصيره ومستقبل عائلته وحياته. وهم أقدر على تأهيلك من أي جامعة عالمية.
إننا سنموت ونحيا غبنا من تسيب هؤلاء وعدم إحساسهم بالمسؤولية الوطنية أو الدينية تجاهنا. كما أن وجود هؤلاء المتسيبين وما لديهم من فراغ يجعلهم يجولون في الوزارات والمؤسسات العامة على بقية الموظفين لإشغالهم عن العمل. فبعضهم ودون حياء أو استئذان يدخل على مكتب الموظف النشيط والمؤهل ليقص عليه سهرته البارحة أو مشاكله أو رحلته في الوقت الذي يحرج فيه هذا الموظف عن الاعتذار منه ليكمل عمله. وبذلك فهؤلاء المتسيبون علاوة على عدم إنجازهم العمل يقومون بافتعال المشاكل بين الموظفين وإشغالهم عن العمل. وبذلك يضيع وقت طويل من عمل وأداء الدولة والإنتاجية الحكومية. وهذه مضيعة للوقت والاقتصاد الوطني .. فما الحل؟ إنني أرى أنه لا بد من إيجاد حلول لتلك المشكلة, والحل يقتضي بعض الصراحة والإخلاص من بعض المسؤولين لوضع مصلحة الوطن والمواطنين فوق المصلحة الخاصة.
ومما يزيد الأمر سوء أنه حتى التغيير للوزير فقط وليس لمن تحته أصبح عاملا مساعدا لتوسع تلك الظاهرة لأن ذلك يقوى سلطة ونفوذ من هم تحته (الوكلاء والمديرون), حيث إن البقاء لهم أو للأسوأ كما يقال. فالوزير حسب النظام يمكن تغييره كل أربع سنوات ولكن بقية الوظائف القيادية تبقى لينام عليها أصحابها أو من ورثوها لحين تغيير الوزير، فالوزير زائل وهم باقون، ونبقى نعاني من هؤلاء المسؤولين.
هذه الأنظمة والقوانين هي كما كانت منذ 50 عاما ونسخناها من بعض الدول الشقيقة التي غيرت تلك الأنظمة عشرات المرات ونحن مازلنا نعاني من قدم أنظمتنا وعجزها. ويأتي في مقدمتها الأنظمة التي تتعلق بالعمل والعمال والتـأمينات الاجتماعية ونظام التقاعد والزكاة والدخل. فهي أنظمة فيها ازدواجية وتتضارب مع بعضها بعضا وباشتراطات تعجيزية ودون وجود أي تنسيق. وهي أنظمة بندر أن ينظر فيها المسؤولون وإن حصل تغير ولو لسطرين خلال عشر سنوات فإنه يعتبر إنجازا يحتفل به وترصد للقائمين عليها مكافآت مع أنها في صميم عملهم اليومي.
وكأنما نحن نناقض أنفسنا، فإذا كانت مسيرة التنمية قد نجحت في إخراج ثمارها من الكفاءات الوطنية فأين هؤلاء؟ ومتى يتم التخلص من العجزة؟ التغيير دائماً مطلوب والاستفادة من الخبرات والكوادر الحديثة التي استثمرت فيها الدولة بالابتعاث والتعليم قد يؤدي ثماره حيث حان الأوان لأبنائنا أن يردوا الجميل لأهله وأن يسهموا في بناء مستقبل واعد لهم ولأبنائهم. على أن يتم ذلك تحت إشراف لجنة من مجلس الوزراء والشورى لعمل الامتحانات والمقابلات التأهيلية لانتقائها للتأكد من مناسبتا وقدرتها على إدارة دفة الإدارة والتنمية, وأن يتم توظيف الشخص المناسب في المكان المناسب.