كأس العالم لكرة القدم: لم ينجح أحد .. ونحن أول الخاسرين!!

اتسمت منافسات كأس العالم الحالية لكرة القدم بسمات كانت غائبة عن المنافسات السابقة، منها السلبية، ومنها الإيجابية، أما السلبية فكثيرة، يأتي في مقدمتها تدني المستوى الفني للعب، واختفاء المهارات والفنون الفردية، مقارنة بما نراه في مباريات الفرق ذاتها التي تتشكل منها المنتخبات، وطغيان عوامل الحذر والخوف والتردد على اللاعبين، وحصر اللعب في منتصف الملعب، والتوتر وعدم الإقدام على شن الهجمات، ترقبا لأي خطأ يحدث من الخصم، ربما يتمكن الخصم المقابل من استغلاله في تسجيل هدف فيتقوقع بعده الفريق المنتصر في ملعبه مستميتا في إضاعة الوقت للخروج بالنتيجة. وقد أسهم هذا كله في إضفاء طابع الملل والسأم على المشجعين والمشاهدين، وأخمد في نفوسهم جذوة التفاعل والانفعال، والاستمتاع باللعب، مما أفقد المنافسة في معظم المباريات، جو الحماس والتفاعل الجماهيري الذي انعكس بدوره على الأداء داخل الملعب، وفقدت المنافسة بسببه عنصرا فاعلا في استثارة المواهب وإذكاء الحماس لدى اللاعبين أنفسهم، الذين غالبا ما كانوا يستمدون النشاط داخل الملعب من هدير الجماهير وأهازيجها في مباريات فرقهم!!
ومن أبرز السلبيات الواضحة في هذه التظاهرة طابع العنف الذي سيطر على مجريات اللعب، وتحولت بسببه معظم المباريات إلى حلبات تناطح وقفز ومصارعة، وتقصد للإيذاء والإعاقة، وسالت بسببها الدماء، وتوقف اللعب كثيرا لإنقاذ المصابين، ولم يحد من هذه الظاهرة أو يوقفها كثرة المخالفات التي سجلها الحكام، وبطاقات الإنذارات وحالات الطرد التي حدثت بشكل لم يسبق له مثيل في هذه المسابقة أو غيرها من المسابقات القارية!! وهو ما يعد من أبرز السلبيات التي صاحبت هذه المسابقة!!
ولعل الفقر الشديد في تسجيل الأهداف، يُعد إحدى السمات السلبية، رغم احتواء المنتخبات على أفضل الهدافين في فرقهم وبلدانهم، بدليل انتهاء بعض المباريات بدون أهداف، وافتقارها، بالتالي، إلى عنصر الإثارة والتشويق، واحتكامها إلى ركلات الترجيح، وما ذلك إلا بسبب العوامل التي ذكرناها آنفا من طغيان الخوف والحذر لمحاولة الخروج بنتيجة المباراة، حتى لو كان ذلك على حساب السمعة والفنيات، ونفسيات المشجعين الذين تجمعوا من أنحاء الأرض كافة طمعا في الاستمتاع بمشاهدة أفضل فنون اللعبة من أفضل منتخبات العالم!!
ولعل السمة الأكثر سلبية، رغم عدم علاقتها باللعب، هي احتكار الاتحاد الدولي لكرة القدم حق بث ومشاهدة المباريات وبيعه هذا الحق إلى شركات احتكارية في مناطق من العالم بمبالغ خيالية، لا تخلو من استغلال عواطف الجماهير وتعاطفها، وحاجتها الشديدة إلى التفاعل مع منتخبات بلادها، وحبها لها، وكأنها – أي المنتخبات – تابعة للاتحاد، وهو من أنشأها وكوّنها وأنفق عليها؟! أو أنها تلعب باسمه وليس باسم بلدانها، واللافت للنظر هو سكوت الدول التي تتبعها المنتخبات التي وصلت إلى التصفيات على هذه الممارسة المنافية للأخلاقيات الرياضية التي يدّعي الاتحاد حمايتها!!..
إن حق مشاهدة المنتخبات هو ملك للدول المشاركة في التصفيات أولا، وحق لمواطني تلك الدول ثانيا، وليس للاتحاد وشركاته الاحتكارية التي بالغت في فرض تكاليف باهظة، وأدت مبالغتها إلى إجبار من لا يملك هذه التكاليف على البحث عن وسيلة لاختراق حواجز التشفير التي وضعتها، وأسهمت بذلك في إجبارهم على ممارسة تصرفات لا تتسق مع الأخلاقيات بعامة!.
لكي أكون موضوعيا، سأحاول تذكر الإيجابيات، وإن كانت فقيرة هي الأخرى، كفقر المباريات إلى الأهداف، ومنها الاعتراف بحسن التنظيم والانضباط، والاحتياطات الأمنية التي وفرتها الدولة المضيفة، ومنها كذلك، التدفق الجماهيري الهائل الذي كانت تضيق به الملاعب وما حولها في المباريات كافة، ولم يبق في أي منها مقعد واحد خاليا!! ولعل الكاسب الأول من هذه التظاهرة، هو ألمانيا، التي ساعدها موقعها في القلب من أوروبا، على استقطاب هذا الحشد الهائل الذي أسهم في إضفاء قوة إلى قوة اقتصادها المزدهر دائما.

ماذا عن مشاركة منتخبنا الوطني؟!

يُعد وصول منتخب المملكة إلى التصفيات النهائية أربع مرات متتالية، إنجازا كبيرا لم يحصل عليه إلا الصفوة من منتخبات العالم البالغ عددها 32 منتخبا!! وهو إنجاز ينبغي أن يذكر فتشكر الجهود التي بذلت للإعداد له، غير أن الإنجاز لا يقف عند حد الوصول إلى التصفيات النهائية، بل يبنى عليه، ويؤثر فيه، أداء المنتخب في التصفيات التي يمكن أن تمسح نتائجها ما يسبقها من إنجازات، ولا يبقى في أذهان الناس غير تلك النتائج، تماما مثلما حدث في التصفيات الحالية عندما خرج المنتخب بنقطة يتيمة، كانت كافية لنسيان ما قبلها من إنجاز، ومثلما حدث في التصفيات التي قبلها عام 2002 في كوريا واليابان، عندما مسحت هزيمة الثمانية الشهيرة من منتخب ألمانيا كل الجهود التي بذلت، وجعلت معظم الجماهير تتمنى لو لم يصل المنتخب إلى التصفيات، لكيلا يتعرض لمثل تلك الهزيمة القاسية!!..
عند التفكير جديا فيما حدث سابقا ولاحقا، يبرز سؤال مهم هو: ما الهدف من الوصول إلى التصفيات؟! وهل يأتي ضمنه الحصول على كأس العالم؟! والإجابة بطبيعة الحال هي: لا، بالنسبة إلى الشق الثاني من السؤال، أما الشق الأول فإن الإجابة عنه تنبع تلقائيا من إجابة الشق الثاني، أي أنه إذا لم يكن الهدف كأس العالم ذاته، فلا بد أن يكون الهدف هو محاولة الحصول على أفضل شيء، نتيجة ومستوى، فهل تحقق ذلك أو شيء منه؟! والإجابة نجدها في مشاعر المتابعين والمشجعين والمحللين أثناء وبُعيد التصفيات، كما نجدها في محاولات رصد نبض الشارع والرأي العام المهتم بهذا الشأن فآخر ما اطلعت عليه هو ما نشرته صحيفة "الرياض" في عددها الصادر بتاريخ 10/5/1427هـ عند محاولتها البحث عن إجابة للسؤال الذي طرحته، وهو: مَن يتحمل المستوى المتدني الذي ظهر به المنتخب السعودي في كأس العالم؟! وكانت النتيجة التي أظهرها الاستبيان أن كلا من اللاعبين والجهاز الإداري والجهاز الفني يتحمل المسؤولية بنسب متفاوتة هي: 51 في المائة و38 في المائة، و10 في المائة على التوالي.
اللافت للنظر أنه رغم الإجماع على فقد النتيجة والمستوى نجد الجهة المشرفة على المنتخبات تصدر بيانا تؤكد فيه ثقتها بالأجهزة الفنية والإدارية واللاعبين، دون أن تشير، ولو بصورة عابرة، مراعاة لمشاعر المواطنين، إلى أنه ستجري دراسة نتائج المشاركة للاستفادة منها في المستقبل، أو على الأقل مثلما حصل بعد الخروج المماثل من تصفيات عام 2002، وصدرت أوامر سامية بتشكيل لجنة على أعلى المستويات لبحث أسباب ما حدث وتحديد المسؤولية، ومراجعة المسيرة الكروية بعامة، وإعلان النتائج للمواطنين، حتى وإن لم يعلن شيء من ذلك، رغم مضي أربع سنوات وحلول موعد التصفيات التالية.
إن أهم وأولى خطوات معالجة أي مشكلة هو الاعتراف بوجودها، وتحليل أبعادها ومسبباتها، والتعرف عليها، بهدف تجنب الأسباب في المحاولات التالية، ولا بد من إعمال مبدأ المحاسبة والثواب والعقاب، وانتهاج الوضوح والشفافية، ونشر المعلومات، وإطلاع الناس على حقيقة ما يجري، وما يخطط له، وبدون ذلك ستظل محاولاتنا أسيرة الكتمان والغموض والمجاملات والمديح الذي قد يضر أكثر مما ينفع.
والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي