اليهود الأخيار ضد العرب الأشرار!
<a href="mailto:[email protected]">Ffaheem2006@yahoo.com</a>
يعلم الصهاينة أن المواطن الأمريكي نما وترعرع على قيم تروجها وسائل الإعلام وبصفة خاصة السينما. وأبرز ما عمقته السينما في النفسية الأمريكية هي تلك الثنائية الخالدة بين الخير والشر. فهناك دائما البطل الطيب الذي يتمتع بصفات البطولة كافة ويكتسي برداء الشهامة والإقدام والشجاعة والذكاء وهناك الشرير الغبي الذي يفكر في تحطيم الآخرين. ويدور الصراع لصالح البطل ويسعد الجميع لاندحار الشرير في النهاية.
على هذا المنوال، نسج الإسرائيليون قضيتهم ضد العرب، وجعلوا هذا الافتراض منطلقا وحجة أخلاقية تصور إسرائيل - والحديث هنا لميرشايمر ووالت - على أنها دولة تسعى إلى السلام بل وسعت إليه دائما في مراحل الصراع كافة، وأبدت قدرا كبيرا من الصبر وضبط النفس حتي في أقصى حالات استفزازها! أما العرب فهم على النقيض من ذلك يتصرفون بواعز من الشر الذي ملك عليهم أنفسهم فلم يبق لديهم إلا ممارسته ضد الجميع خاصة اليهود "المسالمين" هذه الأسطورة التي لم يتوقف قادة إسرائيل عن ترديدها ويكررها وتردد صداها مجموعة المدافعين والمبررين من أمثال إلن ديرشوفيتش هي أسطورة تجاوزت حدود الخيال وتخطت ألوان الكذب والتضليل كافة. فالواقع يشهد على أن سلوك إسرائيل لا يختلف مطلقا عن سلوك - خصومها، بل هي تتفوق عليهم تماما في ارتكاب الجرائم.
يوضح لنا المثقفون الإسرائيليون قبل غيرهم أن الصهاينة الأوائل كانوا أبعد ما يكون عن الإنسانية تجاه العرب الفلسطينيين. وقد قاوم العرب كافة المحاولات الإسرائيلية لاختراقهم عنفا أو لينا.
وهذا أمر طبيعي لأن الصهاينة حضروا لإنشاء دولة على الأراضي العربية. وكان رد الفعل الصهيوني للرفض العربي شديد القسوة، لا يمكن بأي حال أن نصدق أية مقولات أخلاقية تصف سلوك اليهود في تلك الفترة. وتكشف الدراسات الإسرائيلية أيضا أن إنشاء دولة إسرائيل في عامي 1947 و1948 انطوى على عمليات متواصلة من التطهير العرقي بما في ذلك تنفيذ عمليات إعدام ومذابح جماعية بل وعمليات اغتصاب للفتيات والنساء على نطاق واسع. ولم نقرأ هذه المصطلحات لتصف فظائع اليهود بينما وجدناها على نطاق واسع لدى شعوب أخرى كثيرة لم ترتكب عشر ما اقترفه اليهود.
إضافة إلى ذلك فإن سلوك إسرائيل تجاه أعدائها العرب ورعاياها الفلسطينيين كان يتسم دائما بالوحشية مما يدحض أي زعم أن إسرائيل أفضل من خصومها من الناحية الأخلاقية. ففي الفترة من 1949 إلى 1956 على سبيل المثال، قتلت القوات الإسرائيلية عددا يراوح بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف متسلل ، كانت الغالبية العظمي منهم غير مسلحة. كما قام الجيش الإسرائيلي (المسمى جيش الدفاع رغم مبادرته الدائمة بالعدوان والهجوم) بعدد كبير من الغارات على أراضي جيرانه خاصة في مطلع الخمسينيات، وكان يجري تصوير هذه العمليات الاستفزازية على أنها "استجابات دفاعية" إلا أنها كانت جزءا من جهد اشمل لمد حدود إسرائيل وتوسيع رقعتها، وهذه الطموحات التوسعية هي التي دفعت إسرائيل إلى الانضمام إلى بريطانيا وفرنسا في الهجوم على مصر 1956، ولم تنسحب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها إلا بضغط أمريكي شديد.
وقام جيش "الدفاع" الإسرائيلي كذلك باغتيال وقتل المئات من الأسرى المصريين في حربي 1956 و1967، وطردت إسرائيل أعدادا تراوح بين 100 ألف و260 ألف فلسطيني من الضفة الغربية بعد احتلالها 1967، وطردت 80 ألف سوري من هضبة الجولان. كما تآمرت مع عناصر لبنانية لقتل 700 من الأبرياء - معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ في صابرا وشاتيلا بعد غزوها لبنان عام 1982. وانتهت لجنة تحقيق إسرائيلية إلى التأكد من مشاركة وزير الدفاع الإسرائيلي وقتها أرييل شارون شخصيا في هذه المذابح. كذلك قام الإسرائيليون ـ وهذا من واقع السجلات والأحداث - بتعذيب أعداد كبيرة من الفلسطينيين وإهانتهم بصفة مستمرة وترويع المدنيين الفلسطينيين واستخدام القوة العشوائية ضدهم في مناسبات عديدة. فأثناء الانتفاضة الأولى (1987-1991) أمرت القيادة الإسرائيلية بتكسير عظام المتظاهرين الفلسطينيين، وقدرت منظمة " أنقذوا الأطفال" السويدية أن أعدادا تراوح بين 23.600 ألف و29 ألف طفل بحاجة إلى علاج طبي من الإصابات التي لحقت بهم بسبب الضرب الإسرائيلي في العامين الأولين من الانتفاضة ومنهم الثلث الذين كانوا يعانون من كسور في العظام. وكان ثلث الأطفال تراوح أعمارهم بين عشرة أعوام وأقل!
أما استجابة إسرائيل للانتفاضة الثانية (2000 إلى 2005) فكانت أشد عنفا، مما أدى بصحيفة "ها آرتس" إلى أن تصرح بأن جيش الدفاع الإسرائيلي قد تحول إلى آلة قتل مرعبة وصاعقة. فقد أطلق هذا الجيش مليون طلقة في الأيام الأولى للانتفاضة، وهو ما ينفي أي ادعاء بأنه رد فعل محسوب. ومنذ ذلك الوقت قتلت إسرائيل 3.4 فلسطيني مقابل كل إسرائيلي سقط قتيلا. وكان معظم القتلى الفلسطينيين من الأبرياء الذين لم يشاركوا في أي عمليات أو حتى مظاهرات.
وقد قامت منظمات عديدة من بين المهتمين بحقوق الإنسان ـ ومنها بعض المنظمات الإسرائيلية – بتسجيل وتوثيق هذه الجرائم كافة. ولا توجد عقلية محايدة أو مراقب متجرد إلا وأدرك أبعاد هذه الفظائع التي يندي لها الجبين. ولذلك فإن أربعة مسؤولين في الشين ـ بيت وهو جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، أدانوا سلوك إسرائيل أثناء الانتفاضة الثانية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2003.
وصرح أحدهم "إن سلوكنا مخجل ومعيب" وقال آخر"إن سلوك إسرائيل غير أخلاقي بالمرة".
ولكن أنصار إسرائيل في الولايات المتحدة يسألون: أليس من حق إسرائيل أن تفعل ما تشاء لتحمي مواطنيها؟ ألا يبرر الإرهاب الشرير تأييد ودعم الولايات المتحدة، حتي وإن جاء رد الفعل الإسرائيلي وحشيا وقاسيا؟
الواقع كما يقول ميرشامير ووالت أن هذه الحجة لا تعد مبررا أخلاقيا على الإطلاق فالفلسطينيون استخدموا العنف ضد المحتلين الإسرائيليين، وربما رأى البعض أن الهجوم على المدنيين أمر خاطئ، ولكن هذا التصرف طبيعي جدا، ذلك إن الفلسطينيين لا يملكون أية أوراق وليس لديهم سبيل واحد للحصول على تنازلات من محتل شديد الصرامة والإجرام. وكما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود باراك "لو أنى ولدت فلسطينيا لانضممت دون شك إلى إحدى المنظمات الإرهابية".
وأخيرا لا ينبغي أن ننسى أن الصهاينة لجأوا إلى الإرهاب عندما كانوا في موقف ضعيف مشابه ويريدون الحصول على دولة صهيونية .ففي الفترة من 1944 إلى 1947، لجأت منظمات صهيونية عديدة إلى التفجيرات لطرد البريطانيين من فلسطين، وحصدوا أرواح الكثير من المدنيين الأبرياء بسبب ضرباتهم العشوائية، كذلك قام الإرهابيون الإسرائيليون باغتيال الكونت فولك برنادوت الوسيط الدولي 1948، لأنهم عارضوا فكرته الخاصة بتدويل القدس ولم يكن مرتكبو هذه الجرائم مجرد إرهابيين متطرفين خارج الصف والهيكل السياسي لليهود. ذلك أن القادة الذين دبروا جريمة الاغتيال حظوا بالعفو العام، بل وانتخب أحدهم فورا عضوا في الكنيست، مما يؤكد أن الإرهاب سلوك إسرائيلي يهودي مستحب، كما أن زعيما إرهابيا آخر أقر الجريمة ولكنه لم يحاكم هو إسحاق شامير الذي أصبح رئيسا لوزراء إسرائيل. وللحقيقة فإن شامير أعلنها صراحة بأنه "لا الأخلاقيات اليهودية ولا التقاليد اليهودية ترفض وتمنع اللجوء للإرهاب كوسيلة للكفاح. فالإرهاب له دور كبير يجب أن يلعبه في حربنا ضد المحتل (يقصد بريطانيا) فإذا كان استخدام "الإرهاب" من جانب الفلسطينيين أمرا مستهجنا الآن، فإن اعتماد إسرائيل عليه في الماضي كان كذلك دون شك. ومن هنا فلا يمكن لأحد أن يبرر دعم الولايات المتحدة لإسرائيل على أساس أن ماضيها الأخلاقي أفضل وأسمى. وقد يقول بعض حماة إسرائيل إنها لم تمارس سلوكيات تزيد على دول أخرى كثيرة، ولكنها بكل تأكيد ليست أفضل من أية دولة أخرى في هذا الصدد. وإذا كانت الحجج الاستراتيجية والأخلاقية غير كافية لإقناع أمريكا بالكف عن دعم إسرائيل. فكيف نشرح الأمر للأمريكيين؟