"فِرَّهــا تْعـرِفْ سنَّـها"

<a href="mailto:[email protected]">abubeid@binzagr.com.sa</a>

محلياً يدور نقاش مُتقطع الاستدامة والدوام في الصحف وتكرار اللقاءات المجتمعية, لمواضيع تزايد فرص الأعمال وانتشار الازدهار وإعادة تكرار إعلان أرقام فلكية للاستثمار والطرق والأساليب للتنفيذ والإنجاز، بما لا تهضمه الرؤى المجردة، ولا الفكر النيِّر لإنجازات إنتاجيه مُرتقبة. واضح أن حدث وحديث الهم الاستثماري الكبير مازال ينحصر في نشاطات تقليدية ضمن دوائر مخططات الأراضي والعقارات الضخمة, وتشييدات الملاهي واللهو البريء، وتجارة (شختك بختك) في أسواق المال, والتجاكر في الاستهلاك والإنفاق, تمشياً مع توافر السيولة النقدية والتسهيلات البنكية التقليدية وتحت برقعة إسلامية. الندوات الاقتصادية كثيرة محلياً وإقليمياً ودولياً, وتناقش وجهات نظر متعددة لرفعة الاقتصاد الوطني من فراغ يحياه المتابع ولتجارب واقعية الضياع لعدم توافر منطلقات علاجية واضحة وعملية ومفيدة, لتخلـُّف قائم أو نقص واضح, ومشاركة مع سبق الإصرار في محافل دولية لتكرار التعريف بإجماليات الفرص المتوافرة ومجالات الاستثمار في تقنيات متطورة دون توفير التواصل الفكري, والإقناع العملي الحضاري للتأثير إيجاباً في قرارات الاستثمار الدولي, وإيضاح حقيقة الفرص الاستثمارية المحلية وطريقة الوصول لها والمكاسب المتوقعة . المروِّج الرسمي لفرص الاستثمار كثير التفاؤل النظري . المستثمر الأجنبي حاضر غائب, لأنه غير قادر على الاستيعاب الاستثماري العملي للفرص المقدمة, والفجوة الزمنية للفكر التنموي السائد محليا وعالميا.
الاتفاق على أهمية استثمارات رأس المال الأجنبي محليا متوافر, وضرورة تلاقي (البائع والمشتري) على مصالح واضحة, وأن تصاحبه الآليات الفاعلة لتحقيقه بنجاح وقناعة, لمبررات الاهتمام به محلياً وتوفير الفائدة والضمانات للمنفعة المقدرة للمستثمر الأجنبي والمكاسب المستدامة مع الظروف والمتغيرات, لتكون المفاضلة لصالح اقتصادنا, وقدرتنا على تطوير المغريات وتوفير الدعم والتشجيع المتزامن مع فاعلية ما توفره تلقائياً دول العالم المزاحمة لنا. توفير المناخ الجيد للاستثمار محليا والترحيب بالمستثمر الأجنبي للنشاطات الاستثمارية والمجتمعات المضيفة بداية طيبة لتسويق الفرص المحددة والمجالات الواضحة, لأن التزاحم الذي عليه اقتصاديات العالم يجعل المستثمر الأجنبي صاحب الخبرة والتقانة والمعرفة مطمئن ومرتاح إلى المجالات المقارنة المشهورة بتطوير نظمها واستقرار تطبيقاتها لصالح المستثمر وفقاً لما اتفق عليه, وتوفير اللوازم الضرورية لتطبيق القوانين المرنة. التعديل والتطوير والتحديث لنظام الاستثمار الأجنبي بما يوفر القناعة للمستثمر بالحفاظ على مردود التعاقد مهما طال الزمن يوفر صدى طيبا لدى المستثمر الأجنبي. نظام الاستثمار الأجنبي السعودي عند إعلانه منذ سنوات مضت تضمن قدراً كبيراً من المتطلبات المزاحمة. اليوم مقارنة بما عليه نظم الاستثمار في الدول المحيطة بنا والساعية لجذب الاستثمارات المتطورة, أصبح أقل إغراء وجذباً, بعد أن أدخلت الدول الأخرى المعنية والمجاورة تحسينات ومغريات تفوق ما يقدمه نظامنا . أقرب مقارنة لتباين الواقع التزاحمي إلغاء الغير الضريبة على الأرباح المحققة واستمرار بقائها بالسعودية. كثير من الشركات الأجنبية المؤسسة في السعودية تدرس حالياً جدوى نقل نشاطاتها التصنيعية خارج اقتصادنا, والجديد منها مُعرض عنا. الالتزام بتنفيذ النظم المتفق عليها مهم, وتطويرها مع الزمن أهم.
التنمية الاقتصادية تتحقق عن طريق مشاريع ضمن دوائر تنموية تعطي وتأخذ بتناغم كبير وانسجام عميق, ووضوحها يسهل على المستثمر الأجنبي معرفة طريقه ويحدد مسالك البداية والوصول. مجاراتنا لإنجازات الكبار لإقامة المنتديات الاقتصادية والاجتماعية في أمهات المدن في الداخل والخارج عمل جيد, لكن فوائده محدودة طالما تناول الفرص عن طريق مسؤولين بفكر حكومي ولمجموعة حضور من الأهل والأصحاب والأقارب كارثة. فقدان مشاركة متكررة لمعظم المنتديات المهتمة بالاستثمار كارثة ولها علاقة مباشرة بمنظمي المنتدى واجتذاب الحضور وتقديم الفرص بطرق تجارية وجدارة استثمارية. حضور (أهل البيت) لا يقدم ولا يؤخر إلا من زاوية ثقلهم الاستثماري وعلاقتهم بالمستثمر الأجنبي. الحداثة لا تلغي خبرات القدامى لنصحهم (وإعطاء الخبز لخبازه).
الإنفاق دون احتساب المردود بعيد عن الفكر الاستثماري, ورصد الأموال لتوفُرها تأثيره قد يكون غير مجد, ومغاير لمفاهيم الاستثمار المنتج الاستدامة بفكر محترف. المغالاة في الإنفاق على المشاريع المعلنة تبديد أكثر من كونها استثمارا, وأقرب للاستهلاك والتبذير المقلل للمدخرات وتضيع الاستفادة من الوفرة. المناخ العام الاستثماري للعمل في منطقتنا تقليدي ومحفوف بكثير من المصاعب والمخاطر التي يمكن احتواؤها بتغير التوجه العام للعمل وفقاً لقوله تعالى : (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). التغير والتطوير والتحديث عمل وتعليم وفرص للاستثمار للأجنبي والمقيم والمواطن شريطة ألا نغفل بل نعرف أن مجتمعاتنا مكتظة بالأمراض الاجتماعية الواجب التصدي لمعالجتها, والاستثمار فيها وحاجة لانشغال الفكر لمخاطرها ومعرفة واقعنا واحتياجاتنا.
الاهتمام الفوقي السطحي بالاقتصاد الوطني واضح المعالم, والتعمق في دواخل تفصيلات الأمور مفقود . المظاهر خداعة والواقعية متحدية لإعطاء النتائج التي تتفوق على المظاهر وتقضي على الخداع والتسويف. كثر الحديث عما سيكون عليه الاقتصاد الوطني بعد عصر البترول, ولم يظهر التخطيط التفصيلي الجاد لمواجهة التحدي, ويصبح هذا الفكر منطلقا لوضع رؤية اقتصادية اجتماعية تستهدف توفير منابع مضافة للدخل, وتخفيف الإنفاق والاستهلاك أو الجمع بين الفضيلتين. الاهتمام بالعلم الجيد والمعرفة الواسعة متعددة الاتجاهات والتوجهات والتطبيقات, وتوفير قدرات واهتمامات لتوفير مصادر مضافة للدخل بالجدية المطلوبة والانشغال الذي يهذب الرغبات والتطلعات لتدرج في تقليل الاستهلاك, وخاصة المستوردات الاستهلاكية الخارجية.
الفكر الاستثماري الذي نحن عليه غير مواكب عملياً لواقع العصر وغير واف وكاف لمواجهة التحدي الاقتصادي الاجتماعي, وغير قادر للاهتمام بالإنتاجية المستدامة والقيمة المضافة الحقيقية. التوازن الاجتماعي بين الاحتياجات والمتوفرات مفقود, والفجوة متسعة, بما يتطلب العناية الاقتصادية (لكمشها وكبشها).
لتحقيق ازدهار اقتصادي اجتماعي مزاحم محلي, ومتكافئ دولياً, مهم تشغيل أعداد متزايدة من المواطنين المهرة يعيشون من دخول محققة لعمل منتج مفيد وتأمين طرق ووسائل احتياجاتهم. العالم الذي نعيشه مزاحم لتقديم ضمان توفير المعيشة العائلية والوظيفة المستقرة والتقارب المادي بين الدخل والإنفاق والتأمين الصحي. المؤسسات والتنظيمات المساندة لهذه الأعمال متوافرة في المجتمع المحلي, لكن الترابط بينها مفقود والتوافق في أساليب العمل معدوم. الشكوى كثيرة والاهتمام بالمعالجة والعلاج وفرته محدودة, تحت تأثير سلبي لوفرة نصف قرن, سهَّلت الكسب والادخار والإنفاق للبعض جعلتهم لا يشتكون غلو المعيشة, ولا يبالون بمتاعب الآخرين ولا توفير الوسائل والطرق لتصحيحها . كثيرون يشتكون الجوع ولا يعرفون طريق العمل ويعيشون في عوز قد يتدرج احتمال ظهور نقمة اجتماعية.
التباين في الإنفاق بين طبقات المجتمع وحصر فرص العمل على القلة, ونقص المعلومات والخبرات والمعرفة, يفسِّر (خنقتـْنا) في قبضة ما لا يقل عن سبعة ملايين من العمالة الأجنبية ولتقابلها عطالة سعودية مماثلة. الأمر واضح لدرجة تجعل تحليل المشكلة الاقتصادية السعودية من أصل المرض المصاب به الاقتصاد السعودي أنفع من التقارير الاقتصادية الدولية, وإيجاد الحلول السليمة على يد خبرة مختلطة الجنسيات ومتساوية في اقتسام السلطات والمسؤوليات والصلاحيات. المؤتمرات والندوات التي نقيمها في الغرب أو نتقاسم تكاليفها, تجذب أشخاصا خبرتهم عالية, بعضهم اكتسبوها من توظيفاتهم في السعودية سنوات طويلة مضت وتركونا لرفضنا تأمين سلامة بقائهم معنا اعترافاً بالخبرة الأجنبية لدعم مجهوداتنا . اليوم نقدم الغالي والرخيص لاجتذاب كفاءات نحتاج إليها عن طريق استقطاب الأموال الأجنبية دون أن يخطر ببالنا أن فكرنا يرفض الغريب ولا يرحب بالوافد المؤهل ولا يستفيد منه بالقدر الوافي, ومن منظورهم يجدونا (نكربج) عليهم لنيل مطالبنا بدلاً من انصهار المعرفة والحضارة والثقافة, ونبدو وكأننا مديرون ظهورنا للبناء وفقاً لمعاير العصر الحديث.
الاقتصاد الوطني السعودي متوافر له جميع مظاهر الإدارة العصرية المنتجة والقرارات المتقدمة والأفكار المتطورة. التحديات والمعطلات وأمراض العصر كثيرة ومتنامية, ولا تلاقي المتابعة المناسبة للقضاء عليها أو تخفيفها. الطاقات البشرية بعضها منشغل في تدوير الدخول البترولية, والأغلبية تجري وراء إيجاد عمل بقدرات ومهارات متواضعة, وأجور عالية مقارنة بالإنتاجية ومنخفضة لتكاليف المعيشة الحقيقية, وتترتب عليها مشاكل اجتماعية. العجالة في التفكير لا تعطي الموضوع حقه. المشكلة كبيرة, وتركها يزيد من مخاطر (القنابل) الاجتماعية الموقوتة. ضروري الاهتمام بتوفير أكبر قدر ممكن من الدخل القومي, خاصة الزيادة المؤقتة في الدخل الريعي للصرف على تطوير الكفاءات البشرية المدربة والاستثمارات في العلوم والأبحاث والتقانة والمعرفة التطبيقية وبرامج للعمالة الكثيفة وتوفير المناخ الجيد للمستثمر الأجنبي مقارنة باقتصاديات الأسواق المزاحمة, خاصة فيما يتعلق بتطبيق النظم وتطويرها. توفير الأموال والإنفاق الصحيح مهم لوجود مصادر الثروات الطبيعية, خاصة المياه, والعقول السليمة في الأجسام الصحيحة. المطلوب الاهتمام بتحديث أمورنا وتطوير أفعالنا وتقوية قدراتنا, وأن تكون نظمنا وتحديثها وأساليب تنفيذها على مستوى المصداقية المطلوبة منا.
عجلة التطور والتحديث سرعاتها متقدمة, وقدراتها واسعة, وتقام على قواعد متينة من العلم والمعرفة والتطور والأبحاث والتقانة لحمايتها من الآخرين ومغلـَّفة بالحكمة والتواضع, وصيانتها من الضياع بالخلق الحسن في التعامل بكلفة مزاحمة لازدهار الاقتصاد من عطاء يفوق استهلاكه واستثمار من تكاثر دخوله وزيادة لمدخراته العلمية والمعرفية والمهنية في طريق السيطرة على أمراض العصر الاجتماعية واحتواء (خرجات) الشباب والشابات بتوفير التسليات المفيدة من منظورهم وفكرهم لامتصاص فورتهم الخطيرة التي ندير ظهورنا لها أو لا نعلم مخاطرها. والله أعلم .

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي