اعتماد المسار .. "البلاد" مثلا

<a href="mailto:[email protected]">mjadeed@hotmail.com</a>

عدد ليس بالقليل من الشركات، الهيئات، والمؤسسات السعودية الجديدة تأثرت منهجيته بمنهجية شركات وهيئات ومؤسسات سعودية قائمة. قد تنحصر حدود التأثر إما في إعادة تجربة تنظيمية، أو استراتيجية تشغيلية، أو سياسة تسويقية، أو أي آلية نفذت في الماضي ثم أعيدت في الحاضر بتطوير محدد في المضمون.
قد تساعد ّالمقارنة المختصرة لمسيرة بنك البلاد بمسيرة مصرف الراجحي على التعرف على التحديات والفرص التي تواجه الشركات، الهيئات، والمؤسسات السعودية عند تأثرها بمنهجية شركات، هيئات، ومؤسسات سعودية قائمة.
يشترك كل من "البلاد" و"الراجحي" في خلفيتهما التجارية. فكلاهما انتقلا من قطاع الصرافة إلى القطاع المصرفي بعد عقود طويلة من الزمن كونا خلالها أرضية تجارية استندا إليها في توسعهما في القطاع المصرفي. استغرقت المرحلة الانتقالية فترة طويلة من الزمن بسبب بعض التحديات، المالية، والقانونية، والتنظيمية.
حيث واجه "البلاد" عدة تحديات قبل مرحلة التأسيس. منها تكوين تكتل من ثماني مؤسسات صرافة لتشكل نواة تأسيس البنك، مروراً بتقييم أصول المؤسسات، وصولاً إلى إصدار تصريح مزاولة النشاط المصرفي، وانتهاء بـتسوية الخلافات القانونية حول الموارد البشرية لبعض مؤسسات الصرافة. و"الراجحي" كذلك واجه خلال الثمانينيات الميلادية تحدي حجم الاستثمارات الخارجية وتنظيم النشاط التجاري.
لا تنحصر أوجه الشبه بين "البلاد" و"الراجحي" في مرحلة ما قبل التأسيس فحسب، ولكن تعدتها إلى مرحلة ما بعد التأسيس. فمن خلال قراءة السيرة الذاتية لأعضاء الإدارة التنفيذية لـ "البلاد" نجد أن عددا ليس بالقليل من الكفاءات التي عملت في "الراجحي" تحت مظلة مشروع إعادة الهيكلة خلال منتصف التسعينيات تم استقطابها لتولي مسؤوليات استراتيجية في "البلاد".
يرتبط وجه الشبه الثالث بين "البلاد" و"الراجحي" بمحور الارتكاز في القطاع المصرفي. فمن خلال قراءة خطة "البلاد" التسويقية، نجد أنه يعتمد على محور ارتكاز مزدوج يركز على تلبية احتياجات العملاء المصرفية، والاستثمارية عن طريق تزويدهم بمنتجات، وخدمات "متنوعة". في المقابل، يرتكز "الراجحي" على محور ثلاثي الأبعاد يشمل إضافة إلى محور ارتكاز "البلاد" محور "التوسع" في شبكة الفروع.
يثير التشابه بين مسيرة "البلاد" و"الراجحي" تساؤلات حول منهجية "البلاد" في تحقيق أهدافه الاقتصادية، وآلية تفعيل شعار "نضع المعاملة في قلب المعادلة".
يبدو أن "البلاد" يحاول استثمار الفجوات التي أغفلها "الراجحي" عن طريق ملئها بخدمات ومنتجات مصرفية واستثمارية جديدة، عوضا عن المنافسة المطلقة على تقديم الخدمات والمنتجات القائمة.
ترتبط أولى هذه الفجوات بآلية دمج فروع مؤسسات الصرافة خلال المرحلة الانتقالية. حيث اتجه "الراجحي" إلى دمج جميع الفروع المحلية والدولية لما كان يعرف بشركة الراجحي للصيرفة والتجارة إبان فترة الثمانينيات الميلادية تحت مظلة شركة الراجحي المصرفية للاستثمار. شمل الدمج تحويل جميع الموجودات، والممتلكات، والالتزامات التي لدى شركة الصرافة إلى الشركة المصرفية.
في المقابل، اتجه "البلاد" إلى دمج نشاط مؤسسات الصرافة الثماني، عوضا عن المؤسسات ذاتها. بمعنى آخر، أن مؤسسات الصرافة الثماني قدمت حصصا نقديةً في رأس المال دون أن يمتلك "البلاد" أيا من الموجودات والممتلكات والالتزامات للمؤسسات الثماني. ساعد هذا التباين في آلية الدمج على تجاوز عدد ليس بالقليل من التحديات، وبدأ النشاط الفعلي خلال فترة قصيرة.
ترتبط ثانية هذه الفجوات بمحور الارتكاز. فمحور ارتكاز "الراجحي" ذو الأبعاد الثلاثة تبلور بشكل تدريجي خلال العقدين الماضيين حتى وصل إلى شكله الحالي. وفي المقابل، فإن محور ارتكاز "البلاد" المزدوج تبلور منذ أيامه الأولى. وعلى الرغم من أن محور "التوسع" في شبكة الفروع قد لا يكون من أولويات "البلاد"، إلا أن إسناد مهمة التحويل والصرف الأجنبي إلى منظومة "إنجاز" كمنشأة مستقلة عن "البلاد"، قد يعوض غياب هذا المحور عن محور ارتكاز "البلاد".
ترتبط الفجوة الثالثة بالأنشطة ذات العلاقة بالتسويق، والاستثمار، ومصرفية الشركات، وعلاقتهما بموارد "البلاد" البشرية. حيث يتضح من خلال قراءة السيرة الذاتية لأعضاء الإدارة التنفيذية لـ "البلاد" أن الكفاءات المسؤولة عن هذه الأنشطة قد تم استقطابها، إما من مصارف أخرى غير "الراجحي"، وإما من خارج القطاع المصرفي كليا. قد تعطي هذه النتيجة إشارة إلى بعض الجوانب التي يحاول "البلاد" التميز بها عن "الراجحي".
آلية تأثر منهجية "البلاد" بـمنهجية "الراجحي" في تحقيق أهدافه الاقتصادية ليست بجديدة على السوق السعودية, فقد تأثرت من قبل ما كانت تعرف بـ "سكيكو" أو "كهرباء الشرقية" بـ "أرامكو" في الشؤون التشغيلية، ولم يسعف الوقت "الكهرباء" أن تتأثر بـ "الإلكترونيات المتقدمة" في الشؤون التنظيمية، وقد تتأثر "السعودية" بـ "الاتصالات" في الشؤون الهيكلية.
هذا التأثر هو إحدى النظريات الاقتصادية الفاعلة لتحقيق الربحية. تسمى هذه النظرية نظرية "اعتماد المسار". وهي نظرية تعني أن الأهداف الاقتصادية للمنظومة المتأثرة تعتمد على استثمار الفجوات التي أغفلتها المنظومة المؤثرة. تتجه المنظومة المتأثرة إلى قراءة تجربة المنظومة المؤثرة في محاولة لمعرفة الفجوات بهدف استثمارها، والتي لا تتحقق إلا بالسير على مسار المنظومة المؤثرة نفسه.
المفيد في هذه النظرية، من جهة، توجه المنظومة المؤثرة إلى معالجة الفجوات التي أغفلت في الماضي بهدف التطوير، وانطلاقا من قاعدة "بيدي لا بيد عمرو". ومن جهة أخرى، أن المنظومة المتأثرة تواجه تحديات عندما تنحرف عن مسار المنظومة المؤثرة قبل تحقيق الأهداف الاقتصادية. يكمن تحدي "اعتماد المسار" على مستوى الاقتصاد المحلي في تضاؤل فرص تحقيق الأهداف الاقتصادية مع تزايد أعداد المنظومات المتأثرة بالمنظومة المؤثرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي