عطش العالم للطاقة لن يرويه .. إلا المطر!!
<a href="mailto:[email protected]">a@aalhajji.com</a>
الخبر الأول
أعلنت شركة أناداركو Anadarko الجمعة الماضي أنها قررت شراء شركة كير مجي Kerr-McGee Corp المعروفة بمبلغ 16.4 مليار دولار وشركة وسترن غاز رسورسس Western Gas Resources Inc بمبلغ 5.3 مليار دولار.
التعليق
قد يستغرب البعض من هذا الاندماج في فترة ارتفاع أسعار النفط، لأن أغلب حالات الاندماج يتحدث في فترة الأسعار المنخفضة، كما حدث في عامي 1998 و1999 حيث اندمجت عشرات الشركات النفطية مع بعضها. لكن الواقع أن هذا الاندماج لا علاقة له بالنفط على الإطلاق. سبب الاندماج هو الغاز الطبيعي في الأراضي والمياه الأمريكية.
من الواضح أن شركة أناداركو تتوقع استمرار ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي خلال السنوات المقبلة بسبب عدم مواكبة الإنتاج الطلب من جهة، وعدم إمكانية استيراد المزيد من الغاز الطبيعي على المديين القصير والمتوسط. أما على المدى الطويل فإن واردات الولايات المتحدة من الغاز المسال لن تشكل إضافة مهمة بسبب انخفاض واردات الغاز الكندي لأن الكنديين سيستخدمون الغاز في إنتاج النفط من الرمال النفطية.
ويتضح من قرار "أناداركو" شراء هاتين الشركتين أن إعصاري كاترينا وريتا قد لعبا دوراً في هذا القرار, لأن جزءاً كبيراً من احتياطيات الغاز يقع داخل الولايات المتحدة في جبال الروكي وولاية يوتا، بينما اشتهرت شركة كير مجي بتكنولوجيا التنقيب عن النفط في المياه العميقة في خليج المكسيك. لذلك فإن هذا الاندماج منطقي جداً وسيؤتي ثماره على المدى الطويل، رغم أن السعر الذي دفع لشراء هاتين الشركتين أكبر من سعرهما السوقي بنحو 40 في المائة. المشكلة التي قد تواجه الشركة هي أن منطقة جبال الروكي ويوتا تعاني من جفاف ونقص شديدين في المياه، الأمر الذي قد يمنع الشركة في بعض السنوات من إعادة ضخ المياه في المكامن لتعظيم الإنتاج. في هذه الحالة، زيادة المطر ستسهم في زيادة إنتاج الغاز!
الخبر الثاني
قام رئيس الوزارء الصيني وين جيابوا في الأسبوع الماضي بزيارة سبع دول إفريقية نفطية خلال سبعة أيام هي: أنغولا, الكونغو, غانا, تنزانيا, أوغندا, جنوب إفريقيا, ومصر. هذه الزيارة تأتي بعد زيارة الرئيس الصيني هو زين تاو لكل من: نيجيريا, المغرب, وكينيا. ما يميز هذه الدول أنها كلها مصدرة للمواد الأولية، خاصة النفط. هناك استثمارات صينية ضخمة في مشاريع نفطية في عدد من الدول الإفريقية, خاصة السودان, نيجيريا, أنغولا, والكونغو.
التعليق
ركز أغلب المحللين على الجانب السياسي لهذه الزيارات وهذه الاستثمارات الصينية, فقالوا إن الصين تحاول شيئاً فشيئاً أن تعزز من قوتها السياسية عالمياً لتصبح في مصاف الدول العظمى. ولكن لماذا يرتبط الأمر دائما بالنفط؟ يرى آخرون أن الاستثمار الصيني في مجال النفط حول العالم نابع من سياسة تعزيز أمن الطاقة منذ أن أصبحت الصين مستوردة للنفط في أوائل التسعينيات. ولكن آخرون يردون على ذلك، ومنهم مسؤولون سعوديون، بأن الاستثمار خارج الصين لا يعزز من أمن الطاقة الصيني، خاصة أن أغلب إنتاج الشركات الصينية يذهب إلى السوق العالمية ولا يذهب إلى الصين على الإطلاق. إذاً لماذا تستثمر شركات النفط الصينية مليارات الدولارات في إفريقيا ووسط آسيا وغيرهما؟
الواقع أن الصين قلقة بشأن أمن إمدادات النفط لأن انخفاض الإمدادات سيعطل دوران عجلة النمو في الاقتصاد الصيني. ولكن الصين ليست قلقة بشأن توقف الإمدادات بسبب المشاكل السياسية في الشرق الأوسط، كما يرى الغربيون. يرى الخبراء الصينيون أن أكبر خطر على إمدادات الطاقة الصينية هو الولايات المتحدة. فأغلب الدول النفطية يقع تحت مظلة الولايات المتحدة، كما أن أساطيل الولايات المتحدة وحلفائها تسيطر على الملاحة العالمية. لذلك فإنه يمكنها تخفيض واردات النفط الصينية أو وقفها تماماً، سواء في حالة مواجهة بسبب تايوان، أو لأسباب أخرى. بناء على هذا الاعتقاد قامت شركات النفط الصينية بالاستثمار حول العالم. المثير في الأمر أنه لو نظرنا إلى خريطة الاستثمارات لوجدنا أن أغلب استثمارات الصين يقع في البلاد التي يندر فيها وجود نفوذ أمريكي، وذلك يتضمن إيران والسودان وبعض دول وسط آسيا وفنزويلا وكوبا وعددا لا بأس به من الدول الإفريقية الفقيرة. نعم، أغلب النفط الذي تنتجه الشركات الصينية يذهب إلى الولايات المتحدة وأوروبا، وهذا هو بيت القصيد: أي استخدام لسلاح النفط للضغط على الصين لن يؤتي ثماره لأنه بإمكان الصين أن توقف ضخ النفط إلى هذه البلاد!
المشكلة التي تواجه الصين هي أن هناك أدلة تاريخية على أن الجفاف في الدول الإفريقية أثر في إنتاج النفط فيها، كما أنه أثر في ربحية الشركات. كما أدى الجفاف في بعض البلاد إلى حروب أهلية وزيادة القلاقل السياسية، الأمر الذي أدى عادة إلى تخفيض الإنتاج. نعم، المطر في هذه البلاد يسهم في زيادة إنتاج النفط!
الخبرالثالث
أعلنت شركة النفط البريطانية (بي بي) في الأسبوع الماضي، أنها اتفقت مع شركة دو بونت على إنتاج وتسويق الجيل الثاني من الوقود الحيوي من الشمندر السكري، وربما من القمح فيما بعد. هذا الوقود يخلط مع البنزين أو يستخدم بدلاً منه.
التعليق
جاء توقيت الإعلان عن هذا المشروع، إضافة إلى مشاريع الإيثانول في الولايات المتحدة، في وقت سيئ للغاية, حيث إن أغلب المناطق الغربية في الولايات المتحدة يعاني من جفاف شديد يهدد محاصيل القمح والذرة وغيرها. ماذا سيحصل للعالم لو تمت فعلا زيادة الاعتماد على هذه المحاصيل الزراعية ثم توقف المطر! وهل يعتقدون أن الدول النفطية ستستثمر في طاقة إنتاجية فائضة لاستخدامها عندما يتوقف المطر؟
الحقيقة أن الوقود الحيوي لا يمكن أن يكون بديلاً للنفط حتى في وقتنا الحالي الذي بلغت فيه أسعار النفط 70 دولارا للبرميل. فكل من المزارع الذي ينتج الذرة، والمنتج الذي يستخلص الإيثانول من الذرة، ومستخدم الإيثانول يحصل على إعانات حكومية. لو كان الإيثانول منافساً جيدا للنفط، لماذا كل هذه الإعانات؟
قد يحتج البعض بنجاح الإيثانول في البرازيل. ولكن هؤلاء يتناسون حقيقة مهمة، وهي أن الإيثانول في البرازيل ينتج من قصب السكر، وقصب السكر لا يمكن إنتاجه في الولايات المتحدة بكميات تجارية. قصب السكر يحتوي على ثمانية أضعاف كمية الطاقة الموجودة في الذرة. إضافة إلى ذلك فإن أجور العمال منخفضة في البرازيل مقارنة بأمريكا الشمالية وأوروبا الغربية.
بفرض نجاح هذه المشاريع فإنه من الواضح أن عطش العالم للطاقة لن يرويه إلا .. المطر!