بنك الجزيرة خطوة إيجابية نحو الأعمال الخيرية
<a href="mailto:[email protected]">nsabhan@hotmail.com</a>
أضم صوتي إلى صوت زميلي الكاتب الاقتصادي المميز وصاحب العبارة السلسة في هذه الصفحة، صفحة الرأي في هذه الجريدة "الاقتصادية" الدكتور مقبل الذكير فيما أشار إليه في مقالته "البنوك والناس" يوم السبت الماضي وإشادته بما أقدم عليه بنك الجزيرة من خطوة إيجابية تستحق الإشادة والتنويه حين خصص 100 مليون ريال من أرباحه لإنفاقها في الأعمال الاجتماعية والخيرية، فهذه ولا شك خطوة إيجابية تحسب في رصيد البنك المعنوي قبل المادي، وأتفق معه أكثر بالمطالبة بأن يوظف هذا المبلغ في تقديم خدمات نافعة ومستديمة من خلال تبني مشاريع خيرية ذات مردود على المجتمع الذي يعمل فيه كإنشاء مؤسسات تعليمية متخصصة في الأعمال البنكية والمالية مثلا تحتضن الشباب وتؤهلهم لسوق العمل بمقابل مادي رمزي يتيح لشباب الطبقة الفقيرة على وجه الخصوص، وكذلك الوسطى ممن لا تكون قادرة على تحمل أعباء مبالغة بعض المؤسسات التعليمية الخاصة بالرسوم المطلوبة بعد أن تكون الجامعات والكليات الحكومية اكتفت كالعادة بالقليل بحجة القدرة الاستيعابية وغيرها من الحجج الأخرى، أيضا لعل خطوة بنك الجزيرة تفتح الباب وتحرج بقية البنوك التي تكتنز الأرباح المهولة التي تحققها وتجنيها من أفراد المجتمع دون أن يقتطع منها شيء لتقدم من خلالها خدمات يفرضها واقع استفادتها الكاملة من ودائعهم، التي يحجم الغالبية عن أخذ فوائد عليها لحرمتها كما يعتقدون، وهو ما يجعل البنوك السعودية تحظى بميزة لا تحظى بها بنوك العالم الأخرى، كما أنها معفاة من الضرائب التي تفرضها الحكومات مقابل تسهيل أعمالها، وهذا العمل ليس إلا تكفيرا وتطهيرا لمغالاتها في فرض العمولات والفوائد على ما تسميه بالخدمات والتسهيلات البنكية من خلال القروض أو بطاقات الائتمان واستفادتها من مميزات العمل في بلد كالمملكة.
مقابل هذه الخطوة الإيجابية التي ذكرناها، ومع هذه الإشادة المستحقة لبنك الجزيرة لما أقدم عليه من سابقة خيرية ومساهمة واجبة عليه للمجتمع الذي يعمل فيه ويجني منه أرباحه، وما دام الشيء بالشيء يذكر، أقدم البنك نفسه الذي أشدنا به وبخطوته الإيجابية على خطوة سلبية لافتة للنظر ومثيرة للجدل أو هكذا يفترض، ففي اجتماع الجمعية العمومية لبنك الجزيرة الأسبوع الماضي، وحسب ما نشر وما طالعته خصوصا في "الاقتصادية" التي تتابع مثل هذه الأخبار وتغطيها بتميزها المعروف، فقد وافقت الجمعية العمومية على صرف أرباحها، والمتمثلة في توزيع أسهم على المساهمين، وهذا لا شيء فيه يلفت النظر أو يثير الجدل، إلا أن ما يثير الكثير والكثير من علامات التعجب والاستفهام هو صرف الأرباح المالية للمساهمين، وهنا الطامة الكبرى، فقد قررت الجمعية العمومية للبنك صرف ثلاثة ريالات للمساهم السعودي وأربعة ريالات و48 هللة للمساهم الأجنبي..!! وإذا كان الأمر هو هكذا فعلا، وأن ما نشر كان صحيحا ولا خطأ فيه، فإنه بلا شك محل سؤال، فما الحكمة من هذا التفريق في توزيع الأرباح بين المساهم السعودي والمساهم الأجنبي.؟ وما المبررات المالية والنظامية التي تعطي المساهم الأجنبي زيادة في الأرباح المادية بما يوازي 50 في المائة على ما يحصل عليه المساهم السعودي؟ الحقيقة كان الأمر محيّرا، بل ومستفزا لي كمواطن، فالسائد في كل دول العالم أنه إذا كانت هناك مميزات فهي للمواطن وليس للأجنبي الذي له حقوق بلا شك، ولكن ليس منها مثل هذه الميزة، أقول ذلك وأنا لا ناقة لي ولا جمل في الموضوع، فلست مساهما ولا علاقة لي بالبنك إلا من خلال جهاز الصراف فقط، ولكن هذه التفرقة الصارخة في توزيع الأرباح المادية وبهذا الفارق الكبير ألا تثير الاستغراب وتدعو إلى الاستثارة، خصوصا أنه لم يصدر البنك وقتها مبررات نعتقد مقدما بأنها لن تكون مقبولة مهما كانت؟
في غياب تام للتوضيح من قبل بنك الجزيرة على ذلك الإجراء الغريب فعلا، هناك من قال متوقعا بأن زيادة الريال وثمانية وأربعين هللة المضافة على أرباح المساهم الأجنبي هي أريحية تعكس مبالغة في الكرم السعودي إذا استبعدنا أمورا أخرى مثل أن الطرف الأجنبي عرف كيف أخذ ما يزيد على حقوقه الطبيعية، فقد يكون البنك أخذ في اعتباره ما سوف يدفعه المساهم الأجنبي من ضرائب في بلاده، فأراد أن يعوضه بهذه الزيادة..!!! إن صح هذا التفسير فالمصيبة أعظم والداهية أكبر، فهل بنك الجزيرة السعودي معني أو ملزم بأن يتحمل مصاريف ضرائب دولة أخرى..!!؟ أليست الدولة التي ينتسب إليها ويعمل فيها ويجني منها أرباحه أولى وأحق من البلد الأجنبي؟.!! بل كيف وافق المساهم السعودي على أن يتم ذلك تحت بصره وموافقته دون أن يعترض ويرفض أن يحمل ما ليس مسؤولا عنه؟!! هذه أسئلة تستدعيها غرابة هذا الإجراء بكل ما فيه من استثارة وإثارة.
حتى يصدر توضيح مقنع، وأجزم بأن ليس هناك أي تفسير مقنع، نقول: إن هذه سابقة خطيرة تمس مصلحتنا الوطنية وتؤدي إلى ما يشبه الوصاية الخارجية على مصادر الدخل في بلادنا، خصوصا أن هناك عددا من البنوك السعودية تعمل بشريك أجنبي، فهل سوف تعامل كل هذه البنوك شركاءها الأجانب نفس معاملة بنك الجزيرة لشريكها الأجنبي؟..!! الأمر في حاجة إلى تدخل ومراجعة من جهة مسؤولة مثل مؤسسة النقد التي إن كانت تعلم وتوافق على ذلك، فيجب أن تكون تحت المساءلة وبحدة عن صلاحياتها في الصمت والموافقة على أمر يمس المصلحة الوطنية، وكيف سمحت بهذا التعامل مع المساهم السعودي في بلده ومن خلال مؤسسة مالية سعودية بما يعطي الشريك الأجنبي حق فرض وصايته وشروطه.