مجلس التعاون ونظام التنظيم الصناعي الموحد

لا يُذكر مجلس التعاون الخليجي إلا وأسأل أين التعاون؟ وماذا فعل المجلس؟ منذ تأسس هذا المجلس كنا ومازلنا نتطلع إلى إنجازات وطموحات أكبر لصهر الخلافات والاختلافات وإذابة الحواجز والخوف وزيادة التعامل والمحبة بين مواطنيه. ومن المؤسف حقا أن يبدأ مجلس الاتحاد الأوروبي بعده بسنين وينجز ما نراه من إنجازات, فلم يزل الحدود السياسية ولكن فتحها كأنها غير موجودة وفتح مجال العمل والتنقل للمواطنين والمقيمين والسائحين وألغى العملات واكتفى باليورو كعملة موحدة للجميع وتفاوض مع دول العالم كدولة أو وحدة واحدة. وبهذا اشتد ساعده وحقق ما يصبو إليه من أهداف مع وجود كثير من الفوارق في اللغات والعادات والأنظمة والرعاية الصحية والمستوى المادي وغيرها. ومع هذا يبذل المجلس قصارى جهده في تذليل العقبات بالمناقشة والحوار وبناء الثقة في المجلس وأهدافه, وكلما زادت المنفعة للمواطنين كلما تنازل بعضهم عن بعض ميزاتهم مقابل الحصول على مصالح أعم للشعوب المشاركة جميعها. فمجلسنا أولى بذلك, ولا مانع في وضع بعض الشروط لأوقات زمنية محددة حتى تستكمل بعض الدول شروط المجلس وسيستفيد كثيرا بانضمام اليمن إليه كما سيستفيد اليمن الشقيق أيما استفادة.
ومن أوائل المتطلبات هي علاقة دول المجلس مع بعضها البعض ومع دول العالم وكذلك روابطها الأمنية تأتي في المقدمة ثم العلاقات الاقتصادية وأنه ليس من الصعب تناولها وتوحيدها والإسراع فيها. ولقد سررت بإطلاعي على قانون (نظام) التنظيم الصناعي الموحد لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية فإنه خطوة في المسار الصحيح. وبدون أن أذكر التفاصيل فإن هذا النظام سيوحد القاعدة العامة للمستثمرين الصناعيين في دول الخليج العربية.
ولقد اعتمد مجلس الوزراء السعودي هذا النظام وعلى معالي وزير التجارة والصناعة الإسراع في إصدار اللائحة التنفيذية حيث ترك النظام للائحته كثيرا من الصلاحيات. وعلينا ألا ننتظر لوائح الدول الأخرى بل نبدأ بلائحتنا ومن الواجب أيضا عرضها على دول المجلس عسى أن تتبناها أو تضيف إليها ما نضيفه إلى لائحة النظام. وتمنيت ألاَّ يصدر نظام إلا ولائحته معه حتى يعتمد كلاهما ويكونا جاهزين للتنفيذ.
ومن الجديد في النظام إنشاء إدارة للسجل الصناعي تقيد فيه كل المشاريع المرخصة التي تم تنفيذها وتشغيلها, وتحدد اللائحة التنفيذية الشروط والإجراءات الخاصة بهذا السجل وتسلم إلى صاحب المشروع الصناعي شهادة قيد في السجل الصناعي تجدد دوريا. وبالتأكيد سيكون هذا السجل بدلا عن الترخيص الصناعي الذي لا يجدد ولا يتابع إلا إذا رغب المالك في طلب توسعة أو بيع حصته, وسيعطى هذا السجل الصناعي, عند تجديده دوريا, الوزارة فرصة أكبر في تجديد المعلومات من عمالة ومواد خام وخسائر وأرباح وحتى التغيير في إدارة المنشأة وخريطة لموقعه, حيث إن بعض الصناع اليوم يأخذون الترخيص ويصعب متابعتهم لعدم تحديث معلوماتهم لسنوات عديدة.
ولقد حدد النظام المشاريع التي تمنح الأولوية في الحصول على المزايا والإعفاءات للمشاريع الصناعية كما أعطى النظام الوزير أو من يفوضه اتخاذ الإجراءات المناسبة لمنح المشروع الصناعي كل أو بعض الإعفاءات كليا أو جزئيا من الرسوم الجمركية على واردات المشروع وذلك وفقا لضوابط "إعفاء مدخلات الصناعة" المتفق عليها في إطار مجلس التعاون. والإعفاء كليا أو جزئيا من جميع الضرائب بما فيها ضريبة الدخل وذلك وفقا لأنظمة كل دولة وإعفاء صادرات المشروع الصناعي من ضرائب ورسوم التصدير وأية إعفاءات أخرى يتفق عليها في إطار مجلس التعاون. فهل سيعطى الوزير هذه الصلاحيات المنصوصة في النظام وإن كان بعضها قائما اليوم. أي يجب أن تحدد هذه الصلاحيات وشروطها مادام مجلس الوزراء اعتمد النظام أم سيكون هناك خلاف عليها ولم أجد مبررا لتقييد النظام بعبارة "وفقا لأنظمة كل دولة" فلماذا لا توحد هذه الأنظمة الآن وخصوصا فيما يتعلق بالتجارة والصناعة والمزايا المقدمة, لأنه ليس من العدل أن يُعفى مشروع صناعي في إحدى دول المجلس من ضريبة الدخل أو جزء منها وتعفى صادراته من الرسوم ويصدر إلى دولة أخرى في المجلس يدفع المشروع الصناعي المنافس فيها جميع الضرائب والرسوم, فلن يكون هذا عدلا ولا مساواة بين المسستثمرين الصناعيين. لذلك يجب أن يتفق في جميع دول المجلس على ما يعفى ولا تكون هناك ميزة لدولة على أخرى لأن نظامها مثلا يحتوى على نسبة أقل من الضريبة على المستثمر الأجنبي أو الضريبة. وهذا المطلب سيجبر دول المجلس على أن توحد أنظمتها بقدر الإمكان وإلا فلا داعي لهذه الأنظمة وتبقى صورية تظهر التعاون وعند التطبيق كل يطبق ما لديه من أنظمة أو لوائح وتتسع الشقة والتنافس غير العادل بين المصانع في دول المجلس.
كما أعطى النظام الوزير أو من يفوضه أو الجهات المختصة في الدولة منح المشروع الصناعي كل أو بعض المزايا التي منها تخصيص قطعة أرض مناسبة أو تأجير المباني التي تنشئها الدولة اللازمة للمشروع بشروط تشجيعية وتوفير الكهرباء، الماء، الوقود، الطاقة، والمرافق الأخرى اللازمة بأسعار تشجيعية. وهذا عطاء جيد ولكن هل سنرى سريعا هنا في المملكة صدور قرارات واضحة تلتزم فيها الدولة بقرار واضح التزامها بتوصيل الكهرباء، الماء، والخدمات الأخرى للمدن الصناعية القائمة أو المستحدثة أو المطورة من قبل القطاع الخاص أم سيترك الأمر على ما هو عليه حتى تزداد الفرص الضائعة للاستثمار في المملكة؟ وهل نتطلع إلى أن تقوم الدولة أو القطاع الخاص ببناء مبان جاهزة لصغار المستثمرين أو الحرف المهنية أو مناطق التقنية الجديدة أو تكنولوجيا المعلومات بأجور مشجعة ولو مؤقتا.
وقد أعطى النظام الوزير بأن يأمر باتخاذ الجزاءات الإدارية على المشاريع الصناعية المخالفة لأحكام النظام وفقا للائحته التنفيذية بما في ذلك إغلاق المشروع الصناعي. وقد وضع النظام شروطا على كل صاحب مشروع صناعي مثل الالتزام بمطابقة منتجاته المواصفات والمقاييس المعتمدة أو لوائح السلامة والأمن الصناعي والصحة العامة وتدريب العمالة الوطنية وغيرها من شروط. ولم أجد شرط الالتزام بنظام العلامات التجارية حيث إن بعض المصانع في دول المجلس تعتدي على العلامات التجارية المسجلة للغير وتصدرها إلى الدول المجاورة أو تبيعها في وطنها. وهذا من أسباب الغش التجاري المنتشر والذي يجب على أمانة المجلس إعادة النظر فيه ووضع الشروط الكفيلة بمحاربته في جميع دول المجلس.
وأخيرا، وجدت تضارباً بين المادة الرابعة عشرة والخامسة عشرة أو لم أستوعب فهمهما فالأولى تنص على أن تشهر المعلومات والبيانات المتعلقة بالمشاريع المقيدة في السجل الصناعي وفقا لما تحدده اللائحة التنفيذية في السجل الصناعي بينما تنص الأخيرة على أن السجل الصناعي من المحفوظات السرية ولا يجوز لغير المختصين من موظفي الإدارة أو الجهات القضائية الإطلاع على محتوياته, كما لا يجوز تداول البيانات والمعلومات المقيدة في السجل الصناعي أو استخدامها إلا وفقا للأوضاع المقررة في هذا النظام. عسى أن تشرح اللائحة التنفيذية هذا الغموض أو التضارب، حيث إن الترخيص الصناعي والسجل التجاري في المملكة ينشران ويعممان اليوم سواء في كتيبات الوزارة أو في كتيبات الغرف التجارية.
مرة أخرى هذا النظام خطوة إلى الأمام إذا طبق ووحدت لوائحه بين دول المجلس وعدلت الأنظمة الأخرى المتعلقة به وبالصناعة الخليجية. ونحن هنا في المملكة بين الوزير المخضرم ووكيله المتحفز نتطلع إلى قرارات سريعة وطموحة في دعم الصناعة السعودية والصناعيين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي