العودة للوسط

<a href="mailto:[email protected]">Bader1001@yahoo.com</a>

تمر المدن في العالم بمراحل نمو تشبه إلى حد بعيد مراحل النمو التي يمر بها الإنسان نفسه, فهي تبدأ صغيرة ضعيفة ثم تنمو مع الزمن إلى أن تصبح قوية مكتملة النمو, تؤثر فيما حولها من المدن الصغيرة وتستقطب جل الاهتمام وحدها, ولكنها ما تلبث أن تظهر عليها ملامح الشيخوخة من تهالك في مبانيها وتسدد في شرايينها وتبدأ الأمراض تدب بها من كل جانب, فيكثر الفقر وتتفشى الجريمة وتنحسر الأواصر الاجتماعية فيها, وما أن يدرك أهلها ما آلت إليه حتى يسرعوا بهجرانها فيحزموا أمتعتهم ويشدوا رحالهم إلى مدن جديدة صغيرة يجذبهم إليها ريعان شبابها والأمل في حياة سعيدة تخلو مما خلفوه وراءهم من ضيق وعجز وشقاق. بعد أن يهجر هؤلاء الناس مدينتهم - التي شاخت بعد ما عاشت لخدمتهم سنين طويلة - يعقبهم عليها من لا تربطهم بها صلة ولا مودة, فينزعون عنها كل ما بقي لها من عزة وكرامة دون أن يهب أهلها لإنقاذها إلا من قلة يرمون عليها نظرات الشفقة كل ما أجبروا على المرور بالقرب منها.
إن ما تمر به البلاد الآن من نمو مطرد يحتم علينا إعادة النظر في سياسة الهجران التي نتبعها منذ أكثر من 30 سنة, فكلما ضاقت بنا مدننا وأحياؤنا, نزحنا عنها وتركناها إلى غيرها ثم ما نلبث أن نرحل مرة أخرى مخلفين وراءنا المزيد من الأطلال. إن إمكاناتنا اليوم تسمح لنا بأن نعيد بناء أحيائنا بطريقة جديدة من خلال إنشاء شركات عقارية يسهم فيها ملاك العقارات في تلك الأحياء وعموم المواطنين, ثم تزال جميع تلك الأبنية ويبنى عوضاً عنها مبان حديثة بمرافق تضاهي ما هو موجود في مدن العالم, فالرياض ومدن المملكة الأخرى ليست عاجزة عن أن تكون أفضل المدن وأجملها. إن مثل هذه الأفكار ليست جديدة علينا فقد سبق أن نفذناها في مكة والمدينة وها هي الآن تنفذ في بيروت القديمة ومدن أخرى كثيرة.
إن الوقت موات الآن لإنشاء مثل هذه الشركات, فهي سوف تعيد الحياة لمدننا وترفع من دخل أصحاب الممتلكات في تلك الأحياء وتوفر المساكن والمكاتب التي يتزايد الطلب عليها يوماً بعد يوم, وتصنع الكثير من فرص الاستثمار للمواطنين وتوفر على الدولة مليارات الريالات من خلال إعادة استخدام البنية التحتية والتقليص من الحاجة إلى بناء المزيد منها في الأحياء البعيدة وتوفير الكثير من الوقت والمال على من سيسكنون هذه الأحياء التي تتوسط كل ما يمكن أن تقدمه المدينة من خدمات, إضافه إلى تخليص المدينة من مستنقعات الفقر والجريمة.
إن هذه الأحياء لا يمكن لها أن تتغير من تلقاء نفسها دون أن يكون هناك قرار حكومي يأخذ المصلحة العامة في الحسبان ويفتح المجال أمام القطاع الخاص للاستثمار في بلده بنهج جديد بعيد عن البيروقراطية ومشجعاً للأساليب الحديثة في التنمية والعمران.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي