في سوق الأسهم.. بعض الوعي وعيٌ ماحق.. (1 من 2)
<a href="mailto:[email protected]">Abdalaziz3000@hotmail.com</a>
تصنف الاستثمارات بدرجة خطورتها لا بدرجة ربحيتها، لذا فإننا نسمع عن أسواق أو صناديق أو محافظ (قليلة أو متوسطة أو عالية المخاطر)، ولم نسمع عن أسواق أو صناديق أو محافظ قليلة أو متوسطة أو عالية الأرباح، وذلك لسبب مهم جدا، وهو أن الخسارة محزنة وتثير المشاكل, أما الأرباح فمفرحة ولا يترتب عليها أي مشاكل على مدير الاستثمار، لذا فإن كل مدير استثمار يقدم المخاطر على الأرباح حتى تحكم عقلك لتحلل وتشخص وتقرر بدل أن تقرر من خلال عواطفك التي قد يقودها الطمع.
المال عديل النفس، لذا فإن استثمار الأموال وهو نوع من أنواع المقامرات Ventures يجب أن يكون مدروسا بشكل عقلاني لكي لا نفقده بجهلنا، والجهل قد يكون كليا أو جزئيا، أي أن الوعي قد يكون كليا أو جزئيا، وهنا أود أن أوضح أن الوعي الاستثماري الجزئي أشد خطورة من انعدام الوعي الاستثماري بشكل كامل، ذلك بأن الجاهل يعرف أنه أقرب للخسارة منه للربح عندما يستثمر في شيء يجهله فيحجم عن الاستثمار المباشر، بينما أنصاف الواعين يظنون أنهم قد حازوا المعرفة كلها فتجدهم يقدمون على الاستثمار المباشر بشجاعة مما يجعل أموالهم أقرب للضياع منها للربح, لأنهم بكل تأكيد أغفلوا عوامل كثيرة تتعلق بمدى مخاطرتهم، بمعنى أن مقامرتهم غير محسوبة وبالتالي فليس لديهم خطط علاج سريعة لتلافي أخطار هذه المقامرة.
وباختصار أقول إن الوعي الكامل يؤدي إلى تقليل المخاطر إلى أقل درجة ممكنة, بينما الجهل الكامل سيؤدي إلى الابتعاد الكامل عن الاستثمار المباشر وإعطاء الخبز لخبازه، بينما بعض الوعي هو الوعي الماحق للمال لأنه سيؤدي للإقبال على الاستثمار المباشر مع إغفال الكثير من المتغيرات ذات الآثار الجوهرية على الاستثمار، وللعلم فإن المتغيرات التي تؤثر في عوائد الاستثمار كثيرة ومتنوعة ومعقدة وتحتاج إلى خلفيات معرفية للتعرف عليها وعلى العلاقة بينها ومدى وكيفية تأثير كل متغير.
وإذا طبقنا ذلك على سوق الأسهم نجد أن معظم السيولة التي يتم تدويرها في سوق الأسهم تعود لمستثمرين أفراد بخلاف ما هو متعارف عليه عالميا, حيث تعود معظم السيولة لمؤسسات استثمارية، وهذا يعني أن عدد المحافظ الفردية كثيرة جدا (نحو ثلاثة ملايين محفظة استثمارية) وهذا خلل هيكلي يشكل بؤرة مشاكل مستمرة، وما هذا الاختلال – حسب اعتقادي - إلا نتيجة لتحقيق معظم المستثمرين أرباحا في سوق الأسهم ببعض الوعي نتيجة الاتجاه التصاعدي للسوق منذ منتصف عام 2003م، وهذه حالة استثنائية ما لبثت أن تلاشت، حيث ضاعت أرباح هؤلاء وأجزاء كبيرة من رؤوس أموالهم بعد انهيارات شباط (فبراير) 2006م، حيث رجعت الأمور إلى طبيعتها لتثبت للجميع أن بعض الوعي وعي ماحق، فهل اتعظنا؟
الواقع يقول لعم، أي لا ونعم معا، فمنا من لم يتعظ ولم يستوعب الدرس واستمر في الاستثمار المباشر في سوق الأسهم، وهي سوق عالية المخاطر نسبة إلى الأسواق الأخرى، والبعض الآخر اتعظ من الدرس وعاد إلى مهنته الأصلية وإلى الاستثمار غير المباشر من خلال المؤسسات الاستثمارية، وللعلم فإن لكل منهم مبرره.
ولعل قائل يقول ماذا تريد أن تقول؟ وماذا تريد أن نفعل؟ وهل تريد أن نهجر سوق الأسهم مثلا؟ وللجواب على ذلك أقول إنه يجب أن نعرف أولا بأننا جميعا نسعى لتنمية مدخراتنا مهما كان حجمها لتساعدنا على توفير متطلبات الحياة الكريمة، وهذا حق لكل نسعى وتسعى الحكومة لتحقيقه، ولكن قبل أن نستثمر أموالنا علينا أن نرفع درجة وعينا الاسثتماري لنتعرف على البدائل الاستثمارية وإمكانية الاستثمار في هذه البدائل بشكل مباشر أو غير مباشر وأيهما أفضل (أقل مخاطرة).
كما أود القول إن الاستثمار في سوق الأسهم من البدائل الاستثمارية الجيدة, حيث تعتبر الأسهم أصولا متداولة تحقق عوائد سنوية مناسبة ويمكن تسييلها بسهولة في ثوان معدودة، ولكن يجب أن لا ننسى أن سوق الأسهم هي السوق الأكثر خطورة، لذا فإن الاستثمار المباشر فيها يتطلب معرفة كاملة بالمتغيرات التي تؤثر في أسعار الأسهم وعوائدها كافة، وهذه قضايا معقدة لا يمكن لفرد غير متخصص النجاح فيها في الظروف الطبيعية والدلائل المحلية والعالمية تؤكد ذلك.
إذن هل نخرج من سوق الأسهم؟ الإجابة لا، لأننا نستطيع أن نحقق أرباحا إذا عرفنا متطلبات الاستثمار المباشر وغير المباشر، لنحدد إذا كنا نستطيع أن نحقق متطلبات أي منهما، لكي نختار الأنسب، وإذا حددنا أن نستثمر استثمارا مباشرا، فهل نستطيع النجاح بمفردنا؟ أم أننا نحتاج لمشورة إحدى المؤسسات المالية التي تقدم خدمات المشورة التي رخصت لها هيئة السوق المالية أخيرا؟
ختاما أود القول إن سوقا مالية ناضجة تستدعي مستثمرين ناضجين يحملون من الوعي ما يمكنهم من تنمية أموالهم بشكل مباشر أو غير مباشر بمعرفة المتغيرات كافة التي تؤثر في تلك السوق ودرجة تأثير كل متغير (سنتعرض لها في المقالة المقبلة)، وإمكانية متابعة تغير تلك المتغيرات، وهذا ممكن لعدد محدد من المتخصصين أو المهنيين المحترفين، لذا فإنه من الأفضل لعموم المستثمرين وخاصة غير المتفرغين اللجوء إلى الاستثمار غير المباشر من خلال المؤسسات المالية المرخص لها، وأكرر المرخص لها، أو الاستعانة بمكاتب المشورة التي يمكن أن تخفض درجة المخاطرة إلى أقل درجة ممكنة.