تطوير مجلس الشورى.. الأمل المرجّى من ولي الأمر
لقد تفاءل المواطنون بوجود مجلس الشورى عندما أحسوا بأن ثمة من يمثلهم ويتفاعل مع قضاياهم، ويحمي مصالحهم.. وقد كان بزوغه بتكوينه الحديث نقطة تحول حضاري في تاريخ المملكة، تمثل إحساس القيادة بواجبها ورغبتها تجاه إسعاد المواطن، واكتمال توفير الخدمات له، وتحقيق العدالة والشفافية فيما يمارس من أجله، وأن يكون المجلس مصدر اطمئنان للقيادة في اتجاه خدمة المواطن في إطار ما ينبغي القيام به، في التشريع والرقابة والمتابعة، وكممثل للمواطنين، يرعى شؤونهم، ويوصل صوتهم للقيادة.. يتحرى أوجه الإصلاح التي ينادي بها ولي الأمر ليشير بها عليه، ويساعد على تأطيرها وبلورتها، ووضع البرامج، واقتراح الآليات الملائمة لتنفيذها.
ومن هذا المنطلق فإن قلوب المواطنين كانت، وما زالت، منفتحة للمجلس، وآمالهم متعلقة به، وتطلعاتهم، إلى ما ينجزه، تكبر مع إشراقة كل شمس وكل يوم يطلع يشعرهم بدنوهم منه، وقربه من تحقيق ما يصبون إليه!!.
إن آمال المواطنين في المجلس لا تحدها حدود، ولا تقف أمامها سدود، آمال تتسع باتساع الوطن، وتمتد عبر امتداد الزمن، تذكيها الثقة حماسا، ويعمقها الولاء إحساسا، تقوى بالتواصل، وتزدان بالتكامل، لا غرو إن غردت لها الآفاق، واستقرت من المواطن في الأعماق!! ألم يكن هدية الراعي للرعية، ليكون المهدى إليه أمانة الهدية؟!
نظرة إلى ما تحمله الصحف، ووسائل الإعلام، من طلبات ومثلها ما تحمله العرائض التي تقدم للمجلس، من رجاءات واقتراحات، تعطي الدليل القاطع على تعاظم الآمال في المجلس، بعد أن فقدها المواطن، أو كاد، في بعض الأجهزة التي أنشئت من أجله، كما تعطي دليلا أكبر على تعاظم ثقة الناس فيه، مما يلقي مسؤولية كبرى على المجلس تتجاوز ما أنيط به، إلى ما يؤمل منه؟!
إنني هنا أحاول نقل إحساس المواطنين وآمالهم تجاه توسيع صلاحيات المجلس، بحيث يكون ممثلا لولي الأمر في التأكد من قيام الأجهزة الحكومية بدورها كاملاً فيما يجب عليها القيام به من مسؤوليات وواجبات، ومصدر اطمئنان للقيادة في المحافظة على المال العام، وتوجيه ما يخصص منه لتوفير الخدمات والمرافق دون إسراف أو مبالغة أو تبذير، وعين يقظة لحماية الثروة ومكتسبات الوطن، ومصالح المواطنين، من العبث وإساءة الاستخدام، يتحرى أوجه القصور في الأداء الحكومي، ويسعى إلى بحثها وإصلاحها مع الأجهزة المختصة.
وأقر ابتداء، بأن دوري هنا لا يتعدى دور أي مواطن يدفعه الإخلاص، وتحدوه الثقة فيما يعبر عنه، بيد أنني، من خلال تجربتي في المجلس، خلال دوراته الماضية، أزعم أنني أمتلك خلفية تمدني برؤية واضحة حول ما اتحدث عنه، مدعومة بخبرة واسعة في مواقع إشرافية ذات صلة بالمال العام والشأن الإداري، أستطيع من خلال ما تختزنه الذاكرة من أصدائها، أن أتعرف وأقيم وأقترح، ما أراه متسقا مع التطلع للمستقبل الذي أتمنى لوطني، في سباق التزاحم بين الدول والشعوب، لاحتلال مواقع متقدمة، في زمن أضحى فيه الإصلاح مطلبا، وصون الكيانات مأربا!!
والتطوير الذي أتحدث عنه، يتناول الشكل والمضمون، بما يرقى إلى طموح ولي الأمر، وآمال الأمة، وإمكانات المجلس ذاته، من حيث كونه يضم نخبة متميزة، تأهيلا وخبرة ومقدرة، تجعله يتخطى ما أنيط به، إلى ما يستطيع القيام به، فقد مضى على المجلس، بوضعه الجديد، ثلاثة عشر عاما ونيفا، نجح خلالها في الامتحان، وهو قادر، كما شهدنا وشاهدنا، على أن يؤدي دورا فاعلا وأساسيا، في التشريع والرقابة والمتابعة والمساءلة، خاصة بعد أن أرسى المجلس، خلال دوراته الماضية، قواعد الشورى والمشاورة، وأدب الحوار والمحاورة، وتفاعلت تحت قبته الآراء المتعارضة، والتوجيهات المتناقضة فامتزجت الرؤى وانصهرت، وتلاقحت الأفكار وأثمرت، يشعر فيه الأعضاء بكامل الحرية، في الطرح، والنقاش، والموافقة، والمعارضة، دون توجيه أو تأثير، أو تكتل أو تسيير، عدا ما يطمئن له الضمير، ويكون فيه الإصلاح هو الرائد، وتحقيق الآمال هو القائد!
بعد هذه المقدمة التي تداعت تلقائيا، عند التفكير والتأمل فيما ينبغي أن يكون عليه دور المجلس في المستقبل، أعود وأقول إن نظام المجلس قد تعرض لبعض التطوير في جوانب محدودة منه، مثل تعديل المادة 17 هو أن يعاد الموضوع المبحوث إلى المجلس، في حالة اختلاف مجلس الوزراء معه، ليقول رأيه النهائي فيه، وكذا تعديل المادة 23 بإمكانية رفع اقتراح تعديل الأنظمة مباشرة من المجلس، وهذا التطوير، وإن كان فيه كسب للمجلس، وتعزيز للثقة فيه، إلا أنه يشكل جزءا يسيرا من التطوير المنشود!
أما أهم تطوير تم فهو زيادة عدد أعضاء المجلس من ستين عضوا إلى تسعين في الدورة الثانية, ثم إلى مائة وعشرين في الدورة الثالثة, ثم إلى مائة وخمسين في الدورة الحالية, وهذا التطوير, فضلا عن أنه يوسع قاعدة التمثيل الشعبي, فإنه يعطي المجلس قدرة أكبر على تحمل أعباء ومسؤوليات أكثر, وبالتالي فهو يصب في اتجاه المطالبة بالتطوير الشامل الذي نتمناه!
نحو مزيد من الصلاحيات
لقد أجملت المادة 15 من نظام المجلس صلاحياته فيما يحال إليه من رئيس مجلس الوزراء ويطلب إليه دراسته متعلقا بالسياسة العامة للدولة, ومناقشة خطة التنمية, ودراسة الأنظمة واللوائح والمعاهدات والاتفاقيات الدولية والامتياز وتفسير الأنظمة, ومناقشة التقارير السنوية للوزارات والأجهزة الحكومية.
والملاحظ أن هذا النص قد قيد المجلس ببحث ما يحال إليه, أما ما تنص عليه المادة 23 وأشرنا إليه, فهو محصور في اقتراح نظام أو تعديل نظام قائم, ومن هنا, وقياسا على إمكانات المجلس, وآمال الأمة, فإن التطوير الشامل قد أضحى مطلبا ملحا لمواكبة التوجه الإصلاحي لدى القيادة.
منح المجلس حق المبادرة بالدراسة
تبين أثناء مسيرة المجلس أن هناك كثير من القضايا الطارئة التي تنشأ ويتعالى صوت المواطن بالتساؤل عن دور المجلس فيها, ومطالبته بالتدخل لدراستها, وإبداء رأيه فيها, كقضايا مثل سوق الأسهم, وحمى الضنك, ومثلها كثير: غير أنه يحد من قيام المجلس بالمبادرة ما تضمنه النظام, وحيث إن بحث مثل هذه الأمور يندرج ضمن الاختصاصات الأصيلة للمجالس النيابية, ومجالس الشورى, ولا يخرج عن كونه تحسسا لآمال المواطنين وآلامهم وعرض رؤيته, بشأنها على ولي الأمر, فإن من الأهمية منح المجلس صلاحية المبادرة لبحث ما يراه متعلقا بمصلحة الوطن والمواطنين.
حق الاطلاع على الوضع المالي
إن أهم ما يشغل الناس وما يهم المجلس ذاته, هو منح المجلس حق الاطلاع المسبق على ميزانية الدولة وإبداء ما يراه بشأن توزيع الموارد وفقا للأهمية والأولويات, وكذا الاطلاع على نتائج الأعمال المالية من خلال دراسة الحساب الختامي للدولة .. وإنني من واقع رؤية ممتدة من عملي الأسبق ذي الصلة بالخزانة وإيرادات ومصروفات الدولة, أستطيع القول, دون تردد, إنه لا يوجد سبب يمنع من ذلك, بل إن اطلاع المجلس وإشراكه في هذا الأمر, يزيل ما قد يسببه الحجب من حرج وتكهنات, أرى أننا في غنى عنها, فضلا عن أنه يعطي ولي الأمر رؤية أوثق في تخصيص الموارد, وإضفاء المزيد من الاطمئنان على الشأن المالي للدولة ككل!
حق استدعاء المسؤولين مباشرة
تنص المادة 22 من نظام المجلس على أن يرفع رئيس مجلس الشورى لرئيس مجلس الوزراء بطلب حضور أي مسؤول حكومي جلسات المجلس, والملاحظ من التطبيق العملي لهذا النص, طيلة عمر المجلس, أن هناك استجابة لرغبات المجلس في هذا الشأن وتجاوبا من المسؤولين, عند حضورهم, في حواراتهم مع المجلس, إلا أنه يستجد من الأمور ما يتطلب استدعاء المسؤول على وجه السرعة .. ولإضفاء المزيد من الاستقلالية والثقة على أعمال المجلس, فإن من المصلحة منحه حق استدعاء المسؤولين الذين يرى مناقشتهم حول أداء جهاتهم, وذلك بصفة مباشرة, في صورة دعوة توجه للمسؤول من رئيس المجلس.
أسلوب اختيار أعضاء المجلس
كان الأسلوب المتبع في اختيار أعضاء المجلس خلال ما انقضى من عمره هو التعيين بيد أن أسلوب الانتخاب لم يغب عن الأذهان على أعلى المستويات, ولم يُستبعد الأخذ به, اتساقا مع طبيعة الأمور, واستجابة للتطور والنداءات التي تطرح باستمرار على الصعيدين المحلي والدولي.
وحيث إن المملكة دخلت تجربة الانتخابات في أكثر من مجال, ونجحت فيها, مثلما حصل في المجالس البلدية, والغرف التجارية, وبعض مؤسسات المجتمع المدني, وأسهم ذلك في رفع مستوى الوعي, وثقافة الانتخاب, فإن الوضع الأمثل الذي نتمناه, ونرى أنه يتماشى مع وضعنا, وما نحن مقدمون عليه, ويحقق الهدف الإصلاحي الشامل, هو انتخاب نصف أعضاء المجلس, على غرار ما تم بالنسبة للمجالس البلدية.. وحيث إنه تبقى من دورة المجلس الحالية قرابة ثلاث سنوات, فإنه يحسن البدء في الترتيب لذلك وإعلانه من الآن, وأخذ ما يلزم من خطوات وإجراءات في سعة من الوقت.
ماذا عن مشاركة المرأة؟
إن مستوى النضج الذي وصل إليه المجتمع, وما سيحدث من تطور في المستقبل في اتجاه المطالبة, على الصعيدين المحلي والدولي, بمشاركة المرأة في مختلف المجالات, وآخرها ما قرره الاتحاد البرلماني الدولي, حول ضرورة مشاركة المرأة في الوفود البرلمانية, والذي لم يجد المجلس بداً من الالتزام به في المؤتمر الأخير للاتحاد, عندما أشرك سيدتين من خارج المجلس مع وفده, فلهذه الأمور وحفاظا على عضوية المجلس في الاتحاد التي جاهد المجلس في الحصول عليها, فإنه يتحتم التفكير جديا في إشراك المرأة في عضوية المجلس, ويمكن أن يتم ذلك بإتاحة الفرصة لها للترشيح للانتخابات, أو شمولها ضمن النصف المعين من الأعضاء, وتأجيل ترشحها للانتخابات إلى الدورة التالية.. وينبغي ألا يثنينا عن ذلك ما يتردد أحيانا من أقاويل, ففي الأمر متسع, وفي كيان المجلس وتكوينه, وسمعته, وازدياد الثقة فيه, ما يوفر الحصانة والاطمئنان, ونجاح التجربة.
ما أود أن أختم به كلمتي هو أن المملكة جزء من العالم, والعالم يتأثر ببعضه ويؤثر فيه, والزمن لا يقف ولا ينتظر, وعجلة الإصلاح تحتاج إلى أيد قوية لدفعها!!
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة
فإن فساد الرأي أن تترددا
والله من وراء القصد