الثقافة النفطية... وإنجازات القطاع الخاص
<a href="mailto:[email protected]">a@aalhajji.com</a>
دعوت في مقالات سابقة إلى نشر "الثقافة النفطية" بهدف محو الجهل الكبير بأسواق النفط العالمية والسياسات النفطية للسعودية كونها أكبر مصدر للنفط في العالم، والدولة الأولى في احتياطيات النفط. وتبين في هذه المقالات أن:
* نشر الثقافة النفطية أصبح متطلباً وطنياً وقومياً لوقف سيل الادعاءات المضللة والكاذبة، وتعزيز الحوار الوطني والقومي والعالمي، والحد من انتشار التفكير التآمري. لذلك فإن هناك فائدة لكافة الأطراف من انتشار "الوعي النفطي"، بما في ذلك الحكومة بكافة مؤسساتها وشركاتها.
* ضعف المعرفة بأمور النفط لا يقتصر على عامة الناس، وإنما يشمل كل الفئات من الجنسين بما في ذلك كثير من المسؤولين ورجال الأعمال والمشايخ وأساتذة الجامعات والمدارس والكُتّاب والصحافيين. لذلك فإن نشر "الثقافة النفطية" يجب أن يكون على كل المستويات.
* ضعف معرفة الصحافيين والإعلاميين بشؤون النفط يجعل من الصعب نشر "الثقافة النفطية"، لذلك فإن نشر الثقافة النفطية" يتطلب التركيز على هذه الفئة في البداية.
* عدم توافر البيانات والمعلومات باللغة العربية يعرقل من جهود نشر الثقافة النفطية. لذلك فإنه لابد من بناء قاعدة بيانات ضخمة باللغة العربية، ونشر كافة التقارير والتوقعات باللغة العربية.
* أهم موضوع يواجه الطلبة السعوديين في الخارج هو موضوع النفط. وأثبتت التجربة أن أي حوار بين الطلبة السعوديين والغربيين فيما يتعلق بالنفط هو حوار خاسر لضعف خلفية الطلبة السعوديين في مجال النفط, خاصة فيما يتعلق بسياسات السعودية النفطية ودورها العالمي في استقرار أسواق النفط. لذلك يجب التركيز على هذه الفئة بشكل خاص لتسليحها بثقافة نفطية تمكنها من الدفاع عن المملكة ومصالحها في الخارج.
* هناك فهم محدود عند بعض المسؤولين لمفهوم الثقافة النفطية حيث يظن هؤلاء أن تعريف طلاب المدارس بألوان النفط وطرق استخراجه يفي بالغرض، مع العلم أن هذه المعلومات متوافرة في أغلب كتب العلوم الطبيعية في أغلب دول العالم. وقد يعذر هؤلاء لأنه ليس من صلاحيتهم الكلام في السياسات النفطية، والسياسة، والتسعير، وغير ذلك.
غياب الدور الحكومي وبروز القطاع الخاص
هناك حاجة ماسة لنشر الثقافة النفطية، خاصة ضمن الصحافيين والإعلاميين، كما أن هناك حاجة ماسة للتخطيط لتعليم وتدريب الصحافيين المتخصصين في كل المجالات, بما في ذلك النفط والغاز والكهرباء. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: مَن سيتحمل نفقات التدريب؟ الصحافي؟ أم الصحف؟ أم وزارات النفط؟ أم شركات النفط الوطنية؟ أم كلهم؟ هل هي مهمة القطاع العام أم الخاص؟
الأجوبة على هذه الأسئلة قد تكون محوراً للنقاش، خاصة على المواقع الإلكترونية. المفاجئ في الأمر أنه في الوقت الذي لم تهتم فيه الحكومات الخليجية أو شركاتها النفطية بموضوع "الثقافة النفطية" بمفهومها الصحيح، قام القطاع الخاص بخطوات رائعة، الأمر الذي يدل أيضاً على فاعلية القطاع الخاص، وحركيته، وإدراكه لأهمية هذا الموضوع الحيوي. فقد قام مركز الخليج للأبحاث في دبي بإنشاء برنامج الطاقة في الخليج، وعكف على نشر تقارير شهرية وربع سنوية وسنوية باللغة العربية. كما قام بنشر العديد من المقالات والكتب المتعلقة في هذا المجال باللغة العربية بهدف نشر المعرفة. ولعل أهم إنجازات المركز نشر كتاب "توقعات الطاقة العالمية حتى عام 2005" باللغة العربية وعرضه للبيع بسعر رمزي، تمشياً مع شعار المركز "المعرفة للجميع"، وهو أول منشور عربي يحتوي على قاعدة بيانات تتعلق بأسواق الطاقة العالمية. ولم يكتف المركز بذلك، بل وضع كل منشوراته على موقعه الإلكتروني كي تتوافر هذه المواد للجميع في كافة أنحاء العالم، بما في ذلك مجلته الشهرية "آراء" والتي تخصص عدداً كاملاً كل سنة لشؤون النفط.
كما أسهمت الشركة السعودية للأبحاث والتسويق، خاصة مطبوعتها المميزة "الاقتصادية"، في نشر الثقافة النفطية عن طريق نشر 52 حلقة على مدار عام كامل بعنوان "مفاهيم نفطية". واللافت للنظر خلال العامين الماضيين هو الكم الهائل للمقالات التي نشرتها "الاقتصادية" عن شؤون النفط، خاصة مقارنة بما نشر في الماضي. شارك في كتابة هذه المقالات عدد من الخبراء العالميين، بالإضافة إلى نخبة من المفكرين وأساتذة الجامعات السعوديين. وهنا أحب أن أؤكد بهدف التوضيح أن الحديث هنا عن المقالات، وليس الأخبار. من الناحية الإخبارية تميزت المطبوعة الأخرى للشركة السعودية للأبحاث والتسويق، "الشرق الأوسط"، والتي تكاد تكون الصحيفة السعودية الوحيدة التي نشرت أخباراً وتحقيقات أصلية في مجال النفط قام بها صحافيو الجريدة. وهنا لا بد لنا أن نذكر أن صحيفة "الحياة" قد حققت سبقاً عندما اختارت الأستاذ وليد خدوري، رئيس التحرير السابق لمجلة "ميس" المشهورة، ليكون مسؤولاً عن صفحتها الاقتصادية، حيث يقوم بنشر عمود أسبوعي يلخص فيه أحداث أسواق النفط العالمية بطريقته العلمية وحنكته المعهودة. وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فإن أغلب الأخبار النفطية التي تُنشر في الصحف العربية الأخرى مترجمة عن وكالات الأنباء والصحف العالمية.
إدراكاً منها بأهمية نشر الوعي الاقتصادي بشكل عام والثقافة النفطية بشكل خاص، قامت الشركة السعودية للأبحاث والتسويق في شهر شباط (فبراير) الماضي بإنشاء خدمة "المتحدث الدولي"، وهي خدمة مجانية تقدمها الشركة، حيث تقوم بدعوة الخبراء الدوليين في مجال النفط وغيره لإلقاء محاضرات عامة في المدن السعودية. وبدأ البرنامج بمحاضرات ألقاها الخبير الأمريكي روبرت برايس المتخصص في شؤون الطاقة ومدير تحرير مجلة "إنرجي تربيون". ومن المتوقع أن يقوم البرنامج بجذب خبراء في مجالات الاقتصاد والسياسة من كافة أنحاء العالم.
الدور الحكومي في نشر "الثقافة النفطية" محدود حتى الآن، مع أن الحكومة هي أكثر المستفيدين من هذا الأمر في النهاية. المشكلة أن قيام الحكومة وشركاتها بنشر الثقافة النفطية بشكل مباشر قد لا يسهم في تحقيق الأهداف المرغوبة بسبب شك الناس ووسائل الإعلام في أسباب قيام الحكومة بذلك. لذلك فإنه من الأفضل دعم القطاع الخاص للقيام بهذه المشاريع، خاصة أنه أثبت نجاحه في هذا المجال. بالإضافة إلى ذلك فإن قيام المؤسسات والشركات الحكومية بهذه المشاريع سيحجم الثقافة النفطية، لأن مسؤولي هذه الشركات لا يستطيعون التعبير عن آرائهم بصراحة، إما بسبب قوانين العمل أو خوفاً من التعدي على صلاحيات مصلحة أو إدارة أخرى، على عكس القطاع الخاص الذي يتمتع بحرية ودينامكية لا تتمتع بها الهيئات والشركات الحكومية.
لا شك أن هناك بعض الجهود لنشر الثقافة النفطية من قبل بعض المؤسسات الحكومية في الخليج، لكنها في الغالب تشترك فيما بينها بأنها لا تهدف إلى "نشر الثقافة النفطية"، خاصة تلك الأعمال التي تقوم بها بعض المؤسسات الحكومية والإقليمية. أما المجلات التي تصدرها بعض الوزارات والمؤسسات فإنها تركز على منسوبيها في الغالب، وهي أقرب إلى "العلاقات العامة" منها إلى "التوعية النفطية. أما مركز الطاقة الجديد الذي وافق على إنشائه مجلس التعاون الخليجي في الشهور الأخيرة فإنه وللأسف.. غريب عن هذه الديار.. غريب الوجه واليد واللسان!