بريق سوق الأسهم

<a href="mailto:[email protected]">f.albuainain@hotmail.com</a>

يجب أن نعترف بأن قوة الدفع المعنوية التي اكتسبتها سوق الأسهم السعودية، بعد التغييرات الإدارية الأخيرة، قد أوشكت على النفاد، وأن ثقة المتداولين في السوق بدأت في التراجع المخيف، بسبب ارتفاع معدلات المخاطرة من جهة، وتحكم كبار المضاربين في توجهات السوق من جهة أخرى.
فبعد أن حققت السوق مع بداية التغيير الإداري ارتفاعات قوية حملتها بعيدا عن مستوى 10000 نقطة، ها هي تعود لملامسة تلك النقطة من جديد، وربما تتجاوزها إلى مستويات متدنية ما لم تتدخل قوى الدعم من أجل تغيير الوضع الحالي الذي بات يهدد سلامة السوق والمتداولين.
العودة إلى نقطة التحول في أزمة الانهيار، وبداية ارتداد السوق، تدفعانا إلى التساؤل من جديد عن أصل العلة التي تعانيها سوق الأسهم السعودية، وهل هي على علاقة مباشرة بالإدارة، نظام التداول، هيكلة السوق أم الاقتصاد العام؟ ودون الخوض في مزيد من التفاصيل، واجترار ما تم طرحه من قبل، يمكن تأكيد أن التغييرات الإدارية الدراماتيكية أدت إلى إحداث تغيير جذري في مسار السوق الهابط، وأعادت الثقة للمستثمرين، إلا أنها وللأسف الشديد لم تستغل الاستغلال الأمثل من أجل إرساء قواعد الاستقرار، وتعديل منهجية المستثمرين، وهنا نلقي باللائمة على بعض صناع السوق وكبار المضاربين غير المنضبطين الذين أسهموا في إفساد خطط الإنقاذ الحكومية التي اتخذت منذ بداية الأزمة وحتى وقتنا الحالي.
هناك جهود كثيرة عملت من أجل المحافظة على مكاسب السوق، خصوصا فيما يتعلق بعلاقة الهيئة بالصناع وكبار المضاربين، وانفتاحها على الإعلام، وتعديلها بعض الأنظمة التي يعتقد أنها أثرت سلبا في أداء السوق والمستثمرين، وإدخال استراتيجية التطبيق الآجل للأنظمة، وجدولة الاكتتابات, وكثير من الجهود التي لا يمكن إنكارها، إلا أن كل تلك الجهود المميزة لم تصمد أمام سلوك بعض صناع السوق وكبار المضاربين الذين أصروا على ممارسة هوايتهم الحقيقية في التحايل على أنظمة التداول والتغرير بالمتداولين. هؤلاء المضاربون هم السبب الحقيقي الكامن خلف هزات السوق العنيفة، وتذبذبها الخطير، وهم المسؤولون أيضا عن خسارة ملايين المتداولين ثرواتهم ومدخراتهم التي يئسوا، حتى الآن، من استرجاع الجزء اليسير منها.
هل فقدت سوق الأسهم بريقها؟ بهذا يقول بعض الكتاب والمحللين اعتمادا على قراءاتهم الواقعية لأداء السوق خلال الأشهر الخمسة الماضية، وإن كنت أخالفهم هذا التوجه التشاؤمي، فسوق الأسهم السعودية ما زالت تحتفظ بقوتها المستمدة من قوة الاقتصاد العام، وقوة الشركات المدرجة فيها التي استطاعت أن تحقق أرباحا خيالية في النصف الأول من العام الحالي.
فالمؤشرات الاقتصادية، بحسب بعض التقارير غير الرسمية، تشير إلى أن ميزانية المملكة مرشحة لتحقيق أكبر فائض في تاريخها خلال عام 2006 مدعومة بإيرادات النفط الخيالية المتوقع بلوغها 761 مليار ريال ( 203 مليارات دولار)، وبفائض متوقع يبلغ 250 مليار ريال (67 مليار دولار). أما الدين العام، فيتوقع أن ينخفض إلى نحو380 مليار ريال (101 مليار دولار) أي ما يعادل 27 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. كما توقعت التقارير الاقتصادية استمرار الأوضاع الإيجابية المحفزة لأسعار النفط ومستويات الإنتاج ، والنمو المطرد في القطاع غير النفطي حتى عام 2007.
هل يعقل أن تبقى سوق الأسهم السعودية في عزلة تامة عن الطفرة الاقتصادية الحالية التي قد تستمر أعواما مقبلة، كما يروج لها البعض؟ لا أعتقد ذلك، بل أجزم أن القطاع المالي يجب أن يكون أكثر المستفيدين من الطفرة الحالية عطفا على المؤشرات المالية الإيجابية ذات العلاقة بالميزانية، الدين العام، الاحتياطيات النقدية، الصرف على المشاريع، المناخ الاستثماري، وتحسن وضعية الشركات المالية.
ستبقى سوق الأسهم السعودية الواجهة المشرقة للاقتصاد السعودي، ونقطة التقاء الاستثمارات العامة، ومنطلقا لمشاريع التخصيص ودعم القطاع الخاص مهما تعرضت لهزات مفتعلة، أو عمل بعض أبنائها ضد استقرارها من أجل مصالحهم الخاصة، إلا أن هذه الثقة المستمدة من الله سبحانه وتعالى ثم بالاقتصاد السعودي والرعاية الملكية لسوق الأسهم، يجب ألا تحجب الرؤية عن المخالفات الحقيقية التي أدت إلى استنفاد سوق الأسهم السعودية قوة الدفع الحكومية ما أدى إلى عودتها من جديد إلى منطقة الخطر.
لا أعتقد أن يتنازل المسؤولون عن نجاحاتهم المحققة في إدارة السوق بهذه السهولة، أو أن يسمحوا للمضاربين غير المنضبطين بتدمير السوق والعودة بها إلى حيث كانت، إلا أن تتطابق استراتيجيات إدارة الأداء مع ما يروج له بعض كبار المضاربين، عندها فقط سنتأكد بأننا كنا آخر العارفين بأخبار النخبة، واستراتيجيات المتنفذين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي