أيتها البنوك .. سؤال وجيه .. نأمل الإجابة

<a href="mailto:[email protected]">nsabhan@hotmail.com</a>

تحيط بالبنوك تساؤلات مستمرة حول ضعف دورها الإيجابي في الاقتصاد الوطني من خلال أوجه إسهامها السلبي في عملية التنمية الوطنية الشاملة, وتعكس هذه التساؤلات ملاحظة غيابها عن برامج التمويل في مجالات حيوية تثري التنمية وتقدم عبرها فعلا خدمات بنكية حقيقية. وحتى يكون الأمر واضحا منذ البداية فليس المطلوب هنا من البنوك أن "تتصدق" بجزء من أرباحها الكبيرة, التي تحققها على مدار العام, على المجتمع الذي تعمل فيه وتجني كل هذه الأرباح من تعاملات أفراده وودائعهم, بل المفترض أن تستثمر جزءا من هذه المكاسب في عملية تبادل منافع ذات مردود وطني من خلال تبنيها برامج تمويل استثمارية مجدية تسهم فيها بدور إيجابي في تأمين حاجات المواطن الأساسية والجوهرية في مجالات حيوية مثل قطاع الإسكان المتعثر بسبب غلاء الأراضي المفرط, وتكاليف البناء التي لا يقدر عليها كثيرون. وهذا ما أشارت إليه "كلمة الاقتصادية" ليوم الأربعاء الموافق 21/3 تحت عنوان "بنوكنا .. لماذا لا تشتري للمواطنين بيوتا؟", وهو سؤال وجيه جدا وحري به أن يجد اهتماما من البنوك وجوابا واضحا منها.
طبعا لم يكن المقصود بهذا السؤال هو أن تقوم البنوك بتوزيع بيوت مجانية على المواطنين, ولكنه يعني أن توظف البنوك استثماراتها في مجالات حيوية بدلا من تركيزها وقصرها على قروض شخصية توسعت فيها مستغلة طفرة الأسهم الأخيرة, التي كان لها وما زال سلبيات عديدة تضرر منها المقترض بالدرجة الأولى دون أن يستفيد من هذه القروض الاستفادة الكاملة. ومن أهم هذه المجالات قطاع العقار الذي تنأى البنوك بنفسها عنه على الرغم من المردود الجيد والاستثمار المثمر فيه. ولكن لأن بنوكنا تسعى فقط إلى الاستثمار السريع وجني المكاسب الأسرع على قاعد "كل الفطير وطير" ركزت استثماراتها على القروض الشخصية رابطة إياها بالمحافظ الاستثمارية للأسهم مع تكبيل الزبون أو العميل بشروط "شايلوكية", نسبة إلى شخصية شايلوك في مسرحية شكسبير الشهيرة "تاجر البندقية", مثل ربط الراتب بالبنك لكي "تقتص" منه الأقساط الشهرية فور نزوله في الحساب وتملكها حق بيع المحفظة لحظة شعورها بخطر نزول السوق من دون إذن أو علم العميل, فتقوم لحظة تشاء بـ "شفط" محفظة العميل دون أن يكون له حق الاعتراض أو التظلم, وتحميله الخسارة كدين مع أن الجميع يعلم أن السوق يتذبذب صعودا وهبوطا, وهذه الاشتراطات هي ما دفعت البنوك إلى التوسع في مثل هذا الإقراض بداعي تقديم التسهيلات البنكية بينما هي في واقع الأمر "توريطات" بنكية.
لقد طرحت كلمة "الاقتصادية" وجهة نظر صائبة وعملية تتوافق مع الدور المفترض لبنوكنا يماثل دور أقرانها في دول عديدة, والتي, أي تلك البنوك, إضافة إلى إسهامها في الأعمال الخيرية, وهو ما لا تفعله بنوكنا, مقابل إسقاط جزء كبير من الضرائب عنها, وهو ما لا تعانيه أيضا بنوكنا, نجدها تتوسع في تقديم برامج تمويل خصوصا في قطاع العقار والإسكان حتى لعملائها العاديين, وهذا ما طرحته "الاقتصادية" من منظور التطلع إلى أن تستثمر بنوكنا جزءا من عوائدها من الأرباح الصافية, التي بلغت خلال الربع الأول فقط من هذا العام عشرة مليارات ريال, إلى جانب جنيها 13 مليار ريال من المتاجرة في الأسهم حسب الدكتور عبد الرحمن الزامل عضو مجلس الشورى كما نقلت عنه جريدة "عكاظ" الجمعة الماضي, وذلك بتقديم برامج تمويل خصوصا في مجال شراء وإنشاء المساكن مما سيجعل بنوكنا فعلا تنخرط وتسهم إيجابيا في عملية تنمية فاعلة مما يمكنها من أن تسجل لنفسها موقفا مشرفا يتوازى مع أجواء العمل المريح المتاح لها في بلادنا والخالي من الضرائب وإحجام الغالبية من أخذ الفوائد لحرمتها وهو ما يعود على البنوك بأرباح إضافية. وهنا فإني أضم صوتي إلى صوت "الاقتصادية" لأن تتدخل مؤسسة النقد ووزارة المالية من أجل تشجيع بنوكنا على الانخراط في برامج تمويل عقاري سهل وميسر وبتكلفة معقولة للمواطنين. وهنا يمكن طرح اقتراح لبرنامج تمويل عقاري يؤمن للبنوك مردودا معنويا إلى جانب المردود المادي ويتيح لها الإسهام في تنمية الحياة الاجتماعية, فهناك عشرات الألوف من المواطنين يمتلكون أراضي ولكنهم لا يملكون قيمة البناء, وجلهم ينتظرون الدور لدى صندوق التنمية العقاري, فلماذا لا توجد اتفاقية بين الصندوق والبنك والمواطن الذي لديه أرض ومسجل في قائمة الانتظار لدى صندوق التنمية على أن يقوم البنك بتمويل بناء سكن لهذا المواطن, ويتم حسب هذه الاتفاقية تسديد قرض الصندوق للبنك مباشرة وليكن على أقساط شهرية على أن يقوم المواطن أيضا بتسديد أقساط موازية على اعتبار أن مبلغ القرض وهو 300 ألف ريال لا يكفي في هذا الوقت لبناء فيلا صغيرة.
إن امتلاك المواطن المحتاج إلى سكن أرضا سوف يسقط جزءا مهما من التكلفة الإجمالية. فلو وضعنا ميزانية بناء تبلغ 600 ألف ريال مثلا فإن المواطن سيدفع منها فقط 300 ألف والصندوق مثلها, وهذا تيسير لكل الأطراف وبما يمكن المواطن من تسديد الأقساط للبنك والصندوق معا, ونجاح ذلك مرهون بمطلب تخفيف عمولة البنك إلى أدنى حد ممكن وعدم احتسابها مركبة. وليعتبر ذلك مساهمة في تنمية قطاع مهم وأساسي مثل الإسكان بما يساعد المواطن على الحصول على سكن ويخفف الضغط على صندوق التنمية العقارية.
نخلص من ذلك إلى أنه آن لبنوكنا, وهي تتفاخر بكم أرباحها ربع ونصف السنوية وبما يجعلها من أكثر بنوك الدنيا ربحية, أن تنزل من برجها العاجي إلى مجتمعها وتسهم في تنميته. وكل المأمول أن تجيب بنوكنا فعلا عن سؤال "الاقتصادية", وأن تتحرك مؤسسة النقد ويتفاعل صندوق التنمية مع وزارة المالية في ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي