الفرصة الأخيرة: الشارع لن يقبل هدرا اقتصاديا في ألمانيا
<a href="mailto:[email protected]">aldubiany@aleqt.com</a>
ربما يقول قائل لِمَ هذا المقال هنا وليس في صفحات الملحق الرياضي, فأقول إن الرياضة لم تكن ذات يوم مقصورة على الملاعب وهي اليوم باتت مقياسا اجتماعيا واقتصاديا للدول في شكلها الجماعي أو الفردي وهي أيضا مؤشر يمكن من خلاله استشراف ما سيؤول إليه المجتمع بعد عدة سنوات بناء على المعطيات الحالية في شأن الرياضة والرياضيين.
هذه المقدمة, جاءت ليكون الحديث عن رياضتنا السعودية وفي ما يخص كرة القدم منها وتحديدا ما يرمي إلى التأهل إلى كأس العالم, فنلحظ بين فينة وأخرى عبارات تتسلل عمدا أو قصدا إلى ذهنية الشارع مفادها الاعتزاز بالتأهل أربع مرات متتالية لهذا المحفل الدولي مع إغفال أيضا بالقصد أو دونه ما يستوجب أن يكون عليه الوضع في المرة الرابعة عندما نتصارع مع نخبة العالم الكرويين في ألمانيا.
ولا شك في أن الشارع (أو الجماهير بلغة الرياضة) لا يمكن أن ينطوي عليها اعتزاز المرات الأربع المتتالية دون أن تتذكر المآسي التي حدثت في سابقاتها الثلاث أو ربما في سابقتين, حيث بتنا محل تهكم العالم وما كان ليطولنا هذا التهكم لو أن الظروف اصطدمت مع فريقنا وبقي في الرياض ولم يطر إلى اليابان حين عدنا وفي جعبتنا أكثر من 15 هدفا في ثلاثة لقاءات, وعدنا أيضا وقد بتنا محل شماتة شرق العالم وغربه من هذا الفريق المهترئ الذي لا يعكس بأي شكل من الأشكال أنه مقبل من دولة غنية يقع اقتصادها ضمن أكبر 20 اقتصادا في العالم, ويسعفها وضعها المالي أن تخصص للشأن الرياضي أحسن الكفاءات وتوفر له الإمكانات من المال والعداد كافة. ولم تكن الحالات السابقة (وربما حالتا فرنسا واليابان الأكثر تعبيرا) لتشير إلى أن النخبة التي اختيرت لهذا المحفل جاءت من بين 16 مليون مواطن وفيها أكثر من 100 ناد, بل إن الوضع لم يكن يعكس إلا نفرا مقبلين من دولة هزيلة الاقتصاد وضئيلة السكان والمساحة.
ونعيد القول إنه عطفا على الحالات الأخيرة, فذهنية الشارع (المواطن) لن يكون فيها متسع للركون إلى الاعتزاز بالتأهل فحسب, وبالقطع لن يرتفع السقف إلى البطولة, لكن ما بين الحالتين بون شاسع يمكن التحرك فيه, وما لم يحدث ذلك نكون قد دقينا الإسفين الأخير في مسرح التأهل, وسيكون الأمر معضلة قياسية. فمن جهة فأي مبرر لحدوث انتكاسة مماثلة لما سبق لن يكون مقبولا ومن جهة فإن الجهات الراعية للرياضة ما عهدنا منها طوال السنين الماضية أن اتخذت قرارا علاجيا يتفق مع مستوى العلة, فحين جاءت حادثة اليابان الشهيرة, لم يتجاوز الأمر عندها "كبوة الحصان" في حين كان الرأي العام العالمي يتهكم واتحاد الكرة الدولي يصنف فريقنا أنه الأول أو الثاني الذي يخسر بهذا الكم من الأجوال في نهائيات العالم. وكاد بعضنا يركن إلى "كبوة الحصان" حتى جاء القرار من الملك عبد الله – ولي العهد آنذاك – بتشكيل لجنة عليا تحدد مقتضيات المسألة, والتي قطعت شوطا كبيرا, كان آخر المعلومات التي خرجت منها قبل أشهر هو تكليف جهات محددة لدراسة الطرق المثلى لتخصيص الأندية وهو عنصر واحد من عدة عناصر حددتها اللجنة لمعالجة العطب الذي أصاب رياضتنا في "مقتل" وسرب اليأس والشكوك إلى أذهاننا.
لا يوجد لدينا مؤسسات لاستطلاع الرأي العام, لكن يمكن معرفة توجهه, وهو ينحو في الغالب باتجاه أن موقعة ألمانيا ستكون الفرصة الأخيرة ويجب أن تقود في حالة الفشل إلى هيكلة ملموسة على عدة أصعدة, فالمخصص المالي لهذا النشاط يصبح هدرا عندما يتكرر الفشل ولا بد أن يحدث تعديل في قناة الصرف أو في كيفيته حتى يعطي منتجات يتوازى مع هذا المخصص. أي بصريح العبارة, أنه لا داعي لتخصيص مبالغ طائلة في مسألة الإعداد والتجهيزات والرواتب والبدلات ومخصصات السكن والعناصر المرافقة (وهم كثر), فالأولى أن تذهب هذه الأموال لبناء مستوصف أو مدرسة أو تحتسب لترقية موظفين في الدولة, ونكتفي بما تحقق من تأهل فحسب ولا داعي لمنح العالم فرصة للتهكم وإحداث فاقد في دخل بلادنا كان بالإمكان السيطرة عليه وضمان نجاحه في قناة غير تلك القناة المتعثرة.